نجوة عيدة
عش كثيراً لترى وتسمع كثيراً، فلم يعد هناك أكثر من القصص المثيرة للجدل في عالم لا يكلفك فيه انتشار الأخبار الغريبة وتلقفها ثم تبنيها سوى ثوانٍ على لوحة المفاتيح، لترى نفسك وكأنك دخلت في دوامة تحتاج فيها لصفعة أو “قرصة” لتعود بها إلى الواقع، فتعدّد الزوجات أمر يمرّ على مسامعنا بشكل اعتيادي ولا يحتاج للوقوف عنده كثيراً، أما أن تقوم إحدى النساء بتقديم زوجها على “طبق من ذهب” إلى أخرى غيرها، فهذا يستدعي الوقوف عنده مطولاً، خاصة وأنه لم يكن هناك سبب جوهري يدفعها للقيام بهذا الأمر، فعندما تملك المرأة الثقافة والجمال والاكتفاء المادي والأبناء ليس هناك من مبرّر يجعلها تتخلّى عن شريك حياتها إلى أخرى، والسيدة “سهام” واحدة من النسوة اللواتي أقدمن على تلك الخطوة، حيث قامت بخطبة إحدى معارفها لزوجها، كما تحدثت لنا، ثم لم تمضِ شهور قليلة إلا وتمّ النصيب، وعندما استفسرنا عن الأسباب أكدت أنه ما من سبب يذكر غير سعادة زوجها، ولاسيما أن الشرع قد حلّل له ذلك، وهو رجل مقتدر، ولم تعتبر موضوع زواجه بأخرى شيئاً غريباً!.
أما سعاد السيدة الأربعينية والتي لم ترزق بأطفال، فقد رأت أن المرأة الثانية في حياتها انتقاص لأنوثتها، حتى وإن حرمت من نعمة الأمومة، فهو على حدّ تعبيرها امتحان إلهي ولا ذنب لها فيه، وعندما توضع على المحك، كما وصفت، فإنها تفضّل الطلاق والانفصال عن زوجها، وقالت: لم أفكر بتزويجه يوماً، فهذا قدرنا نحن الاثنين، وعندما ترجح كفة الأطفال فأنا سأكون خارج الحسابات وبإرادتي حتماً.
في المقلب الآخر يخرج علينا “أبطال الشاشات” باستعراض، وصفه الخبراء الاجتماعيون، بالعرض المستهتر، وهو مسلسل الطلاق مع مشاركة الطليق المنزل 24 ساعة، لتغدو العلاقة الزوجية وكأنها أمر مسلٍّ متى مللنا منها أو أتعبتنا نتخلى عن مسؤولياتنا، لكن بطريقة جديدة، حيث يحاولون تقديم هذا النوع من الطلاق على أنه حضاري، في حين لا يمسّ مجتمعنا وقيمنا بأي شيء، فإلى أين يا ترى نحن منقادون؟.
الدكتورة رشا شعبان الأستاذة في جامعة دمشق بيّنت في حديثها لـ”البعث” أنه من غير الممكن أن تكون هناك زوجة تحبّ زوجها وتنتمي لزواجها أن تقبل بشريكة، لكن عندما تكون مقتنعة وتقول إن هذا أمر طبيعي و”عادي”، فهي بالأساس غير راضية عن علاقتها به بل يكون هناك شيء مفقود داخل العلاقة أوصلتها إلى اللامبالاة، طبعاً إذا لم يكن هناك سبب للزواج الثاني، فتعدّد الزوجات مع وجود حالات استثنائية لها طبيعتها، يكون أحياناً مقبولاً، أما إن لم يكن هناك أسباب مقنعة فهو أمر غير منطقي.
وتقول شعبان: العلاقات الإنسانية لا يحكمها قانون بشكل مطلق، بل هي مقيّدة بالمشاعر وتقبل بالكثير من الاستثناءات لأننا أمام طبيعة بشرية، لكن المشكلة بنظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة التي تقبل بكلّ شيء، ما عدا الانفصال والوقوع في شرك المجتمع. وترى شعبان أن أي امرأة ترفض الطلاق رغم يقينها بأن حياتها الزوجية عملياً منتهية هي امرأة تخشى الناس والواقع والمجتمع الذي لاتزال نظرته غير صحية للانفصال، فهو يقبل بتعدّد الزوجات وبحياة غير سليمة، لكنه يرفض انفصال المرأة عن زوجها، مبيّنة أن المجتمع اليوم يحتاج لعلاج الأسرة ومفهوم الطلاق من كلّ النواحي بدءاً من الأطفال، فليس كلّ امرأة أو أب مطلقين فاشلين كأبوين، في وقت رأت ضرورة وجود قوانين تحمي المرأة والأطفال وتتناسب مع الظروف الحالية وليس فقط قوانين صورية، أما ما يتعلّق بزواج الرجل برضا زوجته فلم ترق الفكرة للدكتورة شعبان، إذ أوضحت أن هذا القناعة يشوبها الخلل، ومجرد نشرها على السوشيل ميديا بطرق جميلة، فهو تشجيع على حالات تخلف وتراجع في الوعي وتشويه للعلاقة الزوجية.
وفيما يتعلق بطلاق الطرفين وإقامتهما في المنزل نفسه بعد وقوع الطلاق، أضافت شعبان: للأسف اليوم هوية الأسرة مفقودة، ومفهوم الأب والأم والأخوة فقدت هيكليتها، وبات ما نراه من شراكات زوجية لا يتعدّى التحايل على الزواج وتشويهه، ما نحتاجه اليوم مفاهيم جديدة تتلاءم مع كلّ ما هو إنساني، وعدم استسهال العلاقة وانحرافها عن مسارها السليم، ما يحتاجه هذا النوع من الأزواج مراجعة قيمهم، وخاصة أمام الأبناء الذين يفقدون ثقتهم بأهلهم، ولا يعدّ لديهم حراماً أو حلالاً.
قانونياً، المجتمع السوري خالٍ تماماً أو -هكذا نعتقد- من وجود أزواج مطلقين يعيشون في المنزل نفسه، غير أن أغلب من خرج علينا على شاشات التلفاز هم سوريون، فما حكم ذلك قانونياً؟.
في هذا الصدد بيّن المحامي خالد قباني في حديثه لـ”البعث” أن القانون لم يمنع إقامة الطرفين في العقار نفسه أو البيت بعد وقوع الطلاق، وقال: إقامة المطلقين مع بعضهما دون أي علاقة شرعية قانونية ليس له توصيف قانوني وإنما يعتبر من قبيل المساكنة، موضحاً أن مثل هذا النوع من العلاقة محدود وغير منتشر في مجتمعنا السوري، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي صوّرته كحالة موجودة، غير أن مجتمعنا من حيث التطبيق رافض له بشكل مؤكد، وذلك بناءً على الأعراف والتقاليد، والغريب أن أغلب العلاقات الزوجية تنتهي بخلافات حادة بين الزوجين تصل حدّ القطيعة التامة بينهما، وللأسف أكثرهم لا يملك ثقافة الطلاق، على حدّ تعبيره، بمعنى مراعاة الأطفال أو حفظ العشرة عند وقوع الانفصال، ومن حيث المفهوم العام، بيّن المحامي قباني أن هذا النوع من الطلاق ثم السكن معاً هو علاقة بين رجل وامرأة تحت سقف واحد، وقانون العقوبات السوري أباح العلاقة بين الجنسين في حال كانا عاقلين راشدين بشرط الرضا بين الطرفين، وفي الوقت نفسه جرّم هذه العلاقة واعتبرها زنا يعاقب عليها القانون بالسجن لفترات تتراوح بين الشهر والثلاث سنوات استناداً للمادة 473 من قانون العقوبات، علماً أن وقوع الجرم بحدّ ذاته يشترط وجود شكوى من متضرّر كالأب أو الأخ.
سيرياهوم نيوز١_البعث