تضغط وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي على العديد من الصحفيين البريطانيين للتعاون في مقاضاة مؤسس موقع “ويكيليكس” الصحافي جوليان أسانج، مستخدمين تهديدات غامضة، وتكتيكات ضغط مختلفة في هذه العملية.
ونشر الصحافي جيمس بول، قصته مع هذه الضغوطات في مجلة “رولينغ ستون” الأميركية، وجاء فيها: “أعلم هذه التفاصيل، لأنني أحد الصحفيين البريطانيين الذين يتعرضون لضغوط للتعاون في القضية المرفوعة ضده، كشخص اعتاد لفترة وجيزة، العمل والعيش معه.
ويواجه أسانج تسليماً إلى الولايات المتحدة من المملكة المتحدة، حيث يتواجد حالياً في سجن بيلمارش جنوبي لندن، بتهم تتعلق بنشر مواد سربها تشيلسي مانينغ، ونشرتها ويكيليكس مع تحالف من خمس صحف، خلال عامي 2010 و2011.
وكشفت تلك المواد تفاصيل الظروف، وتدهور الصحة العقلية والبدنية لمعتقلي غوانتانامو. كما كشفت تفاصيل مقتل مئات الآلاف في العراق وأفغانستان، بما في ذلك إلقاء الضوء على مقتل اثنين من صحفيي “رويترز“، عبر مقطع فيديو القتل الجماعي الصادم (من خلال طائرة أباتشي).
وقال الصحفي: “أول تواصل معي بخصوص قضية أسانج، جاء عن طريق شرطة بلدية العاصمة في لندن في كانون الأول/ديسمبر 2021. وبناء على مشورة قانونية، التزمت الصمت بشأن هذه المحاولات يومها. لكن الآن أخبرني المزيد من الصحفيين، أن الشرطة وصلت إلى أعتاب منازلهم أيضاً، في الشهر الماضي. وهؤلاء الذين تم الاتصال بهم هم، محرر تحقيقات صحيفة الغارديان السابق ديفيد لي، والمدققة هيذر بروك، والكاتب أندرو أوهاغان.
وتابع: “تشكل محاكمة أسانج تهديداً جدياً لوسائل الإعلام الحرة، حتى قبل يومه الأول في قاعة محكمة أميركية. وتحاول جهات إنفاذ القانون، إجبار الصحفيين على المساعدة في الملاحقة القضائية، مما يجعل الأمور أسوأ. لذلك قررت أن أتحدث”.
وقال أن قصته بدأت مع المملكة المتحدة وسلطات الولايات المتحدة برسالة بريد إلكتروني، بعد أن تجاهلت الرد على رقم محظور، من ضابط شرطة العاصمة في فريق “التحقيقات الخاصة”.
وقال الضابط في بريده: “جيمس، أود مقابلتك لأسألك إذا ما كنت على استعداد للمشاركة في مقابلة طوعية مع الشاهد. أنت لست قيد التحقيق من أجل أي شيء. إنها مسألة حساسة لا يمكنني مناقشتها معك إلا وجهاً لوجه”.
لكن 15 عاماً من الخبرة في مهنة المراسل الاستقصائي ومحرر، كانت كافية لحملي على الاتصال بمحام قبل القيام بأي خطوة.
وقتها، طلب المحامي “مقابلتي وجهاً لوجه، لمناقشة ما حدث. كما توقعت، فإن الطلب يتعلق بأسانج وويكيليكس، وعلى وجه التحديد يتعلق بمقال نشرته عن علاقة أسانج مع رجل يُدعى “إسرائيل شامير”. (صحفي وكاتب سويدي من مواليد روسيا، متهم بمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست).
شامير، الذي الذي يدافع عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وحلفائه، كان بإمكانه الوصول إلى العديد من البرقيات الحكومية الأميركية، التي نشرَتها لاحقاً “ويكيليكس” إذ تم تصويره وهو يغادر وزارة الداخلية في بيلاروسيا، قبل فترة وجيزة من ادعاء رئيسها، ألكسندر لوكاشينكو، أن لديه إمكانية الوصول إلى برقيات تظهر أن خصومه المعارضين يتم تمويلهم من قبل الولايات المتحدة.
“يومها تجادلنا، أنا وأسانج عن كيفية التعامل مع هذه الحادثة. أردت من “ويكيليكس” أن تتحمل مسؤولية ما حدث، بينما اختار أسانج التستر، يقول بول.
وتابع: “مؤخراً، كتبتُ عن الحادثة لصحيفة ديلي بيست عام 2013، وبينما كنت على استعداد لنشر هذه الحادثة في وسائل الإعلام، لم أعتقد أبداً أنه يجب استخدامها للمساعدة في محاكمة انتقامية لأسانج، إذ لا يمكن لواشنطن أن تستفيد مما كشفته في المقال في محكمة قانونية ما لم أشهد عليه، وليس من الصعب أن أرى كيف يمكنني أن أفيد، إذا كانوا يحاولون تعزيز القضية السياسية ضد أسانج”.
في المقال، اعترف بول أنه أعطى المواد لشامير، علماً أنّ الأمر كان من أسانج، “دون أن أعرف من هو، وإذا شهدت على كل هذا، فإنه يمكن، على الأقل من الناحية النظرية، أن يفتح اتهامات جنائية خاصة بي”.
حتى هذه اللحظة، سار الاجتماع مع المحامي،كما هو متوقع، بالرغم من أنه لم يخفف من قلقي بشكل كبير. لكن سرعان ما اتخذ الاجتماع “منعطفاً غريباً للغاية، عندما أوضح المحامي الخاص بي، أن الشرطة أطلعته على حقيقة مفاجئة في نهاية المحادثة”.
أخبرني المحامي، الذي سجل ملاحظات أثناء الاجتماع، بما قاله له ضابط الشرطة: “شيء واحد قد يكون مفيداً لعميلك أن يعرفه. من الواضح أننا نعمل عن كثب مع الأميركيين في هذه القضية، ووكالات الأمن القومي، والاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيقات الفيديرالي”.
حينها، نصح العديد من المحامين بول بعدم السفر إلى الولايات المتحدة، “وقد كلفتني هذه الاستشارات القانونية آلاف الجنيهات الاسترلينية، إذ استشرت أقدم محام في المملكة المتحدة، وشركة محاماة في نيويورك”.
كلهم أفادوا بول، بأن الاحتمالات تراوحت من الاعتقال، إلى أمر الاستدعاء، إذا ما رفض الطلب الطوعي بالافادة ضد أسانج.
ورغم ذلك، رفض بول تقديم الإفادة عدة مرات، وكرر المحامون نصيحتهم بعدم قول أي شيء علناً عن العملية، وعدم السفر إلى الولايات المتحدة، “حيث سيكون من السهل على الشرطة الفيدرالية استدعائي أو حتى توقيفي”.
لاحقاً، انتهت تلك الفترة المضطربة. ويبدو أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل، يحاولان الآن تعزيز قضيتهم. فقبل بضعة أسابيع، زار ضابطان من شرطة لندن، منازل ثلاثة صحفيين عملوا مع جوليان أسانج.
أحدهم، أخبر بول، أنها فوجئت بزيارة الضابطين لها في المنزل، بينما كان لديها ضيف في ذلك الوقت. تحدثت إليهما، لفترة وجيزة خارج باب منزلها. وأشارت إلى أنهم كانوا “ودودينـ لكن سلبيين بقوة”، وأوضحت أنهم كانوا يسعون للحصول على إفادة شاهد طوعي، باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي، علماً أنها “ليست ملزمة” بتقديمها.
الصحافي الآخر كان في اسكتلندا، ويقول إنه عاد إلى شقته في لندن، ليعثر على رسالة تقول: “لقد اتصل بنا مؤخراً ضباط من مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن، وهم يرغبون في التحدث إليكم. يود مكتب التحقيقات الفيدرالي مناقشة تجاربك مع ويكيليكس وأسانج”.
وتابعت الرسالة: “نؤكد لك بأن هذا طوعي تماماً، وأنت هنا كشاهد فقط. لذلك ليس هناك شرط للتحدث إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، إذا كنت لا ترغب في ذلك”.
أوضح الصحفيون الذين اتصلت بهم شرطة المملكة المتحدة، أنهم لا يعتزمون تقديم إفادة شاهد لمحاكمة أسانج.
وقد أدان أحد الصحفيين “المطلوبين” للشهادة، علناً، شرطة العاصمة، ووصف تعاونها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه “مخجل”.
وقال في بيان: “أنا لا أؤيد جهود الحكومات لإسكات الصحفيين، أو توجيه اتهامات ضد الكتاب أو المحررين أو المنظمات لنشر الحقيقة، سأكون سعيداً بالسجن قبل أن أساعد مكتب التحقيقات الفدرالي”.
قد تبدو طلبات التعاون التي يتلقاها الصحفيون لطيفة للغاية، لكن على الرغم من ذلك، وفق بول، لكن الطلب “الطوعي” الذي تلقاه، دفع محاميه البريطانيين لجعله يستشير المزيد من كبار المحامين في المملكة المتحدة ومن ثم مستشاراً أميركياً أيضاً.
بعبارة أخرى، “لم أكن أنا الوحيد الذي يشعر بالقلق بشأن الطلب “الطوعي” الذي تلقيته، واتفق معه محامون جادون على جانبي الأطلسي. أنا لست مواطناً أميركياً، ولا أعيش حالياً في الولايات المتحدة، لكني أكتب عن الولايات المتحدة وأفعل ذلك لمنافذ البيع هناك”، يقول بول.
ويتابع: “إن السنتين اللتين أمضيتهما في عدم السفر إلى الولايات المتحدة، بناءً على مشورة قانونية، قد خنقتا القصص التي كنت سأكتبها لوسائل الإعلام الأميركية. لقد كان لدي خوف حقيقي ومؤكد من الملاحقة القضائية”.
في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أعلنت وزارة العدل أنها لا تستطيع مقاضاة أسانج، دون تهديد الصحفيين الأميركيين، وحمايتهم بموجب تعديل قانوني، علماً، أن تهم عام 2010 المتعلقة بنشر أسانج لوثائق سرية، كان يمكن أن تطال أسانج، ومعه المراسلين والمنظمات المشتركة بالنشر، بما في ذلك “نيويورك تايمز” وغيرها من وسائل إعلام رئيسية.
لكن في عهد ترامب، ثم بايدن، أخذت الوزارة قراراً يعاكس التعديل السابق، ليختم بول: “إذا كان بايدن يريد من وزارة العدل أن تلغي القرار السابق بشأن مقاضاة أسانج بسبب أفعاله في عام 2010، فعليه على الأقل أن يشرح ذلك.
ويقول: “هل يستحق الأمر إسكات الصحافة… يجب ألا ينتصر النفاق”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين