ظهرت في الآونة الأخيرة حالات التنمر بشكل كبير وواضح على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة على شكل صور أو منشورات للأمهات من قبل الأبناء, وذلك ما يفسره بعض الأبناء بأنه حرية التعبير عن الرأي أو قوة في الشخصية نتيجة تقديم التعليقات اللاذعة والمؤلمة وخاصة للأمهات وأمام مرآى الآخرين الأمر الذي عرّض الأمهات للسخرية وقلل من شأنهم أمام الآخرين.
اختصاصية الصحة النفسية د. غالية أسعيد بينت أننا عندما نسمع كلمة تنمر فأقرب ما يجول في خاطرنا هو تنمر تلميذ على زميل له في المدرسة، أو تنمر زميل عمل على زميل آخر، أو حتى تنمر الرجل على المرأة سواء نفسياً أو جسدياً؛ ولكنْ هناك نوع من التنمر الذي لا ينظر إليه أحد أو لا يهتم به أحد أو ما قد يأخذ اسم آخر غير لفظ التنمر وهو تنمر الأبناء على أمهاتهم، هناك من سيطلق عليه عقوق الوالدين أو عدم طاعتهم أو مسميات أخرى، ولكن من منظوري أراه تنمراً شاركت فيه الأم أبناءها لكي يمارسوه عليها، ومما لاشك فيه أن التنمر بالمجمل سلوك سيئ جداً ومزعج نفسياً واجتماعياً وقد تنتج عنه مظاهر مؤلمة على كافة نواحي الحالة النفسية والاجتماعية, فكيف إذا كانت التنمر والأذى من الأبناء على الأهل وخاصة الأمهات؟.
الأسباب
وعن أهم الأسباب النفسية لهذه الظاهرة السيئة جداً قالت أسعيد: قد يكون المطلوب من الأم أن تكون قوية مع أبنائها منذ مرحلة الطفولة ولا تسمح لهم بالتمادي عليها بالكلام أو بالأفعال, كي لا يؤدي ذلك إلى ظهور سلوك التنمر فيما بعد كأنه سلوك طبيعي بالنسبة لهم.
ومن الممكن أيضاً أن تكون قناعة الأولاد بأن الأم ليس لديها أي معلومات بغير مجالات البيت وشؤونه، لذلك من الوارد جداً إذا أبدت الأم رأيها على وسائل التواصل الاجتماعي أن يقوم أبناؤها بالتنمر عليها بشكل كبير لمعرفتهم بأنها لا تمتلك أي معلومة فلا يحق لها الحديث من رأيهم.
كما أنّ الأم التي تمتلك شخصية متهاونة ولطيفة “زيادة عن المتعارف عليه”، يمكن أن تكون عرضة للتنمر من أولادها أكثر من غيرها.
((الأم التي تمتلك شخصية متهاونة ولطيفة “زيادة عن المتعارف عليه” يمكن أن تكون عرضة للتنمر من أولادها أكثر من غيرها))
آثار مدمرة
من المؤكد بحسب د. أسعيد أن سلوك التنمر يستحيل أن يمر من دون أن يترك آثاراً سلبية مدمرة، وخاصة للأم فقد يجعلها ذلك تفقد ثقتها بنفسها وتتراجع خطوات عديدة للخلف وتحاول العزلة الاجتماعية لقناعتها بأنها قد فقدت إعجاب أولادها بها وبما تعطي وقد تدخل الكثير من الأمهات في نوبات مزعجة من المشاعر الاكتئابية ونوبات من القلق العام وبعض اضطرابات النوم نتيجة التفكير المستمر بسبب تنمر أبنائها عليها، ومن المفترض أنّ الأم التي يمارس عليها سلوك التنمر من أبنائها أن تتصدى فوراً لهذا السلوك بأن تواجه وتتحدث وتتخذ العقوبات اللازمة بحق أبنائها في حال كانوا أطفالاً وفي حال كانوا راشدين وجب عليها التصدي ورفض هذا الإيذاء وعدم القبول به تحت مسمى الأمومة.
((قد يؤدي التنمر على الأم إلى فقدانها لثقتها بنفسها وتتراجع خطوات عديدة للخلف وتحاول العزلة الاجتماعية لقناعتها بأنها قد فقدت إعجاب أولادها بها))
لذلك وجب التفكر والتدبر في كلِّ كلمة نتحدث بها وفي أي مكان تٌقال سواء على أرض الواقع أو في وسائل التواصل الاجتماعي فما بالك إذا كان الشخص الذي يتأذى بكلامنا هو أقرب الناس إلينا وصاحب الفضل الأكبر في ما وصلنا إليه.
سوف تتعرضين للتنمر من قبل أبنائك عندما يرفضون أخذ رأيك في أمرٍ ما يخص حياتهم وسوف يكون دافعهم بأنك متقنة فقط لأعمال المنزل، ولكن من الصعب الحديث معك فيما يخص الحياة المعاصرة مثل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وأمور أخرى، تحتاج منك الاهتمام الدائم بمعاصرتها، وكذلك سوف تحزنين عندما تطلبين من أحد أبنائك مساعدتك في الاتصال بأحدٍ من هاتفك الذي تحملينه ولا تستطيعين استخدامه فيسخر منك ليس بهدف السخرية ولكن سوف تترك كلماته آثاراً سيئة في نفسيتك، فعندما تصبح المرأة أمُّاً تنسى كل شيء كانت تطمح إليه وتضحي بعملها الذي كان يعدّ حلماً كانت تسعى إليه قبل أن يرزقها الله بأطفالها، بسبب إدراكها بأن انهماكها في العمل قد يشغلها عن أبنائها، في حين أنها تريد أن تكرس كل وقتها لهم، في الوقت الذي يكون فيه الأبناء بحاجة إلى أم مثقفة على معرفة ودراية بكل ما يحدث.
وبينت د. أسعيد أن القيام بدور الأم ليس سبباً في أن تهملي تغذية عقلك ومواكبة العصر حتى تستطيعي أن تفهمي أبناءك لأنهم بحاجةٍ إلى أمٍّ معاصرة يستطيعون اللجوء إليها لأخذ رأيها في أمر ما يخص عملهم أو دراستهم أو علاقتهم بمن حولهم.
ستتعرضين للتنمر حتماً من أبنائك إذا تهاونتي في حقك خاصةً إذا كان آباؤهم من النوع الذي ينتقدك في كل صغيرة وكبيرة أمامهم، ويقلل من شأنك ويعاملك كأنك شيء في المنزل ولستِ إنسانة، لذا عندما ينتقدك زوجك أمام أبنائك عليكِ ألّا تتهاوني في ذلك والرد بأسلوبٍ مهذب يمنعه من تكرار هذا التصرف والإثبات له بأنك تستطيعين الدفاع عن نفسك، لذا سيفكر أبناؤك مراراً وتكراراً قبل أن يقلدوه ويتهاونوا بك.
رأي القانون
ماذا يقول القانون عند الإساءة للوالدين؟
المحامي عبد الفتاح الداية بين لـ”تشرين” أنه ظهرت في الآونة الأخيرة لدى “صناع المحتوى” ظاهرة تحويل الوالدين، وبالأخص الوالدة، إلى موضوع لصناعة مقاطع الفيديو والتكسب المادي من عوائد هذه المقاطع وحصد المشاهدات وهو أمر مستغرب في الحقيقة ومرفوض أدبياً وأخلاقياً على الأقل من وجهة نظرنا.
أما عن مصطلح “التنمر” فهو مصطلح حديث نسبياً وبداية تداوله جاءت بالتزامن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، ولا يوجد التنمر كمصطلح بشكل حرفي في نصوص القانون السوري ولكن يوجد بالتأكيد مصطلح القدح والذم.
((المحامي الداية: تحويل الوالدين وبالأخص الوالدة إلى موضوع لصناعة مقاطع الفيديو والتكسب المادي وحصد المشاهدات مرفوض أدبياً وأخلاقياً))
لم نلحظ وجود نص واضح وصريح في القوانين السوريّة يمنع قدح وذم الوالدين بشكل خاص، إلّا أنّ القدح والذم جرم معاقب عليه في القانون السوري وفق المواد /568/ و/569/ من قانون العقوبات بالحبس الذي قد يصل إلى ثلاثة أشهر وغرامة قد تصل إلى نصف مليون. ولا فرق بين أن يقع الذم والقدح على الوالدين أو على غيرهم كما حدد القانون وسائل ارتكاب هذا الجرم وعدّ الأعمال والحركات والكلام والصراخ والكتابة والرسوم والصور والأفلام والشارات من وسائل العلنية.
((لا يوجد التنمر كمصطلح بشكل حرفي في نصوص القانون السوري ولكن يوجد بالتأكيد مصطلح القدح والذم))
أخيراً يمكن القول إنه ومع وجود نصوص قانونيّة تعاقب على القدح والذم إلّا أن تطبيق هذا النص بناءً على شكوى من الأم أو الأب أمر يكاد أن يكون مستحيلاً، والحل هو بمواجهة المجتمع لهذه الأنواع من المقاطع والمواضيع وعدم التفاعل معها؛ فكما أنه من الاستحالة أن يتوجه الوالدين للشكوى على ولدهم بجرم القدح والذم، بسبب حبهم له وحنانهم عليه يجب أن يكون لدى الولد أيضاً رادع أخلاقي وديني واجتماعي يمنعه من الوقوع في القدح والذم و”التنمر” على والديه، وبالأخص والدته، مازحاً كان أم متعمداً للإساءة، لا فرق.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين