- سرى جياد
- السبت 4 كانون الأول 2021
لم يأتِ زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصّدر، إلى الاجتماع مع قادة «الإطار التنسيقي»، بحلّ لأزمة نتائج الانتخابات التي يقول الأخيرون إنها خضعت لعملية «تزوير» واسعة النطاق، وإنّما لتثبيت «زعامته للشيعة» في العراق، محاوِلاً التعامُل بـ«أبوية» مع القوى السياسية المعارِضة له. على أن التقدّم الوحيد الذي قد يكون تَحقّق في هذا الاجتماع، هو كسر الجليد، وفتح باب الحوار، وتكريس حقيقة أن الطرفين لا يرغبان في مواجهة متصاعدة ليست في مصلحة أيّ منهما بغداد | سعى مقتدى الصدر، في اجتماعه مع قادة «الإطار التنسيقي»، أوّل من أمس، إلى تقديم المعارضة «الشيعية» لنتائج الانتخابات الأخيرة، على أنها حالة اعتراضية محدودة على سياق حتمي أفرزته الانتخابات، يجب أن يفضي إلى عملية إصلاحية تبدأ بإقامة حكومة أغلبية. وصدّر معاونو الصدر ذهابه إلى الاجتماع، على أنه تحرّك استيعابي يهدف إلى معالجة حالة حرَد أفرزتها خسارة قوى «التنسيقي»، لا أزمة ناتجة من «تزوير» محتمل أدّى إلى تغيير النتائج، وذلك من خلال تقديم تطمينات إلى القوى المعنيّة، مع عرض إشراكها في العملية السياسية، إنّما من موقع الخاسر، لا الشريك. وفي هذا الإطار، يقول القيادي في «التيار الصدري»، مناف الموسوي، لـ«الأخبار»، إن «الاجتماع برهن على أبويّة السيد الصدر، فعلى رغم أنه يمتلك الكتلة الأكبر، إلّا أنه هو الذي جاء إلى الإطار التنسيقي لحلحلة الإشكالية الموجودة»، مضيفاً أن «ذلك لا يعني أنه بنتيجة اللقاء أو الحوار قد تخلّى عن المشروع التغييري، وهو الذهاب إلى حكومة أغلبية. وقد بيّن ذلك من خلال تغريدته التي أطلقها بعد الاجتماع. لكن بالنتيجة، هو أيضاً يريد أن يخفّف من الأزمة، ويريد أن يعطي ضمانات للشركاء السياسيين، خصوصاً أنه في لقاءات سابقة قال: دعونا نشارك جميعاً في عملية الإصلاح».
وفي حين يتضارب هذا الحديث مع الأجواء التي أشاعها الطرف المقابل في خلال انعقاد الاجتماع، حيث سرّب معلومات عن اتفاق على عدم التجديد للرئاسات الثلاث، ورفْع اعتصامات المعترضين على النتائج، فذلك يعني أن قراءة موازين القوى وفقاً لنتائج الانتخابات، حتى في صيغتها الحالية، متعارضة بين الطرفين، ما يشي باستمرار الأزمة، وإن كان اللقاء بذاته فتح كوّة في جدارها، عن طريق إظهار رغبة الطرفَين في تخفيف الأجواء الصدامية التي أعقبت عملية الاقتراع، وفتحت البلد على احتمالات التأزيم كلّها، بما فيها الأمني. ذهب الصدر إلى الاجتماع ليقول إن الانتخابات كرّسته المُمثّل الأوّل لـ«الشيعة» والمفوَّض بالتغيير، وإن القوى السياسية «الشيعية» الأخرى أمام خيارَين: الأوّل هو الالتحاق به بصفته هذه، والتعاون معه في تنفيذ ما يقتضيه مشروعه «الإصلاحي»؛ والثاني الاصطفاف ضمن المعارضة السلمية وانتظار الاستحقاق المقبل لتُجرّب حظّها مرّة ثانية. وإذ يملك الصدر السلاح الأقوى الآن في ظلّ إصرار مفوّضية الانتخابات على النتائج، مع رفض إعادة الفرز اليدوي الشامل لها وفق ما يطالب به «الإطار التنسيقي»، فهو يتجاهل ادّعاء المعارضين بوجود «تزوير»، ويقلّل من قدرتهم على امتلاك «فيتو» حتى بحجمهم النيابي وفق النتائج المُعلَنة، والأهمّ من خلال قدرتهم على الأرض، التي أثبتوا في الأسابيع اللاحقة للانتخابات أن بإمكانهم بواسطتها ممارسة تأثير كبير يمنع أخذ العراق في اتّجاهات لا يوافقون عليها.
فتح اللقاء كوّة في جدار الأزمة عن طريق إظهار رغبة الطرفَين في تخفيف الأجواء الصدامية
كما ينطوي التقييم «الصدري» لنتائج الانتخابات، على تغافل، قصداً أو بغير قصد، عن واقع أن ما يسمّى «المشروع الإصلاحي» إنّما يمثّل الوجه الأوّل للانتقال إلى عراق آخر، والذي لا يمكن فصله عن الوجه الثاني المتمثّل في تغيير الاصطفاف الإقليمي للبلد، وهو ما لم يُخفِ الصدر رغبته فيه، ليس لمناسبة هذه الانتخابات فقط، وإنّما على طول مسيرته السياسية؛ إذ يرى أن تلك القضية، وبالتحديد في جانبها المتّصل بالعلاقة مع طهران، هي من الأمور التي استُفتي عليها العراقيون في الاستحقاق الأخير. أمّا الوظيفة الأساسية لزيارة الصدر منزلَ هادي العامري، حيث عُقد اللقاء، وهي تخفيف التوتر، فأكدها عضو المكتب الاستشاري للصدر، صادق الحسناوي، بقوله لـ«الأخبار»، إن «ما نتج من اللقاء يبشّر بتكسير الجليد وتجسير الفجوات بين القوى السياسية، وما تشكيل اللجان التنسيقية إلّا دليل على استمرارية الحوار، حتى الوصول إلى تفاهمات تتشكّل بموجبها الحكومة العراقية على أسس وطنية لامحاصصاتية كما كان سائداً، ولعلّ الأيام المقبلة تحمل بين طيّاتها نتائج أكبر وأتمّ». واعتبر أن «الاعتراض على نتائج الانتخابات مسألة طبيعية، فلم تمرّ انتخابات إلّا ولازمتها اعتراضات على النتائج، وطعون قانونية تأخذ مجراها ومسارها الطبيعي. وهذه الانتخابات، كغيرها، جوبهت نتائجها باعتراضات أعتقد أنها لن تتجاوز حدود الاعتراض القانوني. وربّما يسهم الإعلان النهائي للنتائج ومصادقته قضائياً في التخفيف منها، ويبقى للحوار أثره الإيجابي في إنهائها إذا توصّلت القوى السياسية إلى مشتركات تشكّل بحسبها الحكومة المقبلة».
وفيما لم يَصدر عن قوى «الإطار التنسيقي»، بعد الاجتماع مباشرة، موقف رسمي يقدّم تقييماً لما دار خلاله، تشي المواقف المُعلَنة والمُسرَّبة للأطراف المختلفة بأن الفترة من الآن وحتى إعلان النتائج النهائية، مع المصادقة القضائية بعد بتّ الطعون التي ما زالت عالقة، ستشهد هدنة، إذ لا يمكن البدء فعلياً بإجراءات تحديد الكتلة الأكبر في البرلمان واختيار الرئاسات وتشكيل الحكومة قبل ذلك الموعد، إلّا في حالة التوافق
(سيرياهوم نيوز-الأخبار)