دمشق: سليمان خليل
هل أتى على الناس حديث ” الورق” .. وما أدراك ! ذاك الزمن الجميل، في زمنٍ لم تكن فيه الشاشات تملأ الأفق، كانت الصحافة الورقية نافذة الناس الوحيدة إلى العالم، ورفيق الصباح الذي يحمل الأخبار والقصص برائحة الحبر والورق.
مع ساعات الفجر الأولى حيث الصحف تُطبع ليصحو معها المجتمع على نبض الكلمة والعناوين التي تصنع رأياً وحدثاً وتاريخاً فيما كان صوت المطبعة وصفّ الحروف المعدنية سيمفونيةً يومية تملأ أروقة التحرير بالحياة.
في المكتبات والبيوت والمكاتب، وفي حافلات النقل كانت الصحيفة تُقرأ بتمعّن، تُطوى وتُمرّر من يدٍ إلى أخرى، تحمل معها حوارات وآراء وتغذّي العقول بالمعرفة.لم تكن مجرد وسيلة إعلام، بل كانت ذاكرة وطن وجيل تحفظ مواعيد إصدارها وتحفظ اسماء وأقلام زواياها وأعمدتها وننتظرهم..
نحن جيل الثمانينات لنا أيضاً ذكريات من الزمن الجميل لحقنا بها جيل المؤسسين الصناديد من قرم الصحافة السورية ( رحم الله من توفي منهم وأمدّ الله في أعمار الباقين) ، واليوم في هذه الذكرى العزيزة على عودة الإصدار الورقي لجريدة الثورة أستذكر كيف كان السباق إلى الصحف يبدأ مع إشراقة الصباح الباكر، حين كنت انتظر وصول باص القرية القادم من كراجات الانطلاق في مدينتي حمص حاملاً معه الجريدة من خلال بعض الموظفين – وما لا أنساه: كنت أنتظر بكل شغف عودة والدي من العمل عند الثالثة ظهراً، لألتقط منه الصحيفة التي كانت بالنسبة لي كنزاً أبحث فيه عن المعرفة والاطلاع، وأنقّب في صفحاتها .. كانت لي طقوس في قراءة الجريدة كثيراً ماكنت أبدأ القراءة من الصفحة الأخيرة، فقد كانت تستهويني رسوم الكاريكاتير، والأعمدة الختامية التي تحفل بأقلام الكبار ، وتلفتني الأخبار الغريبة والعجيبة التي كانت تشعل خيالنا في تلك المرحلة.
في دمشق رأيت الصحافة أكثر كانت البداية من تجمع كلية الآداب وحيث كنت ادرس في قسم الصحافة أنذاك ، كانت الصحف تنشر وتعلق للبيع على سور الكلية ، وفي الأكشاك المقابلة لها ، ولكن الذي لا أنساه هو صوت ذاك الرجل الذي يحفظه كل من عبر تجمع الآداب وهو ينادي ( الثورة اليوم .. سيريا تايمز .. ) بائع الصحف في كلية الآداب يمر على مكاتب الأساتذة والدكاترة والطلاب يلقي الصباح علينا ونفتقد غيابه كأحد معالم الكلية ، وكان كثيراً ما يردد بصوته عناوين الأخبار والأحداث المهمة التي تحفل بها صحفه ..
عند أكشاك العاصمة يتجمّع ناس أمام جدران الأكشاك التي كانت تكتسي بالصحف والمجلات المحلية والعربية والأجنبية.. يقرأون العناوين والمانشيتات والكاريكاتيرات التي تتصدر الواجهات ..
الباعة يقفون حاملين بين أيديهم الصحف يختار القادم ما يجذبه من العناوين، بينما يُجهّز البائع مسبقاً الصحيفة المعتادة لزبائنه الدائمين الذين يعرفهم بالوجه والاسم.
كانت تلك اللحظات خالدة في الذاكرة وتحولت مسبقاً إلى ذكرى نشتاق إليها بعد أن غابت أصوات الباعة وسكت حفيف الورق، بشكل كبير من بين الأيدي خلال السنوات الماضية، واليوم ومع عودة الإصدار الورقي لجريدة الثورة السورية كلّ مانتمناه أن يعود للصحافة الورقية هيبتها وتربعها على عرش الصحافة وهذا يستوجب القيمة والجودة الفنيّة ، والتحريرية لها ، أن تحفل بأقلام المبدعين الذين نشتاق لنفسهم الإعلامي ، بالأسلوب الشامخ في ميادين الكتابة بأقلام من ذهب ، بالمواضيع الشيقة ، بالتحقيقات التي تهز ويسمع صداها ، بالنتائج التي تحققها وتكون نافذةً للناس وصوتهم الحقيقي ، عودة الإصدار الورقي الذي يخيف الفاسدين ويتعب المراوغين ويقض مضاجعهم الرخوة ، فيحسب لها الف حساب ، تختفي النسخ وتنفذ الأعداد ، وتزداد الطباعة والمتابعين..
مبارك لكلّ الإعلاميين السوريين هذه الخطوة وعسى أن تتكلل الجهود التي تعمل بكل إخلاص وشرف ومسؤولية بالتوفيق والنجاح.
(أخبار سوريا الوطن-1)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
