آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » الصين: من الجوع الى منافسة أميركا…كيف؟

الصين: من الجوع الى منافسة أميركا…كيف؟

لجين سليمان
لم تنهض الصين فجأة، ولم ترتق بمجرّد قرار أو بضعة قرارت، بل على العكس تماما، كان التاريخ أو الفترة السابقة لذلك الصعود مسارا مليئا بالحفر والتجارب الصعبة، فبعد كل سقوط كان هناك سقوط آخر، واستمرّ الأمر هكذا حتى تحقق النجاح، الذي ما زال يرسم طريقه.
الشعب الصيني كان فقيرا بحيث لم يكن يأكل ما يكفيه، فحصته من السعرات الحرارية الغذائية لم تتعد 2000 سعرة يوميا في العام 1978 أي أنها كانت أدنى من العتبة الكافية للغذاء عالميا والتي تقدّر ب 2400 سعرة حرارية، ولم تكن حصته السنوية من اللحوم تصل الى تسعة كيلوغرامات. وها هو اليوم ينتقل من فرد لا يشبع الى عاملٍ منتج ومصدّر لجزء كبير من انتاجه.
ولنفهم ذلك، لا بدّ من سرد تاريخي بسيط مصحوب ببعض السياسات الاقتصادية، التي كانت متبعة في الفترة الواقعة بين عامي 1949و 1978، ذلك أن تلك الفترة كانت من أكثر الفترات التي شهدت اضطرابا في تاريخ الصين, وهو ما تؤكده الكاتبة والباحثة الفرنسية المتخصص بشؤون الصين فرانسواز لوموان في كتابها “الاقتصاد الصيني”.
تقول الكاتبة التي تتولى أيضا منصب مستشارة في مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، ان مراحل الاضطرابات التي مرّت بها الصين كانت كالآتي:
· ما قبل العام 1949 تنازلت الصين عن بعض أجزائها لصالح دول الجوار أو دول العالم، فتنازلت عن هونغ كونغ لانجلترا عام 1841، وعن قسم من منشوريا لروسيا عام 1860، وعن تايوان إلى اليابان عام 1895
· في العام 1949 وصل الشيوعيون إلى السلطة، وزودهم الاتحاد السوفيني بنموذج التنمية ودعم الاقتصاد، وعندها صدر أول مراسيم الإصلاح الزراعي المتعلق بالقطاع الزراعي، فأعاد توزيع الأراضي بين الفلاحين بشكل يضمن سدس هكتار كحد أدنى لكل فرد راشد.
· في العام 1952 تجاوز معظم قطاعات الإنتاج الرئيسية نسبة الإنتاج في أفضل سنوات ما قبل الحرب، إذ تم دمج طبقة الفلاحين في تعاونيات صغيرة، وفي عام 1956 أصبحت الدولة تسيطر بشكل مباشر أو غير مباشر على مجمل الإنتاج الصناعي.
لا يمكن في هذا المجال، إنكار الدور السوفيتي في تنفيذ الخطة الخمسية الأولى التي امتدت من 1953 إلى 1975، إذ توجهت تجارة الصين نحو البلدان الاشتراكية، كما قام الاتحاد السوفيتي بمنح الصين قروضا تغطي خمس مبيعاته الإجمالية، لكن الصدام سُرعان ما وقع مع الاتحاد السوفييتي لاحقا، نتيجة عدم قبول الصين إدانة الستالينية، ناهيك عن التقارب الأمريكي مع موسكو في عهد خروتشوف ، فانهارت المبادلات الاقتصادية عام 1961 ما شكل أزمة كبيرة للصين.
وعلى الرغم من إطلاق حملة القفزة العظيمة إلى الأمام في عهد ماوتسي تونغ، والتي كانت تهدف إلى الاعتماد على الكثافة السكانية لتطوير الدولة بشكل سريع، والانتقال من الاقتصاد الزراعي إلى مجتمع شيوعي، من خلال عمليتي التصنيع والتظيم الجماعي، وهي القفزة التي سُميّت أيضا بالخطة الخمسية الأولى، إلا أن ذلك لم يلاق النجاح المُرتجى، فقد حدّت الزراعة من النمو الصناعي الذي لم يستطع بدوره سوى امتصاص جزء بسيط من اليد العاملة، ووصلت كلفة الكارثة الإنسانية الناجمة عن المجاعات إلى 60 مليون شخص.
أمام هول ما حصل، لم تجد الصين من سبيل لتجاوز هذه المعضلة سوى بالعودة الى خطط محكمة بشأن الصناعة والزراعة، واعتمدت نهجا جديدا في التخطيط الزراعي، لتتمكن بعد ذلك من تسديد كامل ديونها إلى الاتحاد السوفيتي، فقامت بعدها الثورة الثقافية عام 1965 حيث سعى ماوتسي تونغ إلى تغيير المجتمع بشكل كبير واستمر ذلك إلى العام 1970 حين تلاشى عنف الاضطرابات الإجتماعية.
استراتيجية التنمية الصينية
كان العنوان البارز لتلك المرحلة : تعبئة الموارد من أجل الصناعة: فبقيت المبادلات مع الخارج حكرا على الدولة، كما اقتصر النظام المصرفي على مصرف احتكاري وحيد، تقوم فروعه بممارسة الرقابة على حسابات المنشآت، فيما تموّل الدولة النمو الصناعي باقتطاعات من القطاع الزراعي، ولكن استخدام المنتجات الصناعية كان يكّلف الزراعة ثمنا باهظا، ولكن بالمقابل استفادات الصناعة من انخفاض أسعار المواد الاولية في الزراعة، وبخاصة صناعة النسيج .
وخلال تلك الحقبة بقيت المبادلات التجارية مع الخارج ضعيفة بسبب ضعف القدرة التصديرية واستخدم قسم مهم من الواردات لتخفيف التوتر الدائم في التوازن الغذائي، وعلى الرغم من ذلك فقد حققت الصين تقدما كبيرا خلال ما وُصفت بمرحلة إنطلاق المشروع الاقتصادي بعد العام 1978، وهكذا تجاوز النمو الاقتصادي بين عامي 1952-1978 نظيره في عدد من البلدان النامية، لكن الهوّة لم تُردم مع الدول المحيطة مثل هوكونغ وتايوان وكوريا الجنوبية.

بعد العام 1978 عاد نظام الاستغلال العائلي للزراعة، واقتصر الانفتاح على الخارج على بعض المقاطعات مثل قواندونغ جنوب الصين، ليعود الانفتاح ويشمل مقاطعات أخرى لاحقا.
لا تنهض البلاد دفعة واحدة، فهي تحتاج إلى تطوير وملاحقة ومتابعة، وهذا ما فعلته وتفعله الصين، عمل دائم وجهد كبير، للنهوض والاستمرار، إلى ما لا نهاية.
الدول تحتاج الى تخطيط، والى إقناع الناس بجدوى هذا التخطيط، ليس بالخطابات الرنّانة، وإنما بتلمّس الناس حصيلة جهودهم، من خلال تحسين ظروف غذائهم ودوائهم ومسكنهم. ولا شك ان الدولة التي أخرجت شعبها من حافة الفقر والجوع الى مستوى منافسة أكبر دولة في العالم، لن تقف عند هذا الحد، والشعب يثق تماما بما تفعل دولته.
(سيرياهوم نيوز-5نجوم23-4-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التّخطيط الاستراتيجي للأحزاب السّياسية المعاصرة.. (البعث أنموذجاً)

د.سومر صالح   نشأت الأحزاب السّياسية كظاهرة بهدف الوصول المنظم والقانوني لتولي السّلطة والمناصب العامة، وتنفيذ سياسات الدول بما يتماشى مع أهدافها وبرامجها وأيديولوجيتها، وهي ...