آخر الأخبار
الرئيسية » قضايا و تحقيقات » الشيباني في مذكّرة دبلوماسية: جرائم السويداء في رقبة العشائر!

الشيباني في مذكّرة دبلوماسية: جرائم السويداء في رقبة العشائر!

 

فراس الشوفي

 

 

تتضخّم، يوماً بعد يوم، كرة النار التي أحدثها هجوم النظام السوري الجديد على محافظة السويداء جنوب شرقي سوريا، في ظلّ الحصار المفروض على المحافظة، وتركها فريسة للتدخّل الإسرائيلي. فالجرائم المرتكبة أخيراً من قبل السلطة الانتقالية والجماعات الموالية لها في جبل حوران، والسّجل المتراكم من الجرائم اليومية المستمرة بحقّ أهالي الساحل من العلويين خصوصاً، والتي بدأت تمتدّ إلى غالبية المدن، مستهدفةً السوريين كافة، باتت آثارها أكبر من قدرة أي طرف على الاحتواء، أو على الغسيل والطمس.

 

لكن، كالعادة، يحاول النظام الجديد، بمساعدة إقليمية ودُولية، التملّص من الانتهاكات التي ارتكبها الأمن العام مع الفصائل المقرّبة من السلطة في السويداء، بسلسلة من الخطوات الإعلامية والدبلوماسية، والتي ما عادت تنطلي على السوريين، أو حتى على حلفاء الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، من الغربيين والعرب، قبل خصومه. ومن أبرز هذه الخطوات، محاولة الشرع ووزير خارجيته، أسعد الشيباني، إلصاق المجازر الواسعة التي وقعت بين 14 و20 تموز في السويداء، بالبدو وبعض المجموعات من العشائر العربية، والتي ما كانت لتتجمّع وتهاجم جبل حوران لو لا التحريض الذي مارسته السلطة والتنسيق العالي بين قواتها «النظامية» وبين المجموعات العشوائية الآتية من محافظات الوسط والشرق.

 

وفي مذكّرة موجّهة من الخارجية السورية إلى أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي والعربي في دمشق، وُزّعت قبل نهاية الشهر الماضي، وفي سياق دفاع السلطة عن نفسها، أكّد الشيباني عدم مسؤولية قوات الحكومة الحالية عن أي من الانتهاكات، ووضَع حكومته في موضع الوسيط بين متقاتلين من «ميليشيات (الشيخ حكمت) الهجري» الدروز، ومن «العشائر والبدو». أمّا الجرائم الموثّقة التي ظهرت على العلن، والتي لا تستطيع الخارجية إنكارها، فركّزت مذكّرة الشيباني على حصرها بمسؤولية العشائر، وربط حدوثها بما بعد خروج القوات الحكومية من السويداء ودخول مجموعات من العشائر، من دون أي ذكر للجرائم التي وقعت قبل ذلك.

 

ويجيء في المذكّرة ما حرفيّته: «حشدت العشائر البدوية على امتداد سوريا لحماية أبنائها من سكان السويداء، ومقاومة العمليات المسلحة الخارجة عن القانون، وقاموا بعمليات انتقامية ضد المجتمعات المحلّية، مستهدفين مدنيين أبرياء، منها حرق بعض القرى وقيامهم بأنفسهم بممارسات خارجة عن القانون. وكان من أشدّ هذه الانتهاكات تقارير موثّقة عن قطع رؤوس الأطفال، في جريمة تهزّ الوجدان الإنساني وتُعدّ انتهاكاً خطيراً للقانون الدُّولي، وبما يتعارض تماماً مع المعايير العالمية، التي تلتزم الحكومة السورية بتطبيقها والحفاظ عليها».

 

هذان التنصّل والتبسيط لحجم ما ارتكبته السلطة في السويداء ضمن خطّتها لإخضاع المحافظة بالقوة – قبل إخضاع الشرق السوري عن سابق تصميم وقناعة -، بانتهاز فرصة المناوشات بين الدروز والبدو، لم يمرّا عند غالبية المتابعين للملفّ، لا سيّما عند الدبلوماسيين والأمنيين الأجانب والعرب، الذين باتوا يتابعون التطورات اليومية عن قرب في الجنوب. ورغم أنّ الكثير من المجموعات العشائرية تتحمّل مسؤولية بعض الجرائم المرتكبة، فإنّ هذا لا يعني أنّ المسؤولية الكاملة لا تقع على عاتق الشرع وسلطته وقواته والناطقين باسمه، الذين جهّزوا الأرضية وشحنوا الشارع بموجة جارفة من التحريض الطائفي، وكسروا المحرّمات في مسألة التعاون مع إسرائيل، بعد التسويق لأشهرٍ للتطبيع معها.

 

الأدلّة السياسية والتقنية الكثيرة على تورّط السلطة في مقتلة السويداء، لا تترك مجالاً للرواية التي يحاول الشيباني تعميمها

 

والواقع أنّ الأدلّة السياسية والتقنية الكثيرة على تورّط السلطة في مقتلة السويداء، لا تترك مجالاً للرواية التي تحاول الخارجية تعميمها، خصوصاً أنّ خطاب الشرع عشية خروج قواته من مدينة السويداء، عُدّ إشارة غير مباشرة إلى العشائر للتّحشّد ومهاجمة المحافظة، توازياً مع قيام مجموعات من قوات السلطة باستخدام أزياء العشائر وأسمائها لشنّ الهجمات على شمال السويداء وغربها. وبينما كان مسؤولون حكوميون وإعلاميو السلطة يتحدّثون عن «إخلال إسرائيلي» باتفاق باكو في أذربيجان، كانوا هم أنفسهم يحرّضون علناً في وسائل التواصل الاجتماعي، العشائر والبدو، على الانتقام من السويداء و«الدفاع عن الدولة».

 

كذلك، لا تزال مقاطع الفيديو الجديدة تَظهر كل يوم عن الجرائم المرتكبة، موثّقةً بوضوح مشاركة مقاتلين أجانب وآخرين من الأمن العام والجيش والشرطة العسكرية، وبعض المجموعات من العشائر والبدو، في القتل والتصفية والنهب والخطف والحرق وقطع الرؤوس والإعدامات الميدانية. أيضاً، توصّلت بعض الأطراف في السويداء إلى رواية شبه كاملة حول الخطّة التي أعدّها المسؤول الأمني عن المحافظة، أحمد الدالاتي، نيابة عن السلطة، وبالتعاون مع ليث البلعوس وآخرين للسيطرة على السويداء من الجهة الغربية، ثم لاحقاً كيفية إدارة تحشيدات البدو من قبل السلطة والتستّر خلفها عبر رفدها بالسلاح وتقديم المساعدة المالية إليها، والتي بلغت في بعض الحالات 200 دولار للعنصر الواحد.

 

وتعمل أكثر من جهة في داخل السويداء وخارجها، ومن اللوبيات السورية الناشئة الجديدة في أوروبا وأميركا، على جمع الأدلّة والشهادات وتقديمها إلى جهات دُولية وحقوقية عديدة، وكذلك تحضير ملفات عامّة وشخصية لرفع دعاوى أمام المحاكم الغربية والدُّولية ضدّ شخصيات من السلطة بينها الشرع، ورموز من العشائر مسؤولة عن الجرائم الأخيرة.

 

ومع أنّ جرائم الساحل لم تحظَ بالاهتمام الكافي، بعد أن نجحت السلطة – إلى حدٍّ ما – في تسويق رواية «المؤامرة الإيرانية» مع «الفلول»، وفي ظلّ الصمت الذي ساد الدول العربية والقوى الإقليمية والدُّولية وقتذاك، حين كان الغرب لا يزال منتشياً بـ«المكاسب الإستراتيجية»، فإنّ أحداث السويداء أعادت إيقاظ الملفّ بعد سقوط «كذبة الفلول»، كما في التقرير الأخير للأمم المتحدة.

 

وممّا تجدر الإشارة إليه، هنا، أنّ مذكّرة الشيباني تذكّر بالإستراتيجية التي تم اتّباعها في أثناء مجازر الساحل في 7 و8 و9 آذار، حين نفت السلطة مسؤوليّتها عن الأحداث، ووجّهت التسريبات الإعلامية والدبلوماسية نحو فصائل الحمزات والعمشات، والتي تعرّضت بعد ذلك إلى عقوبات من الاتحاد الأوروبي، وقريباً قد تصدر بحقّها عقوبات من جهات دُولية أخرى.

 

وبينما ظهر المعروف بأبو عمشة للدّفاع عن نفسه ونفي الاتّهامات عنه وتحميل المسؤولية لآخرين في السلطة، جاء تقرير وكالة «رويترز»، في هذا الخصوص، ليعزّز الرواية حول ارتباط الجميع من الفصائل المقرّبة من تركيا إلى الشرع بمجازر الساحل، كما هو الحال في ملف السويداء.

 

كذلك، تؤشّر العقوبات التي بدأت تصيب الفصائل المسؤولة عن مجازر الساحل، إلى توقّع أن تطاول عقوبات أوسع، رموزاً من السلطة وبعض رموز العشائر العربية الذين استخدمهم الشرع في معركته ضد السويداء، خصوصاً في ظلّ النشاط المتنامي للوبيات السورية الجديدة وتعاونها في ما بينها، والموقف الإسرائيلي العدواني من ملف السويداء، والذي يتأثّر به الغرب والعرب تأثّراً بالغاً.

 

هكذا، تفتح التّبعات التي أوقعت السلطة الجديدة نفسها فيها بعدما سقطت في فخّ السويداء، الباب واسعاً أمام تعقيدات كبيرة باتت تواجهها في خططها تجاه «قسد» والمنطقة الشرقية. إذ قد يكون من الصعب، في حال فشل المسار الدبلوماسي، أن ينجح الشرع في حشد قوة عسكرية مناسبة لهزيمة «قسد»، في ظلّ تخوّف الفصائل المحسوبة على تركيا من ضغط العقوبات، وخشية العشائر العربية من تحميلها وزر معركة لا تملك مقوّماتها، ثم التخلّي عنها وإلقاء مسؤولية أي انتهاكات قد تحصل على عاتقها. كما أنّ الهجوم الذي تسوّق له السلطة، لا يملك، أقلّه إلى الآن، غطاءاً دُولياً ضد «قسد»، المدعومة عسكرياً بشكل مباشر من قوات «التحالف الدولي»، ولا تزال تتلقّى الأموال والسلاح والدعم من القيادة الوسطى في الجيش الأميركي.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مطالبات بالكشف عن مصير حمزة العمارين بعد شهر من اختطافه في السويداء

    أعرب الدفاع المدني السوري والشبكة السورية لحقوق الإنسان عن قلقهما البالغ على مصير رئيس مركز الدفاع المدني في مدينة إزرع بمحافظة درعا حمزة ...