| حسين ابراهيم
لماذا صَمَت مقتدى الصدر صمتاً تامّاً على تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، على رغم أنها شُكّلت وفق الطريقة المحاصصاتية ذاتها التي اعتُمدت في الحكومات السابقة؟ تتفاوت التفسيرات بخصوص ذلك، لكن الأكيد أن كلّ الظروف التي رافقت الحركة الأخيرة للرجل عاكستْه تماماً، ما أفضى في نهاية المطاف إلى رجحان كفّة خصومه، والذي سينعكس أيضاً في إعداد القانون الانتخابي الجديد وتشكيل مفوضية الانتخابات. لكن هذا لا يعني أن «التيار الصدري» بات عارياً من كلّ أوراق القوّة، بل هو يتحيّن الفرصة للعودة إلى الساحة، متسلّحاً هذه المرّة بـ«نظافة كفّه» من المحاصصة، في حال لم تتمكّن حكومة السوداني من إحداث تغيير حقيقي
لا يزال الانتقال السريع الذي شهده العراق من ذروة التأزم إلى الحلّ، مثيراً للحيرة والتساؤلات. فبعد ليلة المواجهات الدامية في نهاية آب الماضي، والتي أنذرت باقتتال شيعي – شيعي كان من شأنه تمزيق البلد، فوجئ العراقيون في اليوم التالي، بزعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، يسحب مقاتليه من الشوارع، وينزع فتيل الفتنة، بعد أن أظهرَ قدرة عالية على التحكّم بالشارع، تجييشاً أو تهدئة. وعلى رغم أن التوتّر ظلّ يخيّم، إثْر تلك الأحداث، على البلد الذي بقي في وسْط انسداد سياسي خانق منذ الانتخابات التي جرت في تشرين الأول 2021، في انتظار الخطوة التالية للتيّار، إلّا أنه بعد أقلّ من شهرَين من ذلك، وبلا مقدّمات، شُكّلت الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، بغياب أيّ تحرّك اعتراضي من قِبَل أنصار الصدر، لا سيما أن التشكيل حصل وفق الآلية ذاتها التي كان يرفضها الأخير ويسمّيها «محاصصاتية»، بل إن مجرّد ترشيح السوداني من قِبَل «الإطار التنسيقي» كان قد دفع التيّار إلى اجتياح البرلمان والاعتصام فيه في نهاية حزيران الفائت. فما الذي تَغيّر في هذه الأشهر القليلة؟
تدفّق إنتاج النفط العراقي بسلاسة، يساعد أميركا في التحوّط ضدّ التلاعب السعودي
في ذروة تحرّكه الأخير، وجد الصدر نفسه في مواجهة أكثر قوّتَين نفوذاً وتأثيراً في العراق: أميركا وإيران. فالولايات المتحدة تريد استمرار تدفّق إنتاج النفط العراقي إلى الأسواق بكلّ هدوء وسلاسة، ومن دون أيّ مشكلة، ليس فقط للتحوّط إزاء اضطراب أكبر في أسواق النفط نتيجة الحرب في أوكرانيا، وإنّما أيضاً لتخفيف مفاعيل التلاعب السعودي بالأسعار من خلال تخفيض الإنتاج في «أوبك بلس»، التي تملك الرياض الثقل الأكبر فيها. هذا لا يتناقض مع حقيقة أن العراق كان من الدول التي صوّتت لمصلحة خفْض الإنتاج بمليونَي برميل في اجتماع المنظمة مطلع تشرين الأول الماضي. فالحديث هنا يدور عن ما تفعله أميركا، وليس العراق، وما فعلتْه في هذه الحال هو الإيعاز إلى القوى العراقية الموالية لها، وخاصة من «المكوّنَين» الكردي والسُنّي، بالمُضيّ في الاتفاق مع «الإطار التنسيقي» لتشكيل الحكومة، وهو ما أدّى إلى حصول الأطراف المشاركة في الائتلاف على غالبية نيابية كبيرة، والذي كان ساهم فيه أيضاً ارتكاب الصدر خطأ الانسحاب من مجلس النواب، حيث كان باستطاعته، لوْ لم يفعل، منْع تشكيل الحكومة، بالاتفاق مع بعض الكتل الصغيرة، وبالتالي تفويت الفرصة على الأميركيين.
بالنسبة إلى الأخيرين، لا يضمن استمرار تدفّق النفط، إلّا وجود سلطة مستقرّة في العراق، بغضّ النظر عن الانتماءات السياسية للقوى التي تتألّف منها، وهي في كلّ الأحوال، تضمّ غالبية من القوى المتحالفة معهم أو المستعدّة للتعامل معهم. ويُضاف إلى ما تَقدّم، أن الولايات المتحدة لم تكن أصلاً متحمّسة لحركة الصدر، لأنها تعتقد أن النزعة الاستحواذية لدى الرجل، قد تؤثّر سلباً على مصالحها، خاصة إذا ما تعاهَد مع كلّ من السعودية والإمارات اللتَين كان قد أبدى رغبته في تحسين العلاقات معهما، على ما لا يتوافق مع المصالح الأميركية النفطية. فماذا، مثلاً، لو اصطفّ مقتدى (إذا كان القرار العراقي بيده) مع رئيس الإمارات، محمد بن زايد، ووليّ عهد السعودية، محمد بن سلمان، في لعبة النفط ضدّ الأميركيين؟