يوسف فارس
غزة | في اليوم الـ36 للعملية البرية في محافظة شمال قطاع غزة، زاد الحديث في أوساط أصحاب الرأي والمراسلين العسكريين في الصحف العبرية عن الأهداف الصريحة للعملية الأكثر غموضاً منذ بداية الحرب، إذ قال المحلل السياسي، عميت سيغال، إن «الخطة التي ستشهدها الأسابيع العشرة المقبلة، إلى حين تسلم الرئيس دونالد ترامب مهامه، هي أن الجيش سيستكمل إنشاء محور ثالث بعد محوري فيلادلفيا ونتساريم هو محور شمال القطاع، وصولاً إلى إخلاء كامل مدينة غزة فور وصول ترامب إلى البيت الأبيض»، فيما نقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن قائد «الفرقة 162» الإسرائيلية قوله إن «سكان مخيم جباليا وبلدات شمال القطاع لن يعودوا إلى منازلهم، وإن المساعدات ستأخذ طريقها فقط إلى جنوب القطاع».
وفي وقت لاحق، نفى المتحدث باسم جيش الاحتلال تلك التصريحات، وقال إنها «أُخرجت من سياقها»، فيما اعتبر المحلل السياسي، تسيفي برئيل، في مقال نشره في صحيفة «هآرتس» أنه «يجب تأهيل شمال القطاع ولاحقاً جنوبه واستيعاب اليهود فيهما وإبعاد المليونين وربع المليون فلسطيني منهما بصورة دائمة، ومنحهما لليهود. لم يعد مطلوباً رؤية، بل استراتيجية، لأن العدو الأميركي ذا الشعر البرتقالي على الباب، وعندما تكون هذه هي الاستراتيجية، لا مجال لوقف الحرب لأجل المخطوفين».
وتعكس تلك التصريحات والتحليلات الأجواء التي ترافق العملية المستمرة في جباليا. وعلى رغم أن بعضها يحمل قدراً كبيراً من الأمنيات اليمينية على طريقة «ما يجب أن يحدث»، لكنّ الوقائع على الأرض تثبت وجود مساع لعملية قضم جغرافي جديدة، تتبع عملية التخريب والتغيير الطبوغرافي المستمرة منذ بداية الهجوم البري، إذ لا يمكن افتراض أي حسن نية وراء تهجير 55 ألف فلسطيني في غضون شهر، بأعلى مستويات العنف والإرهاب، ثم العمل بشكل مستدام على هدم منازلهم وتدمير البنية التحتية بشكل كلي، والأهم تقويض عمل كل المؤسسات الحيوية مثل المستشفيات وآبار المياه وشبكات الصرف الصحي والفرق الخدماتية كالهلال الأحمر والدفاع المدني، ثم فرض حصار قاتل على من تبقّى صامداً في بيته.
العدو سيمنع سكان مخيم جباليا وبلدات شمال القطاع من العودة إلى منازلهم
هكذا، تَظهر شهوة التمدّد الجغرافي الاستيطاني في أعلى مستوياتها، فيما يبدو أن الإسرائيليين يريدون كل شيء في الآن نفسه: تدمير الشمال وتهجير سكانه، وتهجير جنوب القطاع، والتمدّد في جنوب لبنان، وحتى التوسّع إلى الأردن ومصر. غير أن الوقائع على الأرض، ليست مطواعة بكل تلك السهولة، وإذا كان الوقت هو العامل الذي لا يلعب في مصلحة أحد، فإن الجدول الزمني الذي يحتاج إليه تحقيق كل هذه الطموحات الميدانية لا يقاس بالأسابيع، إنما بالشهور على أحسن تقدير، إذ أثبت مخيم جباليا وبيت لاهيا أن الأهالي لم يتركوا المنازل إلا عندما عايشوا أهوالاً تتجاوز الموت، كما أن الحصول على بيئة نظيفة ومطهّرة من المقاومة لم يتحقّق بعد أكثر من شهر من القتال في منطقة مثل جباليا، التي تُشن عليها عملية عسكرية للمرة الثالثة. وأمس، أعلنت «كتائب القسام» أن مقاوميها فجّروا دبابة «ميركافا» في منطقة الصفطاوي شمال غرب غزة، كما أكدت تدمير دبابة أخرى في محيط مسجد الأمين محمد شرق مخيم جباليا. وأفادت الكتائب، أيضاً، بأن مقاوميها قصفوا بالاشتراك مع «مجموعات عمر القاسم»، قوات العدو المتوغّلة في شرق الشجاعية بقذائف الهاون، فيما ذكرت «سرايا القدس»، بدورها، أن مقاوميها تمكّنوا من تدمير دبابة في محيط بركة أبو راشد.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار