لُجين عصام سليمان
-الصين يقول المثل الصيني القديم “إذا أردت أن تصبح ثريا فابدأ بنناء طريق أولا” هي فلسفة صينية قديمة تحوّلت إلى سياسية استراتيجية فباتت الصين تخلّص مواطنيها من الفقر وتنهض بهم من خلال إنشاء بنى تحتية قوية تشمل طرقات معبّدة وجسورا ضخمة وأنفاقا عميقة. تحويل المدن والأرياف من مناطق هشّة إلى أماكن قوية وغنية قائمة على بنى تحتية قوية هو سياسة صينية لم تهدف إلى النهوض بالمدن فقط لمجرّد تطويرها وإنما كما سيرد لاحقا، سندرك أنّ ما قامت به الصين في إطار تطوير البنى التحتية له ارتداد مباشر على المستوى المعيشي والحالة الاقتصادية للسكان. فقد أدركت الحكومة الصينية أنّ الاقتصاد لا يُبنى بمجرّد إنشاء مصانع ولذلك عملت الصين على تشكيل بنى تحتية قوية لصناعتها تقوم على طرقات سريعة وكهرباء موثوقة وشبكات صرف صحي آمنة، ومن ثمّ مصانع ضخمة بمعدات متطوّرة. وهو ماعبر عنه الكاتب “جيم روجرز” والذي هو اقتصادي ورجل أعمال أمريكي في كتابه “مارد في الصين ” إذ يقول: “لقد كنت محظوظا إذ استمتعت في اول رحلة لي عبر الصين وذلك عام 1988 لم تكن آنذاك في الصين طرقات سريعة ولا حتى طريق واحد، كانت عجلاتي تغوض في رمال الصحراء القاسية وكنت أتساءل فيما إذا كنت سأكمل الطريق بسلام، إلا أنّ الطريق الريفي معبّد اليوم بشكل كامل، فقد تعلّم الصينيون بناء الطرق السريعة من الألمان واليابانيين والأمريكيين” تخفيف حدّة الفقر يُعدّ تطوير البنى التحتية من الوسائل التي تبنّتها الصين لانتشال السكان من الفقر، فمنذ فترة التسعينيات وهي الفترة التي بدأ فيها تطبيق الخطة الخمسية العاشرة بدأ توجيه الإنفاق على البنى التحتية للتخلص من حدة الفقر ولذلك تمّ العمل على زيادة كمية ونوعية الطرق السريعة الريفية، مع جهود كبيرة لتحويل الأرياف إلى أماكن مناسبة لاستقبال الطرق السريعة، وبهذا تكون الصين قد أمّنت عملية الوصول إلى أكثر المناطق النامية وهو ما يعني أن المناطق الأخرى الأكثر تحضّرا قد باتت سهلة الوصول بطبيعة الحال. في عام 1984 ، بدأت الحكومة الصينية في تشييد منشآت الري، والحفاظ على المياه والطرق السريعة في المقاطعات والبلدات من خلال برنامج “الغذاء مقابل العمل”. يوفّر هذا البرنامج البنية التحتية اللازمة في المناطق الفقيرة والوظائف قصيرة الأجل للسكان الفقراء. على أن تقوم الحكومة المركزية بتوفير المواد الغذائية والقطن والمنتجات الصناعية لاحقا دون أي تكلفة. كما أنفقت الحكومة الصينية 0.92 مليار يوان كل عام لبناء طرق سريعة ريفية في 529 محافظة فقيرة في 21 مقاطعة وذلك خلال البرنامج الوطني للحد من الفقر والذي كان يهدف إلى انتشال 80 مليون شخص من الفقر خلال الفترة الممتدة بين عامي 1994 إلى 2000. وبالفعل تم بناء 42000 كيلومترا من الطرق السريعة الريفية الجديدة كل عام. في عام 2003 ، أطلقت الحكومة الصينية برنامج بناء الطرق السريعة بين المقاطعات والريف على مستوى البلاد. وبموجب الخطة ، بدأ أكثر من 5300 مشروع في عام 2003 ، تمثل 78 ألف كيلومتر من البناء وذلك للتحضير لاستثمارات متوقّعة تبلغ قيمتها 75 مليار يوان ، وقد وسّعت وزارة البناء الخطة لاحقا إلى 15500 مشروع تمثّل 162 ألف كيلومتر من البناء باستثمار مخطط قدره 109.5 مليار يوان. إحصائيات في الفترة الواقعة بين أواخر التسعينيات وحتى عام 2005 استفاد 100 مليون صيني من تطوير قطاعي الطاقة والاتصالات. كما أن الاستثمار في الطرق الريفية نما بنسبة 51 بالمئة سنويا وذلك بين عامي 2001 إلى 2004. ويُقال بأنّ الهدف الحكومي من هذا الإنفاق الكبير على بناء وتشييد البنى التحتية هو تجنّب الأعطال في هذه المنشآت لاحقا، بحيث يتم تجنب أي مشاكل لاحقة، لا سيما في حال حدوث عقبات في النمو الاقتصادي. كما أنه وفي تقرير التنافسية العالمية لعام 2018-2019 والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإنّ الصين قد صُنفت في المرتبة 36 من حيث جودة البنى التحتية، متقدّمة بذلك 10 مراتب عن العالم الذي يسبقه. وكالعادة الصينية فإن التحسين والارتقاء لا يكونان إلا ببصمة حكومية، فعلى عكس الاقتصادات التي تعدّ متقدّمة مثل بريطانيا، إذ يتم تمويل ما يقرب من 70 ٪ من البنية التحتية من قبل مصادر خاصة ، فإنّ الاستثمار في البنية التحتية في الصين تم على مدار السنوات السابقة (خلال صعود الصين) من قبل الدولة، الأمر الذي يدفع كل مواطن صيني إلى الشعور بأنّ هناك من يقوم برعايته و الدولة هي أمّ للجميع. وحول طبيعة الملكية يؤكد المكتب الوطني الصيني للإحصاء أن 78.9٪ من استثمارات البنية التحتية للأصول الثابتة من حيث القيمة (حوالي 1،986 مليار دولار أمريكي) مصنفة على أنها “مملوكة للدولة” ، بينما يتم تمويل نسبة 21.1٪ المتبقية (حوالي 530 مليار دولار أمريكي) من قبل القطاع المشترك أي الحكومة والقطاع الخاص. هذا بالإضافة إلى أن الاستثمار المملوك للدولة هو الأكثر نموًا فقد نما من 0.5 تريليون دولار أمريكي في عام 2008 إلى 1.45 تريليون دولار أمريكي في عام 2015 ، وهو إلى حد كبير نتيجة مباشرة لبرامج التنمية التي تقودها الحكومة والتي بدأت بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008. ومع ذلك ، لا يزال التحدي الاستثماري حادًا ، فقد توقعت الأبحاث التي أجرتها شركة McKinsey أن يصل الاستثمار في البنية التحتية في الصين إلى ما يقرب من 16 تريليون دولار أمريكي حتى عام 2030. ويشكل هذا استثمارًا بنسبة 6.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي. هلا وأما اليوم فإنّ الهدف الأساسي لا يتعلق فقط بإنشاء بنى تحتية قوية، بل بإجراء أبحاث على الطرق والجسور والأنفاق التي يتم إنشاؤها بهدف الوصول إلى تعميم علمي وهندسي أكثر عمقا للاستفادة منه في تجارب بناء لاحقة، فحتى بعد الانتهاء من تشييد مشروع هندسي ما يتم التعاقد مع جهة بحثية جامعية لإجراء أبحاث حول آلية التنفيذ المثلى لهذا لمشروع بما يؤدي إلى زيادة الأمان خلال عملية البناء القادمة بأقل ثمن ممكن وبافضل طريقة، فمن الممكن أن تكون مثلا عملية تشييد منشأة ما كجسر أو نفق قد تمّت بشكل سريع بسبب ضرورة الاستخدام إلا أن ذلك لا يمنع من التفكير بشكل معمق حول الآلية المثلى لتنفيذ هذه المنشآت، لا سيما وأنّ عملية النهوض بالبنى التحتية لم تزل قائمة حتى اليوم.
(سيرياهوم نيوز ٦-لعبة الامم٢-٦-٢٠٢٢)