آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » العالم العربي أمام تحدي كبح التضخم

العالم العربي أمام تحدي كبح التضخم

 

جابر الشعيبي

 

يمثل التضخم اليوم أحد أبرز التحديات الاقتصادية في العالم العربي، حيث يضغط على القوة الشرائية للأسر، ويعيد صياغة أولويات السياسات العامة. وبحسب صندوق النقد الدولي، بلغ متوسط معدل التضخم في المنطقة نحو 10% في 2023، لكن هذا المتوسط يخفي تفاوتات حادة. ففي دول الخليج، استقرت المعدلات عند حدود 2-3% بفضل استقرار العملات وسياسات الدعم، بينما تجاوزت 25% في مصر.

 

أما لبنان فتحول إلى نموذج للأزمة، إذ ظل يعاني مستويات قياسية قاربت 100% سنوياً نتيجة الانهيار النقدي وتراجع الثقة بالقطاع المصرفي والانقسام السياسي. وفي الدول الهشة مثل السودان واليمن، تخطت معدلات التضخم حاجز 50% في بعض الفترات، ما فاقم معاناة المواطنين وأضعف الاستقرار الاجتماعي.

 

في المقابل، تمكن المغرب من خفض التضخم إلى 1.5% في 2024 بإقراره سياسة نقدية أشد صرامة.

 

الأسباب التي تغذي التضخم متشابهة في معظم الدول، أبرزها ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالمياً بعد جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وضعف الإنتاج المحلي، إلى جانب تراجع قيمة بعض العملات الوطنية. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن أسعار الغذاء في المنطقة ارتفعت بنحو 20% بين 2021 و2023، ما انعكس مباشرة على الفئات الأكثر هشاشة. هذه الصورة تجعل التضخم تحدياً اقتصادياً واجتماعياً في آن واحد، لأنه يمس حياة الأسر بشكل مباشر، ويقيد فرص الاستثمار والتنمية.

 

غير أن التجارب الإقليمية والدولية تظهر أن التضخم يمكن السيطرة عليه إذا توافرت سياسات رشيدة. ففي الخليج، ساعد ربط العملات بالدولار على تقليل أثر التضخم المستورد، وضمان استقرار نسبي للأسعار. وفي المغرب، نجح رفع الفائدة وتثبيت سلاسل الإمداد الغذائية في احتواء الأسعار من دون أن يعيق النمو. أما على الصعيد الدولي، فقدمت البرازيل نموذجاً ناجحاً حين اعتمدت سياسة استهداف التضخم عبر البنك المركزي، بالتوازي مع برنامج اجتماعي رائد هو “بولسا فاميليا”، الذي ساعد الأسر الفقيرة على مواجهة ارتفاع الأسعار وحافظ على العدالة الاجتماعية.

 

أما في الولايات المتحدة، فقد قدمت تجربة الرئيس دونالد ترامب درساً إضافياً. فمنذ 2018، فرضت إدارته رسوماً جمركية على سلع مستوردة بمئات المليارات من الدولارات، خاصة من الصين. ورغم أن الهدف كان حماية الصناعة الوطنية، فإن النتيجة كانت ارتفاع تكاليف الواردات وتزايد الضغوط التضخمية. ووفق تقديرات الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، هذه الرسوم كلفت الأسر الأميركية نحو 800 دولار إضافية سنوياً. ومع بداية ولايته الثانية، أعاد ترامب فرض هذه الرسوم على نطاق أوسع، ما ضاعف الجدل حول السياسات الحمائية وأثرها السلبي على المستهلكين.

 

توضح هذه الأمثلة أن مواجهة التضخم في العالم العربي لا تقتصر على أدوات السياسة النقدية وحدها. فتعزيز استقلالية البنوك المركزية يبقى شرطاً ضرورياً لاعتماد سياسات مرنة. لكن الأمر يتطلب أيضاً الاستثمار في الأمن الغذائي، بتوسيع الزراعة المحلية والتقنيات الحديثة لتقليل الاعتماد على الاستيراد. كذلك، تطوير شبكات أمان اجتماعي موجهة للفئات الأكثر تأثراً يضمن العدالة ويمنع الاضطرابات، بينما يبقى الحذر واجباً من السياسات التجارية الحمائية التي قد تأتي بنتائج عكسية، كما في الحالة الأميركية. والأهم من ذلك كله هو التفكير في التكامل العربي كخيار استراتيجي لتخفيف الضغوط التضخمية بتعزيز التجارة البينية وتنسيق السياسات الاقتصادية.

 

التضخم في العالم العربي قضية مركبة تمس الاقتصاد والمجتمع في آن واحد. والتعامل معه بفاعلية يتطلب رؤية بعيدة المدى وسياسات رشيدة تستند إلى بيانات دقيقة وتجارب ناجحة، حتى تتمكن المنطقة من حماية استقرارها المالي وضمان حياة أكثر كرامة وعدالة لمواطنيها.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزير الطاقة السوري يبحث مع صندوق قطر للتنمية آفاق التعاون لإعادة الإعمار

بحث وزير الطاقة محمد البشير في العاصمة القطرية الدوحة مع مسؤولين من صندوق قطر للتنمية مجالات التعاون الممكنة. وناقش الجانبان آفاق العمل المشترك في مشاريع ...