نارام سرجون
ليس بيني وبين التجار اي قضية ولاعداوة ولاخصومة .. ولكنني أقول لهم مذكّرا ان كل نبي كان عدوه التجار .. منذ ان دخل يهوذا الاسخريوطي في التجارة وباع جسد السيد المسيح .. فما فعله كان فعل تاجر وتجارة .. فقد باع الدين بالفضة وقايض النبوة بالمال .. فكانت ربما أول تجارة او صفقة تجارية علنية بالدين .. وقبل صفقة يهوذا التجارية وقعت حرب في المعبد بين التجار والصيارفة الى درجة ان نبي المحبة والسلام حمل سوطه لأول مرة لمواجهتهم ..
وهل ترك التجار النبي محمد الذي وقف في وجهه تجار مكة وعلى رأسهم التاجر ابو سفيان .. الذي دخل الدين ورأى فيه ملكا لا نبوة عندما قال للعباس عند فتح مكة (ان ملك ابن أخيك صار عظيما) .. ومنذ أن دخل تجار مكة الاسلام حق عليهم قول القرآن (ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها) .. وأي قرية أفسدها هؤلاء التجار غير الاسلام ؟؟ ولذلك فانني أجد ان التجار اذا دخلوا دينا أفسدوه كما يفسد الملوك القرى .. وفي سيرة النبي العربي منذ ان دخل التجار الاسلام ظهرت المؤلفة قلوبهم والطلقاء ولم يتركوا الدين حتى اشتروه بمالهم وباعوه سلعا بالجملة والتقسيط زالفتاوى .. ولايزال الدين يعرض في الاسواق الى يومنا هذا كالبضاعة ..
الدين كان دوما بضاعة التجار التي يشتريها الفقراء ويصابون بالتسمم منها .. بضاعة الاخوان المسلمين وبضاعة الوهابية والبضاعة الامريكية والبريطانية بيعت في افغانستان وسورية والعراق .. ففي سورية عرض الدين كل بضائعه الفاسدة .. وكان على رأس التجار تجار بني عثمان وتاجر الدين الاكبر ولص المعامل اردوغان الذي كان يهدد اسرائيل امام الميكروفونات ثم يقتحم جسر الشغور وادلب ويفتك بمدننا ويسرقها ويقتل المسلمين ويبيد قرى مسلمة .. ولم يقتل اسرائيليا واحدا ولا امريكيا واحدا رغم كل خطاباته وبقائه في السلطة عشرين عاما خليفة للمسلمين .. فيما ان الرئيس الأسد كان يذيق الامريكيين والاسرائيليين الموت الزؤام .. في حين كان التاجر التركي يتعلم البيع والترويج للبضاعة وجني الارباح ..ويرفع عيار الخطاب الديني كلما أفاض في الدعاية والترويج لبضاعته الدينية .. كما كان يفعل عندما كان تاجرا للبطيخ .. فكل شيء بالنسبة له بطيح منذ ان كان تاجر بطيخ .. فالاسلام بطيخة كبيرة .. والعثمانية بطيخة أكبر ..
البطيخة الكبيرة التي ينادي عليها اردوغان اليوم هي بطيخة الصواريح وكأن تركيا هي ام الصواريخ .. ومنها انبثقت نظريات الصواريخ .. وربما منها سرق هتلر اسرار الصواريخ الالمانية التي دوخت الحلفاء .. فمن يسمع الدعاية الانتخابية للصاروخ التركي يظن ان تركيا صارت دولة عظمى رغم ان سورية وايران وحزب الله لديهم صواريخ كافية لاحراق الشرق الاوسط كله .. لكن صاروخ اردوغان الانتخابي مثل عصا موسى سيبلع كل الصواريخ ..
المهم ان تاجر الدين وتاجر السياسة وبياع المواقف اردوغان لم يقدر ان ينتظر جولة الاعادة للانتخابات ليقول مافي نفسه .. وبمجرد ان تنفس من تحت ماء الانتخابات وبدا له ان لن يغرق بسهولة فقد بق البحصة في انه لاينوي الانسحاب من الاراضي السورية بحجة الامن القومي التركي .. رغم ان الوجود الكردي لايزول بوجود الجيش التركي في ادلب فيما التمدد الانفصالي الكردي بعيد عنه في الشرق .. علاوة على ان الظهور الكردي ظهر بعد ان ابعد الجيش السوري عن المنطقة بقوى ارهابية وضغوط دولية هائلة اثناء مايسمى الثورة السورية .. وهذه الذريعة ضعيفة لان حزب العمال الكردستاني موجود في قلب تركيا رغم وجود الجيش التركي .. بل ان وجود الجيش التركي في ادلب سيعزز من ظهور النشاط الكردي الانفصالي أكثر وسيجعل تجنيد الاكراد للانفصال عن تركيا اكثر الحاحا وأسهل .. ..
المهم ان اردوغان مرتاح ومسترخ ومطمئن من نتائج الانتخابات .. ولذلك بدأ يتجشأ مافي جوفه وقد حبسه طويلا .. وآن الاوان للتخلص منه وقول الحقيقة .. وسيقول العجب العجاب قريبا .. وسيبدر عنه من تقلب وانقلاب تشيب له الولدان .. فالرجل مراوغ ومنافق وكذاب وانتهازي وبهلوان ولكنه يعتبر ذلك شطارة سياسية ودهاء وبراغماتية ..
طبعا في الجولة الاولى للانتخابات أطلق اردوغان دبابة للجمهور ثم في الجولة الثانية أطلق مايسمى صاروخا تركيا دعائيا لجذب الناخبين وابهارهم .. ولكن اختيار اطلاق الصاروخ في الانتخابات بعد ان قدم الدبابة في الجولة الاولى يدل على شيء أخر وهو ان اردوغان يدرك ان الشعب التركي يتوق الى زمن الحروب وزمن العثمانيات والاحتلالات والاستيلاء على البلدان والمدن (التي يسميها المسلمون (الفتوحات) ..
اختار اردوغان الصاروخ والدبابة لينقذه بسرعة في الانتخابات .. السبب هو انه يعرف ان الشعب التركي يميل للطورانية وأن دغدغة أحلامه ستشعل فيه نزعة الحرب والرغبة في التوسع والتمدد .. وظهور الصاروخ والدبابة بيده يعني انه يستجيب للرغبات الدفينة في قلوب الاتراك وثقافتهم .. وهذا مايجب ان يجعلنا ندرك ان اي حزب في تركيا يصل اليوم فانه يصل بناء على نزعات قومية وعنصرية حتى لو كانت اسلامية .. فكل الطرق تؤدي الى قلب السلطان سليم الاول ..
هذا الاستعمال للنزعة العسكرية الخفية لدى الشخصية التركية هو تواصل مع أعماق الشخصية التركية التي ترى في الحروب سببا للوجود .. على مبدأ مناحيم بيغين (أنا أحارب اذا أنا موجود) .. وهذا يجب ان يثير فينا القلق من هؤلاء الجيران الذين يتوارثون النزعة العنصرية والنزعة القتالية لبناء دولتهم بالقوة لأنهم لايقدرون ان يبنوا دولة او حضارة .. فهم مجتمع عسكري بطبعه .. وانا على يقين ان تركيا اذا ماتمكنت من التحول الى دولة عسكرية مستقلة عن الناتو فانها ستعيد التوسع والغزو جنوبا وشرقا .. واذا كان هناك من يمنعها عن غزونا ويردعها فهو حلف الناتو نفسه واوروبة لأن اوروبة تدرك ان تركيا اذا مااستولت على الشرق فانها ستصبح اكثر عنادا واقل طواهية للناتو كما هي الآن .. ولذلك سمح الغرب لاردوغان بأن يلعق الاطباق الثورية ويلعق الربيع العربي ويغسل صحون الثورات ويحطم المكان ولكنه لم يسمح له ان يدخل الى سورية ولم يوافق على اعطائه الدعم والغطاء .. وكان الناتو يفضل القيام بذ لك بنفسه أما دور اردوغان فكان محصورا في مهمة التمهيد والاعداد ..
تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية كشفت حقيقتها التوسعية .. وستبقى الخطر الأكبر .. الى ان تتهدم وتتقسم .. وهذا سيكون حتما لأنها بلد غير متجانس وقائم على السلب والنهب .. وهي غير قادرة على انتاج حضارة ولافكر .. لكنها تميل جينيا الى الحرب والتوسع بحكم ان نشأتها الأولى قامت على الحرب وعسكرة الحياة ..
وقدرنا ان نعيش في مكان مليء بالأشرار ومليء بالطامعين .. وقدرنا ان نكون دوما المخرز الذي ينغرز في عيون همجية .. وأن تكون بلادنا مثل مدرسة يدخل اليها التاريخ .. كل فترة ليتعلم كلما زاده جهلاء العالم جهلا .. وقدرنا ان نكون المكان الذي تنتهي فيه أحلام الكثييرين .. وتبدأ فيه أحلام الكثيرين ..
(سيرياهوم نيوز4-مدونة سرجون)