أحمد رفعت يوسف
أي عالم هذا، الذي يتشكل من رحم الجغرافيا السورية.
فالعالم اليوم، انقسم حول سورية، كما لم ينقسم من قبل.
والتوازنات الإقليمية والدولية، تغيرت على وقع التغير الذي حدث في دمشق، وبشكل غير مسبوق.
وأكدت الجغرافيا السورية، سطوتها وقاعدتها الثابتة، بأنها قلب العالم، وباتت بوصلة المشهد الجيوسياسي الجديد الذي يتشكل.
من كان يتوقع في أبعد شطحات خياله، أن يرى أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) في ضيافة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في واشنطن.. وعلى منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
لكن لماذا أعطيت، كل هذه الأهمية، لزيارة الشرع لواشنطن ونيويورك، زيادة عن غيره، من زعماء العالم، الذين اعتلوا منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانوا ضيوف حفل الاستقبال التقليدي، الذي أقامه الرئيس ترامب، في واشنطن، لزعماء العالم، المتواجدين في نيويورك؟.
قد نتفق أو نختلف في الرأي، من الشرع وسياساته، ولهذا حديث مختلف، لكن هناك ثوابت لا يستطيع أحد تجاهلها.. فالشرع يشغل اليوم، وفق البيان الدستوري، الذي وضعته حكومته، ووفق التوصيف القانوني الرسمي، منصب رئيس السلطة الانتقالية المؤقتة، لكنه وفق الأمر الواقع، يطلق عليه توصيف، رئيس الجمهورية العربية السورية.
لكن ما قبل ذلك هو الأهم.. وهو ما يعطي كل هذه الأهمية، والخصوصية، لرؤيته في نيويورك وواشنطن، فهو أبو محمد الجولاني، رئيس حركة تحرير الشام، وهي التسمية المحسنة لجبهة النصرة والقاعدة، وهو من حارب الأمريكيين، وكان سجينهم في العراق، يوم كان الجنرال ديفيد بترايوس، الذي التقاه خلال هذه الزيارة لواشنطن، مديراً لوكالة المخابرات الأمريكية، وهو الذي كان وراء تخصيص عشرة ملايين دولار، ثمناً لرأسه.
توصيف هذه الصورة، لا تحتملها المدارس السياسية، والدبلوماسية، والفكرية، المعروفة في العالم، اليوم وسابقاً، من الرأسمالية، إلى الشيوعية، إلى الديمقراطية، إلى الواقعية، إلى السريالية، إلى الميكافيلية، إلى شعرة معاوية، وغيرها، لتوصيف ما يجري، ولا بد من ابتكار تسمية وتوصيف، لمدرسة سياسية جديدة، نراها تتشكل اليوم، وهي التي حملت (الجولاني) من سجون الأمريكيين في العراق، إلى (جمهورية) ادلب، إلى قصر الرئاسة السورية، إلى لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السعودية، ثم إلى نيويورك، لاعتلاء منبر الأمم المتحدة، ثم إلى واشنطن، لعقد اللقاء الثاني مع الرئيس ترامب، ثم ما يجري الحديث عنه عن لقاء متوقع، وهو الأهم، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لكن ما يمكن تأكيده، بأن توصيف وشرح تفاصيل هذه المدرسة الجديدة، في عالم السياسة والدبلوماسية، تختلف كثيراً عن المدارس التقليدية المعروفة، التي تؤكد على القانون الدولي، ومصالح وحقوق الشعوب، لأنها موغلة في لعبة مصالح، والمصالح فقط، أياً كان ضحاياها.
عندما قلنا بأن سورية، هي مفتاح المنطقة، وواحدة من أهم المفاتيح السياسية في العالم، كان البعض يتهمنا بالمبالغة، وهاهو مشهد اليوم، الذي لم يكن يدور حتى في أحلام وأوهام أحد (بمن فيهم نتنياهو كما قال بنفسه) نراه يتحقق اليوم، ليس فقط في سورية، وحولها، وإنما يدخل مفاهيم وأفكار، وطرق جديدة، في السياسة العالمية، ستكون هي سمة المرحلة المقبلة، في المنطقة والعالم.
مشروع الشرق الأوسط الجديد، واضح ومعروف، وما تغير فيه، بين نسخته القديمة، أيام اليمين الأمريكي المحافظ، بأن يكون بالطريقة العسكرية، والتقسيم، أصبح وفق الرؤية الترامبية، على أساس الفيدراليات، والهيمنة السياسية، والاقتصادية، لكن الهدف لا يزال هو نفسه.
مع هذه التطورات، أصبحت كل الدلائل تؤكد، أن سورية اليوم، على أبواب مرحلة جديدة، ستؤثر نتائجها وتداعياتها، على المنطقة كلها، ولذلك الجميع يراقب المشهد السوري، بعضه متوجس، وبعضه ينتظر توضيح الصورة، ليبدأ ترتيب أموره على أساسها، لكن ما يمكن تأكيده، أن سورية ليست فقط هي التي تغيرت، وإنما ستتغير معها كل المنطقة، وما هو بعد 8 كانون الأول عام 2024، يوم سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، لن يكون كما قبله بشيء، حيث تغيرت التوازنات الإقليمية والدولية، وموازين القوى والقوة في العالم، وسيعاد بناؤها بناء على مؤشرات على البوصلة السورية.
(أخبار سوريا الوطن2-حوارية الصحفيين)