يتحكم التشنج بالعلاقة بين العملاقين الاقتصاديين العالميين الأميركي والصيني مع ارتفاع وتيرة حرب التعريفات الجمركية بينهما واتخاذ كل طرف تدابير مضادة بحق الآخر. فقد فرضت الولايات المتحدة رسوماً إضافية على السلع الصينية وصلت إلى 145% في حين فرضت الصين 125% على السلع الأميركية. هذه الاندفاعة البالغة الدلالات استدعت دق ناقوس الخطر في أوروبا بفعل التوجس من أن تغمر المنتجات الصينية الأسواق الأوروبية وضرب صادراتها إلى أسواق خارجية. فماذا عن التبعات وكيفية حماية الشركات؟
منافسة قاتلة
في وقت يدور الحديث عن نية الطرفين بدء حوار على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة لحل قضايا التعريفات المرتفعة التي لا مبرر لها، حذرت جمعية التجارة الخارجية الألمانية من أن تؤدي تدفقات السلع فجأة إلى نشوء سوق واسعة للمنتجات الرخيصة في أوروبا. وقال رئيس الجمعية ديرك جاندورا في حديث إلى شبكة “آربي بي” إن “من المؤكد أن الصين لديها حجم تجارة أكبر بكثير من حجم تجارتنا مع الولايات المتحدة، ولا بد من أن تجد هذه السوق طريقها إلى مكان ما”.
ووفق خبراء، فإن الخشية ليست من المنتجات والسلع التي ستصل من الصين فحسب، بل أيضا من شركات صينية أخرى كانت قد نقلت نشاطها التجاري إلى دول في جنوب شرق آسيا، أدخلها ترامب الآن في مداره للتعريفات وفرض عليها رسوماً جمركية مرتفعة للغاية. ومما لا شك فيه أن الشركات الأوروبية ستواجه بالفعل منافسة تجارية شرسة مضاعفة، ويفترض أن تمتلىء السوق الأوروبية بالمنتجات الرخيصة من كل حدب وصوب. وستدفع انعاكساتها السلبية الموردين المحليين إلى الخروج من السوق إذا ما كانت التدفقات بكميات ضخمة، أي بحجم التي كان يجري توريدها إلى الولايات المتحدة وتصل قيمتها إلى مئات مليارات الدولارات، وحتى لو كانت الجودة الأوروبية أعلى وتفرض فروقاً في الأسعار. لكن السعر الأقل يخدم جيوب المستهلكين والعملاء الذين باتت لديهم قناعة راسخة بأن الأجزاء والملحقات التي تستوردها الشركات الأوروبية لنشاطاتها التجارية والصناعية، ولو بمواصفات أفضل نسبياً، تصنع في الصين.
في العام الماضي تبادلت الولايات المتحدة والصين سلعاً وخدمات بقيمة 580 مليار دولار مع فائض واضح للصينيين، إذ تم بيع سلع من بكين إلى واشنطن بقيمة 438 مليار دولار، ما يجعلها ثاني أكبر مورد إلى بلاد العم سام.
حماية الشركات
وعن كيفية مواجهة هذا الواقع وحماية الشركات الأوروبية، قال الباحث الاقتصادي يان مولر لـ”النهار” إن هناك شروطاً وقيوداً قد يتم اعتمادها، وتكون بفرض حصص الحد الأقصى على الاستيراد لسلع وبضائع معينة أو وضع تعريفات إضافية على بعضها لتجنب فائض الواردات، مستدركاً بأنها قد لا تكون كافية للحد من التنافسية المتزايدة إلا اذا تم فرض رسوم مرتفعة جداً. وهنا، تفيد جمعية تجار التجزئة الألمانية أن المطلوب فرض رقابة على الشركات الرخيصة بشكل أكثر صرامة لأنها لا تلتزم في كثير من الأحيان المعايير الأوروبية، وتستخدم أيضاً أساليب غير عادلة لجذب العملاء كالسماح باعادة السلع وحملات الحسومات المزيفة.
وأشار مولر إلى أن “حرب التعريفات تنطوي أيضاً على أخطار تخص صادرات الشركات الأوروبية إلى الأسواق الناشئة، وستكون أكثر المتأثرين لأنها تستوعب أكبر حصة من صادراتها، وستجد الشركات نفسها أمام حرب أسعار هائلة مع تدفق المنتجات الرخيصة من المنافسين في الصين، وإذا ما دخلنا في حرب الأسعار فان أوروبا ستكون حتماً خاسرة أمام التنين الصيني”.
وأفادت بيانات معهد الاقتصاد الألماني في كولن، بأن الصين امتلكت في العام الماضي فائضاً هائلاً في الطاقة الانتاجية، وبلغ فائض التجارة العالمية للصين قرابة تريليون دولار استحوذت الولايات المتحدة على 30% منه. وستحول البضائع الصينية التي تبلغ قيمتها حوالى 440 مليار دولار التي استوردتها الولايات المتحدة في عام 2024 إلى وجهة رئيسية بسبب الرسوم الجمركية العقابية المرتفعة.
ومن المعلوم أن المفوضية الاوروبية تعتزم حماية الشركات الصناعية من التأثيرات غير المباشرة لتحول تجارة الصين إلى أوروبا، ونقلت صحيفة “هاندلسبلات” عن دوائر المفوضية أن الحصص سيتم أخذها في الاعتبار إذا ما رصد فائض في الواردات في الأسابيع المقبلة. ويعاني المصنعون الأوروبيون أساساً من صعوبة مواكبة منافسيهم في الشرق الأقصى، وعلى سبيل المثال أصبحت الشركات الكيماوية في بافاريا في حال من عدم اليقين بسبب ارتفاع الأجور وأكلاف الطاقة في ألمانيا.
الصادرات تتراجع
وبحكم أنه سيكون من غير المرجح أن تكون الصادرات إلى الولايات المتحدة مجدية، فإن طوفان القائمة الطويلة من المنتجات التي تبيعها الشركات الصينية في السوق الاوروبية بينها الألواح الشمسية وأجهزة الكومبيوتر والالكترونيات، وبشكل متزايد المواد الكيماوية والألعاب وقطع السيارات وغيرها، سيغرق الأسواق.
وفي الاطار، تفيد التعليقات بأن الوضع سيكون مشابهاً إلى حد ما لما هو حاصل في قطاع الأزياء والملابس التي نمت تجارتها الرخيصة بسرعة في الأونة الاخيرة، وسيطرت على هذه السوق بفعل النشاط الأساسي لمنصتي “تيمو” و”شي إن” اللتين تجاوز عدد طرودهما العام الماضي إلى دول الاتحاد الأوروبي أربعة مليارات طرد. وقد انخفض متوسط الأسعار بنسبة 8.8% لأهم مجموعات المنتجات لعام 2024 في مقابل ارتفاع كميات المنتجات المستوردة وتسليم الصين لمزيد من السلع بأسعار أرخص.
في السياق، بينت تقارير اقتصادية أن الوضع على طريق التجارة العكسية مع الصين التي تزدهر وارداتها إلى دول الاتحاد الأوروبي يبدو قاتماً على نحو متزايد، وخلصت دراسة لمعهد الاقتصاد والعلوم السياسية أخيراً، إلى أن الصادرات من بلد صناعي كألمانيا إلى الصين تراجعت بنسبة 16% خلال العامين الماضيين، وهذا يعني أن الفجوة في الميزان التجاري مستمرة في الاتساع، وهناك خشية من نتائج مثيرة وحقيقية في ما خص تراجع سوق التصدير إلى جمهورية الصين الشعبية.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار