بعد قرار محكمة الجنايات الدوليّة في لاهاي أمس الجمعة بأمر إسرائيل بوقف عدوانها على رفح، باتت دولة الاحتلال محاصرةً من جميع الجبهات، وعلى الرغم من حملتها الإعلاميّة الشرسة ضدّ قرار المحكمة، إلّا أنّ كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في تل أبيب عادوا وأكّدوا مرّةً تلو الأخرى، أنّ قرار المحكمة دفع دولة الاحتلال إلى الهاوية والانحطاط التاريخيّ الدنيء والوضيع، وأنّ نظرية (الدومينو)، بدأت عمليًا بفرض نفسها على أرض الواقع، إذْ أنّ الدول الغربيّة تحديدًا، لا تُقيم وزنًا للتهديدات القادمة من تل أبيب، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام فرض العقوبات على الكيان في جميع مناحي الحياة.
عُلاوةً على ذلك، فإنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو الزعيم الأوّل في العالم، الذي بات مطلوبًا للعدالة في بلاده بتهم الاختلاس وتلقّي الرشاوى وخيانة الأمانة، وفي لاهاي أصبح متهمًا بارتكاب جرائم حربٍ، هو ووزير أمنه، يوآف غالانط، الأمر الذي يُعيق تحرّكه في العالم ويمنعه من أداء المهمات المنوطة به كرئيسٍ لحكومة الكيان، ولخصّت المستشارة الإستراتيجيّة الإسرائيليّة، آييليت فريش في لقاءٍ مع القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ الوضع قائلةً: إسرائيل لم تشهد أزمةً دبلوماسيّةً كالتي يتعيّن عليها التأقلم لها، أنّها كيان مجذوم، ومرفوض من قبل المجتمع الدوليّ، على حدّ تعبيرها.
وأوضحت إسرائيل رسميًا أنّها ستُواصِل العملية العسكريّة في رفح، الأمر الذي سيؤدّي لتوريطها أكثر مع محكمة الجنايات الدوليّة، كما زعمت أنّ العار يسير عاريًا عندما تسمح المحكمة لمَنْ وصفتهم بـ (إرهابيي حماس) من مواصلة العمل ضدّ جيش الاحتلال، مُبينّةً لنفسها بأنّ جيشها هو الأكثر أخلاقيّة في العالم.
من ناحيتها قالت صحيفة (واشنطن بوست) أنّ “نتنياهو وحكومته يجِدون أنفسهم محاصرين بشكلٍ متزايدٍ في الزاوية، ويشن نتنياهو حربًا مدمرة في قطاع غزة أثارت غضب الرأي العام العالميّ ووضعته هو وحكومته أمام اثنتين من أهم المحاكم في العالم”.
وتابعت: “قبِل المسؤولون الإسرائيليون التحدي قبل صدور الحكم، وتعهدوا بمواصلة معركتهم، لكن الضغط القانوني يتصاعد حيث تدرس محكمة العدل الدولية قضية رفعتها جنوب إفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.”
“وصف نتنياهو وعدد لا يحصى من المسؤولين الإسرائيليين التطورات بأنها فاضحة، وأعرب الرئيس بايدن ومجموعة من المشرعين الأمريكيين الآخرين عن غضبهم من التكافؤ الظاهر الذي رسمه المدعي العام بين الجرائم المزعومة لقيادة حماس وجرائم إسرائيل”.
وشدّدّت الصحيفة على أنّ “وزن الأدلة التي تدين نتنياهو وغالانت، كما هو موضّح بإيجاز في بيان خان، يحيط باستخدام إسرائيل المزعوم للجوع كسلاح حرب، وعرقلتها الموثقة للمساعدات الإنسانية في غزة، وسلوك إسرائيل خلال الحرب، التي ألحقت ضررًا واسع النطاق وعشوائيًا على المدنيين”.
وقال خان: “على الرغم من أيّ أهداف عسكرية قد تكون لديهم، فإنّ الوسائل التي اختارتها إسرائيل لتحقيقها في غزة، أي التسبب عمدًا في الموت والمجاعة والمعاناة الكبيرة والإصابة الخطيرة بجسد أو صحة السكان المدنيين، هي وسائل إجرامية”.
وكشفت الصحيفة النقاب عن أنّه “لطالما عارضت الولايات المتحدة أيّ اعترافٍ رسميٍّ بدولةٍ فلسطينيّةٍ من شأنه أنْ يسبق اتفاقية تفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن البيت الأبيض أقرّ هذا الأسبوع بأنّ إسرائيل تتعارض بشكلٍ متزايدٍ مع الجزء الأكبر من المجتمع الدوليّ”.
وخلُصت الصحيفة إلى القول: “تتوق إدارة بايدن إلى أنْ تستخدم إسرائيل المنحدر المعقد الذي تحاول بناءه: اتفاقية ثلاثية بين إسرائيل والسعودية وواشنطن من شأنها أنْ تشهد قيام إسرائيل بتطبيع العلاقات مع الرياض المؤثرة، في حزمةٍ من شأنها أنْ تشمل حوافز دفاعية وأمنية كبيرة من واشنطن. سيدعم السعوديون والشركاء الإقليميون الآخرون إعادة الإعمار في غزة وأيّ سلطة مؤقتة يتم إدارتها. لكن كلّ هذا يتوقف على التزام إسرائيل بإحياء حتى العملية التي يمكن أنْ تؤدي إلى حلّ الدولتين، وهو أمر يبدو نتنياهو غير راغب في القيام به على الإطلاق.”
في المقابل، أعربت حكومة جنوب أفريقيا، بصفتها الطرف المدّعي، عن ترحيبها بالقرار، واصفة إيّاه بـ “المجموعة الأكثر حزمًا، من حيث الصياغة، من الإجراءات المؤقّتة”. وتابعت أنّ القرار ينطوي على “دعوة واضحة جدًا إلى وقف إطلاق النار” في غزة، وهو موقف مشابه لمواقف أطراف عديدة رحّبت بالقرار، وعلى رأسها المجموعة العربية في الأمم المتحدة، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، وحكومات عربية، كالأردن، ومصر، وغربية، ككندا، وبلجيكا.
وفي الختام يجِب القول والفصل أيضًا إنّ المقاومة الفلسطينيّة في غزّة، وعلى الرغم من عدم تكافؤ الفرص العسكريّة والأمنيّة الأخرى، تمكّنت خلافًا لكلّ التوقعات من الصمود أمام جيش الاحتلال، ولكنْ الأهّم من ذلك، أنّها استطاعت إعادة قضية شعب فلسطين إلى واجهة الأجندة العالميّة بعد سنواتٍ طويلةٍ من اختفائها عن الشاشات.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم