محمد نور الدين
حظي خبر وفاة زياد الرحباني باهتمام الصحف التركية والكردية المكتوبة باللغة التركية التي أجمعت على أنّ زياد كان فناناً عبقرياً ذائع الصيت على الصعيد العالمي. هكذا، أوردت صحيفة «ميللييات» إنّ زياد ترك أثراً عميقاً في الموسيقى والمسرح على امتداد حياته، هو الذي تميّز بموسيقاه التجديدية ومسرحه السياسي الساخر. وذكر موقع «نوميديا» أنّ زياد الرحياني ورث تقليداً رحبانياً ثقيلاً لكنّه تمرد عليه واختط مساراً خاصاً به. وهو لم يخفِ شيوعيته وأنشأ جيلاً بكامله على وقع موسيقاه ومسرحه. وأشار إلى أنّه بعد عام 1994، تفرّغ أكثر للتأليف الموسيقي فيما أوردت صحيفة «بركون» أنّ زياد عرف بانتقاده الشديد للفساد الذي عرفته كل مسرحياته. وذكر موقع «خارجي» إنّ زياد كان يعكس في كل أعماله روح المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد الظلم والفساد والصراع الطبقي. وأضاف أنّ أعماله محفورة في ذاكرة الناس من كل الأجيال.
وأبرزت صحيفة «يني اوزغور بوليتيكا» الموالية لحزب العمال الكردستاني خبر وفاة زياد الرحباني على صفحتها الأولى. وفي الخبر الذي أرفق بصورة لفيروز مع ابنتها ريما خلال تقبل التعازي، وصفت زياداً بأنّه «أسطورة الموسيقى العربية»، متوقفة عند الجنازة الشعبية التي حظي من قبل المعجبين الذين حيّوه بالورود والتصفيق. وذكرت الصحيفة أنّ زياداً الذي لحّن عام 2000 مقطوعة «آمد – ديار بكر» غنّاها مع أمه فيروز في مهرجان طرابلس عام 2010. وأوردت الصحيفة أنّ زياداً أهدى الأغنية إلى حركة الحرية الكردية ونضالها. وقالت إنّ زياداً دعا في رسالة إلى إطلاق سراح زعيم الحركة الكردية عبدالله أوجلان.
عندما غنى «بما إنو»، كان يستهدف النظام اللبناني وكل الأنظمة العربية
الجدير ذكره أن المقطوعة الموسيقية التي حملت اسم «ديار بكر» وتزيد مدتها على ثلاث دقائق، تستوحي الكثير من التراث الموسيقي الكردي وجعلت الجمهور الكردي الذي كان مناصراً للحركة الكردية يلتفّ حول زياد. لكن المقالة الرئيسية، والجميلة، التي اهتمت بوفاة زياد كانت للكاتبة المحافظة (المحجبة) شولي ديميرطاش في صحيفة «قرار» المعارضة القريبة من زعيم حزب «المستقبل» أحمد داود أوغلو. كتبت ديميرطاش إنّ «الحياة بالنسبة إلى زياد لم تكن مجرد حالة وجود بل شهادة على العصر وتحمل أكثر من ألم المرء ليكون صوتاً للصامتين وصدى للمكبوت». وأضافت: «كان زياد رجلاً ذا ثقل كبير ولم يكتفِ بتلحين ألحان لبنان غير الملحنة، بل حمل صرخاته المكبوتة إلى المسرح عبر قلمه وبيانوه ومسرحياته. لم يرَ في الفن زينةً بل شكلاً من أشكال المواجهة. كل نغمة وكل سطر وكل جملة كانت بمنزلة صوت داخلي لأرض لا تنطق». وأضافت أنّه عندما كتب زياد مسرحيته الأولى «نزل السرور» عام 1974 «لم تكن المتاريس قد شيدت بعد، ولكنّ المدينة كانت قد بدأت تهتز. ونقل زياد الغصة في حلق الناس إلى المسرح بالكاريكاتور والسخرية والتهكم. السمة الأبرز لزياد لم تكن في من يشبهه، بل في من لا يشبهه. فهو ابن أم كان ظلّها وحده كافياً للحياة الآمنة والتصفيق والشهرة. لكنّ هذا كان لزياد إرثاً ثقيلاً. اختار طريقه وصوته وعبثه. ولم يذهب إلى باريس أو أميركا أو الخليج. لم يكن لبنان موطنه فحسب، بل المكان الذي لا يُهجر. اختار البقاء لأن الفرار سهل». وقالت ديميرطاش إنّ «زياد دائماً ما وقف إلى جانب الشعب وضد إسرائيل. لم يكن دعمه لفلسطين شعارات ومنافع، بل أقرّ بحقّ فلسطين لأن المظلومين لا دين لهم ولا لغة ولا طائفة. ولد في عائلة مسيحية ولكنه شعر بألم طفل فلسطيني كأنه ألمه». وأضافت الكاتبة: «عندما غنى «بما إنو»، كان يستهدف النظام اللبناني وكل الأنظمة العربية. كان يقول: «لقد باعونا ولم يكن لنا في قلوبهم مكان». لم ينشأ في ظل الحشود بل في ظل المقاومة. بوفاته، صمت زياد. لم يكن صمته فراغاً بل صدى. ودّعه الجميع. بعضهم بالورد وبعضهم بحمل ألبوماته. لكنهم كانوا يعرفون أنّ هذا ليس وداعاً بل مجرد نهاية حقبة». أما أمه ــ وفق الكاتبة ـــ فكان صمتها في وداعه أثقل من ألف أغنية. فقدت الصوت الذي كان يفهمها على أفضل وجه وكان يكملها أكثر من أي شيء آخر. رحيل زياد خسارة ليس فقط للموسيقى بل أيضاً للضمير. وقالت: «رحل صوت زياد، وهذا يحزنني بشدة ولا يزال صدى ما تركه يطاردني: بالنسبة لبكرا شو؟».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار