| بتول سليمان
قبل 15 عاماً، استفاقت الصين على ضرورة توطين صناعة أشباه الموصلات، فعَمَدَت إلى استقطاب أهمّ الخبراء الأميركيين، وخصّصت موازنة عالية جداً، تضاهي تلك الأميركية، لتطوير هذه التكنولوجيا. ولكنّ تأخُّرها للحاق بمَن سبقوها، مضافاً إليه القيود التي تضعها الولايات المتحدة، حالا دائماً دون تفوّقها في هذا المجال، فظلّت في المرتبة الثانية، فيما تكافح، اليوم، من أجل رفْع حصّتها السوقيّة لتبلغ 70% بحلول عام 2025، وإن كانت التوقعات لا تمنحها سوى 40% كحدّ أقصى. ولبلوغ الهدف المنشود، تقول مجلّة «فورين أفيرز» إنه ينبغي على الصين إنتاج رقائق متقدّمة، أي أن تتخلّف عن الشركات الرائدة في تايوان وكوريا الجنوبية، بجيلَين أو ثلاثة فقط، ما يعني أنها ستحتاج إلى ما لا يقلّ عن «خمس إلى عشر سنوات للحاق بركب التطوّر التكنولوجي».
ولعلّ أبرز ما يعيق تقدُّم بكين في مجال صناعة أشباه الموصلات، اعتمادها المفرط على استيراد مستلزمات الإنتاج من المورّدين الأميركيين والتايوانيين والكوريين الجنوبيين واليابانيين، وافتقارها إلى المعرفة اللازمة، إذ لا تزال تعتمد على المواهب الأجنبية في المسائل التقنيّة. من هنا، لا تبدو الصين قريبة من بلوغ أهداف رؤية «صُنِع في الصين 2025» التي أَطلقها الرئيس شي جين بينغ، فهي أنتجت، في عام 2020، حوالى 16% من احتياجاتها المحليّة من الرقائق، علماً أن الرقم يشتمل أيضاً على ما أنتجته الشركات الأجنبية العاملة في البلاد. وفي العام التالي، بلغ حجم سوق أشباه الموصلات نحو 186.5 مليار دولار، منها 31.2 ملياراً من الرقائق المصنّعة محليّاً، أي بمعدّل اكتفاء ذاتي وصل إلى 16.7% فقط. وتعني هذه الأرقام أن الفجوة لا تزال كبيرة بين استهلاك الرقائق وتصنيعها، وهو ما يجعل رؤية شي هدفاً بعيد المنال.
ويمكن إرجاع تأخّر الصين في تحقيق أهدافها المنشودة، إلى المجابهة التي افتتحتها الولايات المتحدة، وأضرّت بجهود بكين لتوطين صناعة الرقائق. وكانت واشنطن أَطلقت، مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة، حملة لإقصاء غريمتها من سلاسل التوريد العالمية، وحدّت من وصولها إلى المستلزمات التي تحتاج إليها لتصنيع أشباه الموصلات المتطوّرة، وهي سياسة استمرّت في ظلّ الإدارة الحالية. وإذا كان معظم الخبراء يتّفقون على أن الولايات المتحدة، ومنذ انتهاج إدارة الرئيس باراك أوباما استراتيجية «الاستدارة نحو آسيا»، وضعت الأُسس النظريّة لاحتواء الصين، لكنّ الاقتصادي مايكل روبرتس يقول، في مدوّنته الإلكترونية، إن واشنطن باتت تعامل بكين، الآن، باعتبارها «عدوّاً»، وهو ما يتجاوز بكثير فكرة «الاحتواء».
لا تبدو بكين قريبة من تحقيق أهداف رؤية «صُنِع في الصين 2025» التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ
وإذ يلفت إلى الهوّة بين البلد الآسيوي والغرب بالنسبة إلى حصّة تكنولوجيا المعلومات من الناتج المحلي الإجمالي، يرى روبرتس أن هذه الفجوة «تضيق مع مرور الوقت»، ما سيحتّم على «القوى الرأسمالية تكثيف جهودها لاحتواء التوسُّع التكنولوجي الصيني». ويلخّص الكاتب النظرة الأميركية بأنه «إذا لم تَفتح بكين اقتصادها بالكامل أمام الاستثمار الأجنبي، واستمرّت في توسيع قاعدتها التكنولوجية لمنافسة واشنطن، فلا بدّ من إيقافها». لكن، وعلى رغم التضييق الذي تفرضة أميركا على الصين، لم تستسلم الأخيرة، بل استمرّت، بالاشتراك مع 80 شركة محلية مكرَّسة لأبحاث وتصنيع معدّات أشباه الموصلات، في الاستثمار في هذا المجال. وقد انتشرت معلومات، أخيراً، مفادها أن شركتين صينيتين مدعومتين من الحكومة، هما: «SMIC» و«YMTC» استطاعتا تسجيل قفزة نوعية في مجال إنتاج الشرائح الإلكترونية، إذ باتتا تنتجان الترانزستورات المستعمَلة في هذه الشريحة بقُطر 7 نانومتر. وهو اختراقٌ أثار نوعاً من المفاجأة في أوساط المراقبين، وفق ما تورد كاثرين هيل، في صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية. ويُعتبر جيل الـ5 نانومتر هو الأكثر تقدُّماً في إنتاج الرقائق، فيما تعمل شركة «TCMS» التايوانية على تقنية الـ3 نانومتر، والتي من شأنها أن تُحدث نقلة نوعية في هذه الصناعة.