يحدث التجدّد البيولوجي في الطبيعة على مستويات عديدة ومختلفة، بدءاً من الكائنات الحية الفردية، مثل: السمادل وديدان الأرض والهيدرا وغيرها، مروراً بمجتمعات الميكروبات في جسم الإنسان وعليه، وانتهاءً بالأنظمة البيئية الكبيرة مثل الغابات عند قطعها.
فلماذا لا تتجدد أنسجة الإنسان وأعضاؤه عند الضرر.؟
شغل هذا السؤال الإنسان منذ آلاف السنين، وجهد العلماء منذ القدم لتطوير نظرية حول التجديد من دون نجاحات تُذكر حتى وقت قريب.
غير أن استمرار البحوث الرامية إلى استهداف الحواجز التي تعوق عملية التجديد، وكثافتها في المدة الأخيرة، أدّى إلى اختراقات مهمة، خاصةً فيما يتعلق بتجديد الأسنان وأنسجة القلب والعلاجات بالخلايا الجذعية، ما يؤشر على أننا اقتربنا من الدخول إلى عصر جديد، عصر الطب التجديدي.
كل مرض يصيب الإنسان تقريباً، سواء أكان إصابةً أم عدوى أم مرضاً مزمناً أم مرضاً تنكسياً، يؤدي إلى إتلاف الأنسجة.
علاوة على ذلك، يمكن إرجاع 45% من جميع الوفيات إلى فشل التجدد المرتبط بالالتهاب والتندب الليفي.
ويتطلب الشفاء بعد الضرر الإجابة عن أسئلة رئيسة: كيف يمكن تحفيز الأنسجة البشرية على التجدّد؟ ولماذا تنجح بعض الحيوانات كسمندل الماء مثلاً، في تجديد أطرافها بطريقة مذهلة، في حين يفشل البشر في تجديد خلاياهم وأنسجتهم عند حدوث ضرر ما؟
هذا ما تهدف إليه البيولوجيا التجديدية: الإجابة عن هذه الأسئلة وتحديد العلاجات، التي تجعل الجينوم والخلايا قادرة على الصمود أمام التقلبات الطبيعية أو الأحداث التي تسبب اضطراباً أو ضرراً، وتحديد كيفية إعادة تجديد الأنسجة والأعضاء التالفة.
على الرغم من أن مصطلح “الطب التجديدي” قد صيغ حديثاً في عام 1999م، فإن الإنسان مارس هذه التقنيات منذ آلاف السنين، إذ كانت الحضارات القديمة في سومر ومصر والصين والهند وأمريكا الجنوبية، رائدة في الاكتشافات والتقنيات الطبية مثل: تطهير الجروح وتنضيرها باستخدام الخلطات النباتية والمعدنية وقد سُجّلت إجراءات ترقيع الجلد لإعادة بناء الوجه من قِبَل سوشروتا، وهو طبيب هندي، منذ أكثر من 1000 سنة. لكن المعرفة العلمية الأساسية لم تكن متوفرة لتحفز التكنولوجيا الحيوية على التقدم وتوفير العلاجات. إلا أن تراكم الأبحاث العلمية منذ القرن الثامن عشر بدأت تُؤتي ثمارها.
اليوم، يشهد الطب التجديدي تقدّماً كبيراً ومتميزاً في العلاج الطبي الذي يعتمد على
مبادئ تكنولوجيا الخلايا الجذعية وهندسة الأنسجة من أجل استبدال الأنسجة والأعضاء البشرية المتضررة أو تجديدها واستعادة وظائفها.
وقد بدأ هذا النهج يمثل خياراً علاجياً قيّماً للإصابات الحادة والأمراض المزمنة والتشوهات الخلقية، من خلال إجراءات لا تتطلب التبرع بالأعضاء وزراعتها.
صعوبة التجدّد
يمتلك البشر قدرةً بسيطةً على تجديد الأنسجة التالفة، وفي حالات محدودة جداً.
على سبيل المثال، عندما يُصاب الشخص بجرح سطحيّ صغير، فإنه يُشفى من دون تكوين نسيج ندبي، وذلك لأن خلايا الجلد المحيطة قادرةٌ على ملء الفراغ بسهولة تامة، في حين أنه إذا تعرّض الإنسان لجرح عميق أو إصابة خطرة، ينتهي به الأمر إلى إغلاق الجرح بنسيج ندبي بدلاً من تجديد الأنسجة المفقودة.
بعض الحيوانات الأخرى مثل السمادل، لا تكوّن نسيجاً ندبياً مكان الجرح بالطريقة نفسها.
فبدلاً من ذلك، تُجنّد الخلايا الجذعية القادرة على النمو وتضميد الجرح من دون تندب في المنطقة المصابة.
فالخلايا الجذعية هي خلايا خاصة ليس لها وظيفة محددة، ويمكن أن تتحول إلى أي نوع آخر من أنواع الخلايا، مثل: خلايا العظام والعضلات والأعصاب والجلد، وتقوم بوظيفة النوع المُتحوَّل إليه.
وعندما تفقد بعض الحيوانات أحد أطرافها، تتحول هذه الخلايا إلى نوع خاص بذلك الطرف أو العضو لتجديده.
يمتلك البشر البالغون بعض الخلايا الجذعية، لكنها ليست متاحة بسهولة للمساعدة في عملية شفاء الجروح العميقة والإصابات الخطرة. كما أن معظم الثديات الأخرى مشابهةٌ للبشر؛ لذا فخلاياها الجذعية ليست مناسبة في التجدّد أيضاً.
مفتاح لغز التجدّد
من المثير للاهتمام أن الرضّع من البشر يمكنهم تجديد أنسجة القلب. وللأطفال القدرة على تجديد الأسنان وإعادة أطراف الأصابع. فضلاً عن أن أكبادنا تتمتع بقدرة كبيرة على التجدّد إلى الحجم الكامل بعد فقدان جزء منها. إضافة إلى ذلك، فإن العظام تلتحم معاً بعد كسرها إذا أُعيد ربط القطع المكسورة بواسطة مسمار أو جبيرة.
ولكن في المقابل، يرى علماء آخرون أن ما يقوم به البشر أثناء تجديد الجلد والكبد والعظام، لا ينطبق عليه مفهوم التجدّد الذي تقوم به السمادل والسرطانات. فالجلد يستبدل الطبقة السطحية فقط في عملية مستمرة يُطلق عليها الاستتاب (homeostasis)؛ والدليل على ذلك هو الغبار في المنزل الذي معظمه هو خلايا الجلد الميتة التي فقدناها.
الطبيعة لتجديد أعضاء الإنسان
سيرياهوم نيوز 2_الثورة