مالك صقور
وعدتُ أنْ أكمل الزاوية السابقة عن شعب سعيد يعيش بعيداًعنا ، مترجمة من مجلة ( نيديليا ) – أي الأسبوع ، وهي مجلة سوفيتية عريقة ، والمقالة هذه تُرجمتْ عن تحقيق صحفي أجرته هذه المجلة :
إذن ، من هو شعب الهونزا ؟ وأين يسكن ؟
يسكن شعب الهونزا في أقصى حدود الهند في شمال كشمير ، بين أفغانستان غرباً، والسينكيان الصيني شرقاً، ويفصلها ممر ضيق في الشمال عن الاتحاد السوفييتي ، تحيط التفرعات الجبلية الشاهقة لجبال الهملايا بهذه البلاد ، ويبلغ ارتفاع الممرات الجبلية المتوسطة ستة آلاف متر . عدد القرى المكتشفة نحو مئة وخمسين قرية موزعة بيت ( بلتيت ) و ( جلجيت ) ، تفصل بينهما مسافة تبلغ مئة كيلو متر . بتليت هي العاصمة ، وفيها مقر ( المير ) – أي ملك الهونزا . وتقع هذه العاصمة بين الجبال الأكثر ارتفاعا ًوخصباً ، وأعلى من العاصمة على هضبة مرتفعة يوجد مقر المير ومسكنه . وهذا يعيدنا إلى المؤرخ اليوناني بلوتارخوس الذي يقول : ” إنه في مكان ما على مقربة من الهند ، يعيش شعب بسعادة كاملة وهو قليل العدد ، وفوق ذلك يتمتع بصحة مزدهرة “. لقد كان حديث المؤرخ اليوناني ضرباً من الخيال ، أو من خرافات العصر الذهبي ، لأن أحداً ما لم يكن قد اكتشف هذا الشعب السعيد . ولكن الاكتشافات اللاحقة للرحّالة أثبتت مقولة بلوتارخوس ، فهذا الشعب يتميز بخلق مثالي ، وعقل كامل ، وانسجام منقطع النظير للعلاقات العائلية والاجتماعية . وعلى الرغم من الظروف القاسية للعيش فأن هذه الجماعة من البشر لا تنعم بالسرور فحسب ، بل تشعر بالرضا دائماً .
يعيش شعب الهونزا على الزراعة ، وتقام القرى والبساتين على المنحدرات المشغولة بدأب وصبر وعناية على شكل مصاطب . ويعتبر شعب الهونزا من أرباب البستنة ، وزراعة الخضار ، والأشجار المثمرة . ولأنهم لا يستخدمون النار في إعداد طعامهم ، ولهذا يعتقد أنهم يتمتعون بالصحة الجيدة .والغذاء الرئيسي لهم من ثمار نيئة ، ومن الخضار الطازجة صيفاً ، والمجففة شتاءً . والشتاء عندهم قاس جداً ، فدرجة الحرارة تهبط إلى ماتحت الصفر ، فيهجع السكانىفي بيوتهم ، وينصرفون للأعمال المنزلية المختلفة . منهم من يقوم بأعمال الخراطة و النحت ، والحدادة ،والصقل ، ومنهم من يقوم بتنظيف الصوف وتمشيطه ، ومنهم من يقوم بأعمال الغزل ، والخياطة ، والتطريز .. وفي الشتاء ، مناسبة ليحكي الشيوخ للأبناء و الأحفاد حكايات الأبطال والملوك ، ووقائع تاريخية ، وكيف تم شق ومد وبناء أقنية الري وغيرها ، وعن الأعياد والأعراس التي يحبها شعب الهونزا .. ويصغي الشباب والصبايا باهتمام وانتباه لمجريات الأحداث التاريخية ، وذلك لأنه لا يوجد لديهم تراث أدبي ..ومع ذلك ، فإن لغتهم غنية جداً . ( يتحدث شعب الهونزا الهندي اللغة البروشسكية المعروفة أيضاً باسم “خاجونا ” ) .. ووفق ما أورده جون توبي في كتابه ( شعب الهونزا ، رحلة إلى بلاد فارس): تتميز أخلاق شعب الهونزا بدرجة رفيعة من السمو، ويمكن مقابلتها مع أفضل الأمثال قدوة في العالم ، ولا يوجد عندهم أي علاقات متهتكة بين الرجال والنساء ، وقد لوحظ بكل تأكيد أنهم أطهار في أفكارهم وفي حياتهم .
وكما يذكر د. برتشر في كتابه ( الهونزا ) رأي السيدة لوريمر وهي تتحدث عن الميزات الجوهرية لأخلاق شعب الهونزا فهم فرحون جداً يحبون الحياة ، يكرمون بعضهم بعضا في علاقاتهم مع الغرباء ، وهم مضيافون ، يحبون الضيف ويكرمونه ، وهم ذو لطف وعطف ، صبورون ، يعاونون الشيوخ ، ويهتمون بالأطفال ، وهم على استعداد دائم لأن يساعدوا الجميع في كل شيء . ومن اللافت أيضاً ، أنهم يعتنون بالحيوانات الداجنة ويهتمون بها ويعطفون عليها .
ويخلص كل من عاين شعب الهونزا وفق د. برتشر ، كما يقول : ” إن كل قرية في بلاد الهونزا تشع بالسلام والهدوء والسعادة والإطمئنان إلى العيش ، وحتى بالغبطة ، التي كثيراً ما تظهر بالإبتسامة المشرقة على الوجوه “.
إن كل ما كتب وروي عن حماسة شعب الهونزا للعمل ، يتوافق مع أقوال الكاتب الروسي ليف تولستوي ، الذي يؤكد أن السعادة الحقيقية يجدها الإنسان في العمل .. كما يمكن القول : إنهم يعملون وكأنهم يلعبون ، ويلعبون كأنهم يعملون ..
وأخيراً ، يشير التحقيق الصحفي إلى أن أكتشاف هذا الشعب ومعرفته ،له أهمية كبيرة لمستقبل البشرية ، ولو وجد أناس يهتمون بهذا الشعب ومثله وأخلاقه وسلوكه ، ليكن قدوة للشعوب
الأخرى .
هذا غيض من فيض عن شعب الهونزا ، فهل مازال هؤلاء القوم كما كانوا ، أم وصلت إليهم “حضارة ” الغرب ، وفعلت بهم ما فعلت بشعوب الشرق ؟!
(موقع أخبار سوريا الوطن-١)