آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الصين ودورها في إعادة التوازن الدولي

الصين ودورها في إعادة التوازن الدولي

| الدكتور قحطان السيوفي

تساءل الكاتب والباحث البريطاني في صحيفة «الفاينانشال تايمز» مارتن وولف في مقال له في أيلول 2023، ما المستقبل الاقتصادي للصين؟ وهل سيصبح الاقتصاد الصيني الأكبر في العالم لفترة طويلة؟ وهذا سؤال جوهري لمستقبل الاقتصاد العالمي، كما أنه لا يقل أهمية بالنسبة إلى مستقبل السياسة العالمية لأن للصين دورها المهم في إعادة التوازن للنظام العالمي.

يمكن التعرف إلى ذلك ببساطة؛ فوفقاً لصندوق النقد الدولي؛ فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين هو الأكبر في العالم، وسيكون ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وأكبر من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً.

الصين تعتمد على الاستثمار المدفوع بالائتمان، وليس الاستهلاك، كمصدر للطلب، والاعتماد الموازي على تراكم رأس المال، كمصدر لزيادة العرض.

الصين هذا البلد الشاسع، يتخرج فيه 1٫4 مليون مهندس سنوياً، ولديه أكثر مكاتب براءات الاختراع انشغالاً في العالم، وسكانه يتمتعون بروح ريادة الأعمال بدرجة عالية، ولديه إمكانات رائدة عالميا في مجال تكنولوجيا المعلومات، متقدمة كثيراً على الأوروبيين، من جانب آخر مستقبل الاقتصاد الصيني يتعلق بالسياسة، سواء المحلية أم العالمية، ولا يقل أهمية عن ذلك البيئة العالمية المعاكسة، فقدرة الصين على الوصول إلى الأسواق العالمية والتكنولوجيا تزداد.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو 4٫5 في المئة في 2024، وهذا أفضل من أغلب الاقتصادات المتقدمة، ولعقود من الزمن، كانت الصين تمثل حصة كبيرة من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

سيساعد حجم اقتصاد الصين، أحد العوامل الرئيسة في تحديد مدى قدرتها على الاستمرار في توسيع قدراتها العسكرية، على تطور توازن القوى مع منافستها الولايات المتحدة.

إن التوازن بين المدخرات والاستثمار مهم وإحدى الخصائص المميزة للاقتصاد الصيني في معدلات الاستثمار والادخار المرتفعة، التي تتجاوز 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ضعف المستوى في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأعلى حتى من المعدل في دول آسيوية كاليابان وكوريا الجنوبية.

كان الاستثمار، وخاصة في البنية الأساسية عالية الجودة، جزءاً لا يتجزأ من عملية الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي السريع في الصين، وأقامت الصين شبكة السكك الحديدية عالية السرعة الأكبر في العالم، والمطارات المتطورة العديدة في الصين تجعل محطات الطيران في الولايات المتحدة وأوروبا بجانبها تبدو سبباً للشعور بالإحباط.

تم بناء عدد كبير للغاية من المساكن في الصين، وبلغ نصيب الفرد في مساحة المساكن المبنية 40 متراً مربعاً، وهذا يعادل مثيله في ألمانيا أو اليابان.

تستطيع الصين توجيه المدخرات نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، واقترب هذا الاستثمار من 300 مليار دولار سنوياً وهذا أعلى كثيراً من نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا.

في الصين، نجد أن فوائض المدخرات أكبر منها في ألمانيا واليابان، بسبب حجم الفائض المحتمل وحجم الاقتصاد الهائل.

من خلال استثماراتهم في تكنولوجيات مثل البطاريات، والألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، يصبح المصدرون الصينيون رواداً في الصناعات الخضراء التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، وقد ترحب أوروبا والولايات المتحدة بالواردات الخضراء الرخيصة كوسيلة لخفض تكاليف سياساتهما المناخية، لكن هذا يبدو احتمالا بعيداً في ظل مناخ المواجهة الجيوسياسية اليوم.

إن التطوّرات الدولية وفي مقدّمتها تحوُّل النزاع في أوكرانيا إلى حرب استنزاف مكلفة وممتدّة إلى أجل غير منظور، جدّدت الشكوك حول وجاهة سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حيالها، ودرجة اتّساقها مع أولوية احتواء الصين، فبينما تتّجه الأنظار نحو الشرق الأوكرانيّ، حيث تحتدم المعارك في سياق هجوم مضادّ تشنّه قوات كييف منذ الربيع الماضي ولم يحقّق أهدافه الموعودة، نشهد اليوم تقدّماً صينيّاً في الاتّجاه المعاكس غرباً، وأصحاب المنظور التاريخيّ الغربي يدركون الأبعاد العميقة والتاريخية للتحدّي الصيني بالنسبة إلى الهيمنة الغربية بمجملها، ويدعون إلى تعبئة الطاقات للتركيز على التصدّي له بشكل شبه حصريّ، و أحد هؤلاء، الريدج كولبي، مساعد وزير الدفاع الأميركي في عهد ترامب، أكد في مقال له في مجلّة «تايم» بعنوان: «كيف نستطيع مساعدة أوكرانيا مع إعطاء أولوية مركزية لآسيا؟» أن على واشنطن الاستدارة مجدداً وبسرعة نحو غرب المحيط الهادئ للتهيؤ لاحتمال متزايد لنزاع مع الصين.

بينما تتّجه الأنظار نحو الشرق الأوكرانيّ، تتمدّد الصين غرباً نحو الشرق الأوسط، ومراجعة التطوّرات في الأشهر الماضية، من زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى السعودية، ومشاركته في قِمم ثلاث، مروراً برعاية بكين الاتفاق الإيرانيّ- السعوديّ، وصولاً إلى زيارة الرئيس بشار الأسد، إلى العاصمة الصينية، وتوقيع البلدَين اتفاقية شراكة إستراتيجية، تؤكد جميعها حقيقة توسُّع نفوذ الصين وتأثيرها في هذه المنطقة، باتجاه إعادة التوازن العالمي.

«مثلاً تعدّ سورية من أوليات الدول التي أقامت علاقات مع الصين الجديدة»، على حدّ تعبير الرئيس شي، خلال لقاء القمّة، مع الرئيس الأسد، وخلال سنوات الحرب، حافظت الصين على موقف سياسي داعم للدولة السورية، واستخدمت 8 مرات حق النقض «الفيتو» ضدّ مشاريع قرارات دولية تستهدف سورية وحكومتها مع دعم الصين للدولة السورية في معركتها ضد الإرهاب وضد الحصار.

وقد قال الرئيس الأسد، بعد لقاء القمة مع الرئيس شي: «اليوم العالم يتغير، والصين تلعب دوراً مهماً في إعادة التوازن الدولي في هذا العالم».

إن مبادرة التنمية العالمية الصينية، والجانب التطبيقي لهذه المبادرة هو المشروع الصيني العالمي «الحزام والطريق» بأبعاده السياسية والاقتصادية، يؤكد الدور المستقبلي المهم للصين في إعادة التوازن في العالم وإيجاد نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب أكثر عدالة وهذا يعتمد على اختيارات الصين وحلفائها في مجموعة «بريكس».

 

سييراهوم نيوز3 – الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تحولاتٌ استراتيجيةٌ في الأفق

    كتب د.مختار   يمكنُ للمتابعِ بسهولةٍ أن يلحظَ حصولَ تحولين استراتيجيين فرضَتهما الحر.ب على غ.زَّ.ة. الأولُ تخبّطٌ غيرُ مسبوقٍ لدى قادةِ الك.يانِ، والثاني ...