*خير الله علي
مع اقتراب مواعيد انعقاد المؤتمرات السنوية لفروع اتحاد الصحفيين في المحافظات تحضر مجددا هموم الصحفيين الكثيرة، والعوائق والصعوبات التي يواجهها الصحفي في أداء واجبه، سواء كان ذلك في المؤسسات الاعلامية الرسمية أو الخاصة، بعضها بات يستحق توصيف ( هموم مزمنة )وبعضها مستجد نتيجة الظروف الصعبة التي ألمت ببلدنا خلال العقد الماضي وماتزال، بل وتتفاقم مع مرور الأيام والسنين . وحيث لكل مهنة مقر عمل، ومكان يتحرك الشخص المنتمي إلى هذه المهنة ضمن مساحته، فإن مكان الصحفي هو الشارع، والتجول بين الناس، ومتابعة عمل الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة في مختلف المجالات، من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ورياضية وغيرها، وتسليط الضوء على سيرورة عمل وأداء هذه القطاعات، والإشارة إلى مواقع الخلل والتقصير فيها، وبالتالي فإن مثل هذا النوع من العمل يحتاج إلى دعم كبير من جانبين، الأول مادي، والثاني معنوي حتى يؤدي الصحفي دوره الوطني المرتجى، لا سيما في زمن لم يعد خافيا على أحد فيه دور الاعلام في توجيه الرأي العام، خاصة مع التطور المذهل في تعدد وتنوع وسائله . من الناحية المادية فلا يوجد عاقل يستطيع أن يستوعب أن الصحفي قادر على إنجاز عمله الكبير هذا بدخله الحالي المتواضع، ومن قرر أن تكون طبيعة عمل الصحفي /55/ بالمئة على راتب الصحفي عام 1974عندما كان راتب موظف الفئة الأولى حوالي/400/ليرة، كان يدرك ويقدر حجم عمل الصحفي، والمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه، ولكن أن تتقلص طبيعة العمل مع مرور الأيام لتصبح /6،5/بالمئة، فهذا أمر لا يفهم إلا في إطار تهميش دور الصحفي والإعلامي في المجتمع . أما الناحية المعنوية فتتعلق بحماية الصحفي، من خلال قوانين واضحة وصارمة، والسماح له بالحصول على المعلومة بالطريقة التي يراها مناسبة في حال امتناع، أو حجب المعلومات عنه من قبل الجهة التي يريد الكتابة عنها، وإعطائه الحرية في التعبير عن رأيه حتى لو اختلف في ذلك مع الآخرين، سواء كان هؤلاء الآخرون مسؤولين أو مواطنين عاديين، فاختلاف الأئمة رحمة بالأمة كما يقال، بل وغنى وترسيخ لحالة الوعي في المجتمع . فدور الصحفي الرقابي أهم وأكثر تأثيرا وفاعلية من دور مؤسسة كبيرة وضخمة مثل الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش المحصور عملها بعدد من الموظفين الذين باتوا هم يحتاجون إلى (هيئة) رقابة عليهم، هذه الهيئة التي يجب أن يكون دورها متابعة ما ينشر في وسائل الاعلام عن الترهل والفساد في المؤسسات العامة والخاصة، فما ينشره الصحفي في هذا الإطار ضمن زاوية، أو تحقيق صحفي، هو بمثابة إخبار على مؤسسة الرقابة والتفتيش متابعته وإيجاد الحلول له . حال الصحفيين الآن للأسف ينطبق عليه قول المثل: طبيب يداوي الناس وهو عليل، فالصحفي هو صلة الوصل بين المجتمع والسلطة التنفيذية، ومهمته جسيمة كما ذكرنا من قبل، فكيف يمكن أن ينهض بها في ظل دخله الحالي وشح المعلومة، ومواجهة منظومة فساد واسعة وكبيرة تفاقمت وثقل حضورها خلال الأزمة، وصارت تهدد حياة كل من يحاول الوقوف في طريقها . هذه هموم قديمة وقد باتت مزمنة، ولكن زادتها الأزمة هموما أخرى، حيث بات الصحفي في مواجهة مباشرة مع الفاسدين والمتنفذين، بدلا من لجوء الأخيرين إلى القضاء كما كان يجري سابقا، فيتم تهديده والإساءة إليه بطرق وأساليب كثيرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بات الصحفي يعاني من صدود وتجاهل كبير من جانب معظم المسؤولين لما يكتبه عن تقصيرهم وتقاعسهم في أداء واجباتهم الوطنية في مواقع المسؤولية، أي أنهم أداروا الأذن الطرشاء والأمر هنا مرتبط دائما بالسند ومستوى قوته، للأسف . في ظل هذا الواقع يمكن تلمس حالة من المحزن أن يصل الصحفي إليها، وهي فقدان هيبته أمام الناس الذين ينقل همومهم، ويكتب عن مشكلاتهم، فيتجرع مرارتها وهو يسمع عبارة : أنتو الصحفيين ما بيطلع معكن شي،أو ما حدا عم يرد عليكن، وذلك دون أن يدركوا أن مهمة الصحفي تسليط الضوء على الخلل، وأن الحلول لدى الجهات التنفيذية، وليست من صلاحياته. إلى ذلك فإن دور اتحاد الصحفيين – الذي تهيمن السلطة التنفيذية على قراراته مثل كل النقابات الأخرى – في دعم أعضائه يكاد لا يلمس رغم ما يقوم به من جهود في هذا الإطار، كرفع نسبة تعويض طبيعة العمل، ولكن إذا تجاوزنا هذا الجانب لكونه مرتبطا بقرار الحكومة، فهناك بعض الإجراءات التي يستطيع اتخاذها والعمل عليها لأنها من صلب مهامه وصلاحياته، وأهم هذه الإجراءات رفع قيمة الوصفات الطبية المحددة ب/30/ألف ليرة للصحفيين الذين على رأس عملهم و/25/ ألف ليرة للمتقاعدين على مدار عام كامل وهي مبالغ هزيلة لا تكفي لشراء علبة دواء واحدة في ظل هذا الغلاء المتوحش، سيما وأن الاتحاد يستثمر ممتلكاته بالأسعار الرائجة . أمر آخر يتساءل حوله الصحفيون، وهو جدوى وجود مديريات للإعلام في المحافظات؟ وماهي مهامها؟ طالما أن جميع العاملين في المكاتب الصحفية في المحافظات تابعون إداريا ومهنيا لمؤسساتهم الاعلامية في العاصمة؟ وإذا كان يمكن تفهم التبعية المهنية؟ فلماذا لا يتم فصل الجانب الإداري وربطه بهذه المديريات ونقل ملفات التأمين للصحفيين إلى مديريات التأمين والمعاش في محافظاتهم؟ سيما وأن إجراءات التقاعد التي تلزم الصحفي بالذهاب إلى دمشق باتت مرهقة ماديا وجسديا لصحفي بلغ سن التقاعد. هذه بعض من هموم وصعوبات نضعها في رسم الجهات المعنية، نرجو معالجتها حتى يتمكن الصحفيون في مختلف مواقعهم من القيام بواجبهم، لا سيما في هذه الظروف القاسية التي تواجه فيها بلادنا عدوا إمبرياليا شرسا تستلزم مواجته حشد كل الطاقات المتاحة .
(سيرياهوم نيوز ٥-٣-٢٠٢٢)