ميخائيل عوض
١
العالَمُ القَديمُ الأنجلو سَكسوني، بِقيادةِ حُكومةِ الشَّركاتِ الخَفيَّةِ، قَرَّرَ إشعالَ الحَرائقِ في كُلِّ مَكانٍ، وَعازِمٌ على مَنعِ إطفاءِ أيٍّ مِنها.
حالَتْ دونَ وَقفِها في غزَّةَ، وانسحبَ ترمب ويتكوف مِنَ الوَساطةِ، لِلعَجزِ وضَعفِ الحيلةِ، أَو تَحَوُّلًا في رُؤيةِ ترمب، فبَدلَ المُواجهةِ، تَرَكَ الأُمورَ واستَثمَرَ بِنتائجِها ما أُمكِنَ، وَكَلامُ بَراك عن عَدمِ قُدرةِ أَميركا على فَرضِ ضَماناتٍ على نِتنياهو مُؤشِّرٌ آخَرُ قَويٌّ.
٢
مَنَعَتْ حُكومةُ الشَّركاتِ الخَفيَّةِ، أَيَّ لوبيٍّ للعَولَمةِ، مِن وَقفِ حَربِ أوكرانيا، بل تَزيدُ في تَأمينِ وُقودِها، وتُحَضِّرُ أُوروبا ونُخبتَها العَولميَّةَ لإشعالِ القارَّةِ بِحَربٍ مع رُوسيا.
وفيها تَصَرَّفَ ترمب كَتاجِرٍ مُحترِفٍ، قَطَفَ زَهرَةَ أوكرانيا وَمُستَقبلَها بِعَقدِ المَعادنِ النَّادِرَةِ، وأَلزَمَ أُوروبا بِدَفعِ كُلفةِ الحَربِ وَثَمَنِ السِّلاحِ الأميركيِّ المُوَرَّدِ لأوكرانيا، ووجَّهَ إنذارَ الـ٥٠ يومًا لِبوتين.
وبَدلَ أن يَخوضَ ترمب مع لوبي العَولمةِ حُروبًا تُبَدِّدُ قُدراتِه وتُسقِطُهُ بِالضَّربةِ القاضيةِ في الانتخاباتِ النِّصفيَّةِ، قَرَّرَ أن يَستثمِرَ وَيَتْرُكَ الحُروبَ تَشتَعِلُ.
٣
فَعَلَها ترمبُ مَرَّةً، وَرُبَّما نَدِمَ، عِندَما أَمَرَ بِوَقفِ الحَربِ بَينَ الهِندِ وَباكِستان، وَيَومَها خَوفًا مِنَ التَّورُّطِ بِحَربٍ مع الصِّين، وَبَينَ دُوَلٍ نَوَويَّةٍ تُشَكِّلُ خَطرًا على الجَميعِ.
حَربٌ جَديدةٌ أُشعِلَتْ في آسيا، وَعلى تُخومِ الصِّينِ، وَلِاستِهدافِها، بَينَ كَمبوديا المَحسوبَةِ على الصِّينِ وَمَشروعِها، وتايلاندَ التي تُحاوِلُ المُوازَنَةَ بَينَ العَلاقةِ وَالحاجَةِ إلى الصِّينِ وأميركا.
كَيفَ سَيَتَعامَلُ مَعَها ترمب؟ سَنَنتَظِر!! فَالاشْتِباكُ يُمكِنُ أن يُوَفِّرَ لَهُ فُرَصًا لَمْ تَتَضِحْ مَعالِمُها بَعدُ.
٤
قَطَفَ ترمبُ جائِزَةً كُبرى في الاتِّفاقِ الذي أَنجَزَهُ بَينَ باكو ويريفان، وَانتَزَعَ استِثمارَ مَمرِّ زِنغزور الاستراتيجيِّ اقتصاديًّا وَجيوسياسيًّا، مُلحِقًا ضَررًا فادِحًا بِمَشاريعِ الصِّينِ وَإيران، بَل وَفَرَضَ حِصارًا على إيران، وَأَمَّنَ تَواصُلًا بَينَ باكو وأنقرة، مُعَزِّزًا مَكانةَ تُركيا وَسَعيَها لِاستِعادَةِ العُثمانيَّةِ وَفَرضِ دَورِها قُوَّةً وازِنَةً وَمُوازِنَةً لِرُوسيا، وَمُتَفَوِّقَةً على إيران، وَساعِيَةً لِمُوازَنَةِ الصِّينِ وَإِخضاعِها في آسيا العُثمانيَّةِ الأَثَرِ.
لَولا حَربُ غَزَّةَ، وَإِسقاطُ سُورِيَّةَ، وَكَف دَورِ حِزبِ اللهِ وَالعِراقِ، وَقَصفُ إيران، لَما كانَ حُلمُ ترمبُ بِهذِه الجائِزَةِ الذَّهبيَّةِ؟!
فَهَل أَدرَكَت رُوسيا وَالصِّينُ ما يُعَدُّ لَهُما؟ وَهَلِ استَيقَظَت إيران مِن نَومَةِ الانتِظاريَّةِ وَالذَّبحِ بِالقُطنةِ وَاستِراتيجياتِ الصَّبرِ؟! فَالنَّارُ بَدَأَت تُحيطُها، وَالسَّعيُ لِإِسقاطِها مِنَ الدَّاخِلِ، وَالتَّحرُّشاتُ الحُدوديَّةُ بَعدَ أن أُنجِزَتِ الخُطَّةُ في مَرحَلَتِها الأُولى بِقَتلِ قادَتِها وَتَدميرِ بُنيَتِها التَّحتيَّةِ. وَبَدَأَ تَفعيلُ الثَّانِيَةِ، وَهذِهِ أُولى، وَأَخطَرُ الإِشاراتِ وَالوَقائع.
٥
الحُكومةُ الخَفيَّةُ، وَلُوبي العَولَمَةِ، قَرَّرَا إشعالَ الحَرائقِ في كُلِّ مَكانٍ لِتَدميرِ القائِمِ وَتَغييرِ اتِّجاهاتِ القُوَّةِ وَالتَّوازُناتِ، فَلَنْ يَستَسلِمَا، وَلَنْ يُتْرَكَ القِيادَةُ إِلَّا على عالَمٍ مُحتَرِقٍ وَمَملوءٍ بِالمَقابِرِ وَمُدَمَّرٍ.
لا رِهانَ على لُوبي الأَمرَكَةِ وَمَشروعاتِ ترمب، فَقَد غَيَّرَ الاتِّجاهَ، مِن الحَربِ لِتَصفِيَةِ لُوبي العَولَمَةِ، إِلى الاستِثمارِ في مُغامَراتِهِ وَحُروبِهِ وَحَرائِقِهِ.
المُستَهدَفونَ مُعنيُّونَ بِفَهمِ هَذا التَّحوُّلِ وَما يَجري، وَإِلَّا فَسَيَخسَرونَ، وَتَخسَرُ البَشَرِيَّةُ بِرمَّتِها.
زَمَنُ الحُروبِ وَالحَرائِقِ جارٍ.
(اخبار سوريا الوطن 1-الكاتب)