بعد عام على الانتخابات المبكرة في العراق، والتي كان يُؤمل أن تؤدي إلى حلّ للأزمة السياسية السابقة لها، يبدو الوضع أكثر صعوبة ممّا كان عليه قبل تلك الانتخابات التي لم تفضِ إلى نتيجة حاسمة تعطي تفويضاً لطرف ما أو تحالف ما بحُكم البلد، وكان من أسوأ تداعياتها الانقسام الحاد داخل «الصفّ الشيعي»، والذي أنذر بالانزلاق إلى اقتتال أهلي سيظلّ شبحه حاضراً، ما دام التوصّل إلى حلّ تفاوضي بين طرفَيه غير حاصل. وإذ من غير المتوقع أن تؤدّي أيّ انتخابات مبكرة أخرى إلى إعطاء تفويض واضح لأحد، في ظلّ فسيفساء «المكوّنات» الدينية والطائفية والعرقية، لكنها مع ذلك يمكن أن تأتي بفائدة إقناع مَن لم يقتنع بعد بضرورة الذهاب إلى حلّ توافقي
بغداد | مع استمرار الجمود على جبهة الخلاف بين «الإطار التنسيقي» و»التيار الصدري»، من دون تسجيل أيّ تطور بارز لا على مستوى مساعي حلّه، ولا على مستوى تصعيد المواجهة على خلفيّته، انطلقت محاولة جديدة لحلّ الخلاف الكردي – الكردي حول اسم رئيس الجمهورية، لتهيئة الظروف المناسبة لتشكيل الحكومة الجديدة. وفي هذا السياق، تأتي زيارة الوفد المؤلَّف من رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، ورئيس هيئة «الحشد الشعبي»، فالح الفياض، ومرشّح «التنسيقي» لرئاسة الوزراء، محمد شياع السوداني، لأربيل ولقاؤهم زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني. إلّا أن من غير المتوقّع أن تؤدي الزيارة إلى تحقيق اختراق في العملية السياسية، التي تبقى مرهونة بمآل الصراع بين «الإطاريين»، وزعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الذي يبدو أن مروحة خياراته لا تفتأ تضيق. وتجلّت هذه المحدودية بوضوح خلال إحياء ذكرى تظاهرات تشرين، حيث رفضت قوى الحراك، التحالف مع التيار، باعتباره جزءاً من الطبقة السياسية التي يطالب الأوّل برحيلها عن السلطة. وممّا أضاف تعقيدات جديدة أمام الصدر أيضاً، تشكيل «تحالف إدارة الدولة» الذي ضمّ كلّ القوى السياسية الفاعلة ومن كلّ «المكونات»، بمن فيها حليفاه السابقان، الحلبوسي وبارزاني، في وقت بات فيه النزول إلى الشارع أكثر حراجة، بعدما تحوّلت «بروفاه» الأولى إلى صدامات دامية لم يسبق أن عرفتها الساحة الشيعية في العراق. لكن على رغم كلّ ما تَقدّم، يبقى «الصدري» تياراً كبيراً لا يمكن القفز فوقه ولا تشكيل السلطة إلّا بموافقته.
ولذا، تظلّ عناصر الأزمة قائمة بعد عام على الانتخابات التي أفضت إلى نتيجة غير حاسمة، بمعنى أنها لم تعطِ أيّ طرف غالبية كافية لتشكيل السلطة بمفرده، وهو الوضع الطبيعي في العراق المتشكّل من «مكوّنات» دينية وطائفية وعرقية متنوّعة. وحتى لو أعيدت الانتخابات اليوم، فمِن غير المرجح أن تعطي طرفاً واحداً مِثل هذا التفويض، بل ربّما تؤدي إلى مزيد من التشظّي، بالقياس على ما جرى خلال الانتخابات الأخيرة. ولذلك، أعاد الجميع، بمن فيهم بعثة الأمم المتحدة ورئيس حكومة تصريف الأعمال، مصطفى الكاظمي، لمناسبة مرور عام على الاستحقاق، التشديد على أن لا حلّ إلا بالحوار. وعليه، تأتي زيارة وفد من «إدارة الدولة» لأربيل في الوقت العراقي الضائع، في إطار محاولة معالجة إحدى الجزئيات المفتاحية لإعادة تشكيل السلطة، أي انتخاب رئيس الجمهورية الذي لم يحصل عليه اتفاق بعد بين «الديموقراطي» و»الاتحاد الوطني الكردستاني».
تجري محاولات لإقناع بارزاني بالتوافق على مرشّح رئاسي واحد
وفي هذا الإطار، يقول القيادي في «الديموقراطي»، وفاء محمد كريم، لـ»الأخبار»، إن «هدف الزيارة واضح بعد تشكيل تحالف إدارة الدولة العراقية وانضمام الديموقراطي إلى هذا التحالف بغرض تشكيل حكومة توافقية»، مضيفاً إنه «حتى الآن لم تُحسم تسمية المرشّح لمنصب رئيس الجمهورية، ولم يتّفق الحزبان على مرشّح تسوية، ما يؤدي إلى عرقلة عقد جلسة لتسمية رئيس الجمهورية. وزيارة الوفد لبارزاني هدفت إلى الحصول على آخر قرار للحزب الديموقراطي في هذا الشأن». من جهته، يرى القيادي في «تحالف الفتح»، علي الفتلاوي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «هذه الزيارات المتبادلة ما بين قادة تحالف إدارة الدولة ضرورية في هذا الوقت، حتى يكون هناك انسجام على مستوى الخريطة السياسية الجديدة، وكذلك من أجل إيجاد تفاهمات حول الصيغة الحالية والمستقبلية، وأيضاً لحثّ الإخوة الكرد على إيجاد مخرج من الانغلاق السياسي لديهم، حيث إلى حدّ الآن لم يستطيعوا أن يعطوا مرشّحاً واحداً لرئاسة الجمهورية متّفقاً عليه، وما زالوا يقدّمون لنا مرشحَين».
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار