علي حيدر
أظهرت جولة الاثني عشر يوماً بين أميركا وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، ملامح واضحة لحرب غير مكتملة؛ إذ لم تنجح في تحقيق أهدافها الإستراتيجية المعلنة، لا لناحية تدمير البرنامج النووي الإيراني، ولا لناحية تحجيم قدرات طهران الصاروخية، ولا كذلك لجهة فرض قيود سياسية أو أمنية مستدامة على النظام الإسلامي تجبره على تعديل خياراته الإستراتيجية. وفي المقابل، لم تستطع إيران تحقيق ردع مكتمل، وإن نجحت في فرض معادلة ردّ على تل أبيب وواشنطن، اللتين ستضطران إلى أخذها في الحسبان في أي خيارات لاحقة.
ومن هنا، يمكن القول إن طهران خرجت من الحرب غير مهزومة، بل متزوّدة بفرصة لإعادة بناء قدراتها من موقع أكثر خبرة وصلابة، بالاستناد إلى دروس الميدان ومفاعيل الحرب، وهو ما ينطوي على خطورة جوهرية، كونه يبقي الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام احتمالات التصعيد لاحقاً، لا سيما إذا ما قدّرت الولايات المتحدة وإسرائيل أن أي تخفيف للضغوط، وعلى رأسها تلك العسكرية، سيُقرأ في إيران كدليل ضعف، وسيشجع الأخيرة على توسيع هامش المناورة الإستراتيجية لديها.
جدل الخيارات
أعاد اللقاء الأخير الذي جمع رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إحياء نقاش بين نوعَين من الخيارات المفترض اتّباعها حيال إيران: الأول يتبنّاه التيار المتشدد، ولا سيما في إسرائيل وأوساط من الإدارة الأميركية، ويدفع في اتجاه استمرار الضغوط العسكرية على طهران، على قاعدة أن ما تحقق حتى الآن غير كافٍ للوصول إلى ردع دائم، وأن وقف الهجمات سيُفسَّر كتراجع، وسيشجّع الجمهورية الإسلامية على تسريع برامجها في منشآت سرية، خصوصاً بعد وقفها التعاون مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
أما التيار الثاني، الأكثر حذراً، فيخشى الانزلاق إلى مواجهة إقليمية أوسع، خاصة في ظل احتمال توسيع التدخل الإيراني في الجبهات غير التقليدية (اليمن، العراق، لبنان، سوريا) كردّ غير مباشر على التصعيد. وفي ضوء ذلك، يتجه الإسرائيلي، على ما يبدو، إلى تفعيل مقاربة «المعركة بين الحروب»، التي تقوم على شن ضربات جزئية، متكررة، ومتفرقة، تهدف إلى إبطاء برامج التسلّح الإيرانية أو تعطيلها، من دون الانجرار إلى حرب شاملة.
وإذ تعكس هذه الإستراتيجية قناعة إسرائيلية بأن المعركة مع إيران طويلة النفَس، ولا يمكن حسمها بضربة واحدة، بل بسلسلة من الحملات المتراكمة التي تُبقي طهران تحت الضغط الدائم، فإنها لا تخلو من مخاطر، بالنظر إلى أن «جزّ العشب» في السياق الإيراني قد يؤدي إلى جولات تصعيد متبادلة، لا سيما في ظلّ بقاء الطرفين في حالة جهوزية، وعدم اكتمال توازن الردع المتبادل.
أعاد لقاء ترامب – نتنياهو إحياء نقاش بين نوعَين من الخيارات المفترض اتّباعها حيال إيران
وبالعودة إلى ما استعرضه وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، من محاضر النقاشات الداخلية في وزارة الأمن، أمام عدد من المراسلين والمحللين، فقد أشار إلى أنه في 23 كانون الثاني الماضي، تَقرّر أن «الإنجاز المطلوب هو تعطيل قدرة إيران على إنتاج وتطوير سلاح نووي لمدة زمنية محددة، تدفعها إلى إعادة النظر في جدوى إعادة بناء المشروع واستئنافه». ويعني ذلك أن الحدّ الأدنى للأهداف الإسرائيلية المأمولة لن يتحقق من دون سياسة توثب عدواني، يُراد عبرها ردع طهران عن خيار استكمال برامجها النووية والصاروخية وتطويرها، وهو ما لا يبدو قابلاً للتحقق.
ورغم أن مؤيدي خيار استمرار الضربات، يتسلّحون بما يرونه ردّ فعل ضعيف من جانب القوى الدولية الحليفة لإيران (على رأسها روسيا والصين) على ما تعرضت له الأخيرة، فإن هذا التقدير يتجاهل ما قد يتطوّر إليه الوضع في حال تحوّل التدخل الأميركي إلى تورّط أعمق في الساحة الإيرانية، قد يُستثمر من قبل بكين أو موسكو في ميادين أخرى لتعديل ميزان القوى العالمي.
إيران بين التحدي والفرصة
من جهة إيران، فإن انتهاء الحرب في ظلّ تعزّز جبهتها الداخلية السياسية والشعبية، واستمرار وجود البنية التحتية اللازمة لمواصلة برامجها وتطويرها، وفشل العدو في إخضاعها أو تقييد ردودها التي نجحت في بلورة واقع في الجبهة الداخلية الإسرائيلية لم يسبق أن شهدته الأخيرة منذ ما بعد حرب عام 1948، يعني أن البلاد لم تُهزم في هذه الجولة. لكن في المقابل، فإن التقدير في إسرائيل والولايات المتحدة يفيد بأن طهران لم تصل هي أيضاً إلى مرحلة اكتمال الردع، بل لا تزال عرضة لخطر الاستهداف، ما يجعل الحرب القادمة معها أقرب إلى أن تكون امتداداً لاختبار الردع المفتوح وليس بداية جديدة.
ومن هنا، يبدو أننا أمام مرحلة من التآكل البطيء لا الحسم السريع، تقوم على كسر الإرادة السياسية، لا البنية التحتية فقط؛ وهي مرحلة تتبنّى إيران في خضمّها إستراتيجية متعدّدة الأبعاد، من ضمنها التحصين والغموض والتصميم على مواصلة برامجها واعتماد سياسة التوثب في الردود استناداً إلى مفهوم «الردع بالتراكم»، والذي يفرضه الفارق في موازين القوى والظروف الدولية.
على أن الخطورة في ذلك، بالنسبة إلى إسرائيل، أنه في حال لم تُترجم نتائج الحرب إلى سياسة واضحة ومستدامة، فإن ما تحقق منها قد يرتدّ سلباً على واشنطن وتل أبيب، في ظلّ ترجيحات بأن تتحوّل طهران إلى خصم أكثر خطورة وتعقيداً، يعمل على بناء معادلات ردع جديدة، ويستثمر الزمن لإعادة التموضع في سياق إقليمي ودولي مضطرب، حيث الفرص تتكاثر، والمخاطر أيضاً.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار