وسام كنعان
أحدث مسلسل البيئة الشامية انقساماً في الآراء. من جهة، يؤخذ عليه المبالغة ومواصلة تصدير المفاهيم الرجعية، فيما المزاج الشعبي يعتبر أنه «كسّر الدنيا» حرفياً. في كل الأحوال، أكثر من تعب في هذا المشروع كان السيناريست عثمان جحى
ad
يمكن لمسلسل «العربجي» (كتابة عثمان جحى ومؤيد النابلسي ــ إخراج سيف الدين السبيعي ــ بطولة: باسم ياخور، سلوم حداد، نادين خوري، فارس ياغي، طارق مرعشلي، محمد قنوع، ديمة قندلفت، روعة ياسين، تسنيم الباشا، ميلاد يوسف، عبد الرحمن قويدر ـــــ إنتاج «غولدن لاين») أن يقبل القسمة على اثنين. بمعنى أنه يحمل رأياً وعكسه في الوقت نفسه. وربما لن يكون هناك ضيرٌ في ذلك، فكلّما تنوّعت الآراء، كلّما كرّست عمق التجربة وأهميتها ولو على مستوى التجريب. العين الاحترافية التي تنشد القيمة النوعية في المادة الدرامية، ستجد في هذا العمل بدون أدنى شك حالةً كرتونيةً مبالغاً فيها إلى حدود غير مقبولة، كلّ ما يجري يسبح في فلك البطل الذي يقوم العمل على تصديره كبطل خارق لا يشقّ له غبار، ولا يمكن مقارعته ولو اجتمعت عليه جحافل جيوش مسلّحة! ستخدمه المصادفات المتعاقبة، وتركع تحت قدميه الحلول السهلة، حتى عندما يصل إلى منصّة الإعدام، سيحضر الدراويش في حضرة من شأنها أن تؤخّر تنفيذ الحكم لحين وصول البراءة، كما أن الحالة النقدية قد تلتقط مشكلة تكريسه فكراً متخلّفاً، ومنطقاً رجعياً، ولغة خشبية ويسوّق مفردات وتوصيفات من شأنها أن تحط من مكانة المرأة وقيمتها مثل «العايبة» و«عملت العيبة» و«غسل العار» وما إلى هنالك من توصيفات قصفنا بها صنّاع الدراما الشامية على مرّ زمن طويل، ولا تزال تسطو هذه اللغة على الفضاء الرمضاني، والكارثة أنها تأتي على لسان النخبة والمتنوّرين وأصحاب الفكر المتحضّر، الذين يعوّل عليهم أوّلاً في أي نهضة محتملة.
ad
باسم ياخور في المسلسل
لكن أيضاً من بوابة الجمهور، يمكن الحكم على هذا العمل وفق المزاج الشعبي على أنه «كسّر الدنيا» حرفياً، عندما برع حقاً في القبض بإحكام على وصفة رمضانية جذّابة ومشوّقة، ولعلّ ميزتها أنها تكتنز كل مواصفات الدراما العائلية. لذا، فمن الطبيعي والمنطقي تبرير هذا النجاح الجماهيري الذي يحققه المسلسل، والحفاوة الشعبية به، على اعتبار أنه فصّل على مقاس هذا الشهر، وفقاً لمعطيات المتفرّج الملول الذي يعنيه أوّلاً متن الحكاية وحالة التصعيد فيها وتحقيقها شرط التشويق والذروات المتلاحقة من خلال مفردات وأدوات شعبية، ستصبح أكثر غواية عندما تكون مطروحة وفق طقوس شامية ألفها وأحبّها المشاهد سابقاً في الكثير من الأعمال.
يتقفّى المسلسل أثر «عبدو العربجي» (يؤدي الشخصية النجم باسم ياخور) الذي تعرّض لجور وظلم أهل حارته، فقرر أن ينتقم لنفسه وكشّر عن أنيابه وراح يرد كلّ صاع بصاعين، لأنه اختار أن يعيش بعرق جبينه بشكل شرعي وبعيداً عن الإشكالات. لكنه وجد نفسه أمام استحقاق بخيارين: إما أن يقول الحق، أو أن يسكت عنه، فينحو باتجاه الحقيقة، لتضعه خطوته هذه في صراع شرس مع أقوى أصحاب النفوذ. هنا يضطر للدفاع عن عائلته ونفسه، ثم يحيله هذا الصراع من شخص يعيش على الهامش، إلى إنسان قوي ومستميت في التصدي للظلم والجور. هي قصّة غير توثيقية لكنها حكاية عن الظلم والمظلوم تصلح للكثير من الحالات وتنسجم مع العديد من الأزمنة فيما وصلت ذروة التعاطف عند تنفيذ مشهد الإعدام الذي يخشع فيه العربجي ويناجي ربّه.
ad
كلّ ما يجري يسبح في فلك البطل الذي يقوم العمل على تصديره كبطل خارق لا يُشقّ له غبار
على العموم، مهما كان شكل العمل وسويّته، والانقسام حوله، يمكن القول عنه بثقة مطلقة بأنه مسيّج ومحمي، على الأقل بذريعة السوية الأدائية المسبوكة بانضباط صارم وتحكّم بالغ لغالبية نجوم العمل. بالنسبة إلى باسم ياخور، تبدو الشخصية ملعبه الآسر، كونها تتفق مع طبيعته الفيزيولوجية. الرجل الذي عركته الحياة وكان على الهامش، اضطر لأن يستحضر قوته الجسدية ويستعين بقلبه الميّت، ليدافع عن نفسه في وجه الظلم. يلعب باسم ياخور ببراعة وقوة وثبات يتماشى مع روح الشخصية وتطور مسارها الدرامي. ولن يكون غريباً على سلّوم حدّاد القبض بإحكام على روح شخصية كبير عائلته بشرّه المطلق وحنقه المبالغ، ورغبته في الخلاص من العربجي الذي سيكون بمثابة شوكة في طريقه. ومن البديهي القول بأن الموسم كان صالحاً لمحمد قنوع الذي يؤدي شومان على طريقة الكاركتير الذي بنى له صيغاً لفظية تتفق مع روح الادعاء التي تسيطر عليه، وكساه بهيئة برّانية مبالغ فيها ليكوّن حالة منسجمة تعبّر بالضرورة عن نسق كامل من هذه الشخصيات. كذلك الحال مع نادين خوري المرأة الجبارة التي تبدي استعداداً لإدارة جيش كامل بوزانة حضورها وثقل تجسيدها. أيضاً يكشف فارس ياغي عن براعة وافية وقدرة ناصعة للتلوين والتباين في الشخصيات، خصوصاً عندما يختلف الزمن ويتبدّل المنطق في كلّ شخصية يؤديها.
ad
عموماً أكثر من تعب في هذا المشروع كان السيناريست عثمان جحى الذي أعاد كتابة الورق لأكثر من مرة بغية تحقيق شرط السوق. والرجل من أكثر الكتّاب السوريين حيوية، وقدرة على التعايش مع الظروف مهما كانت بائسة، لا يمكن له التوقّف عن الشغل. هذا العام شكّل له نقلة نوعية، رغم أن أرشيفه يعج بالأعمال الكبيرة منها مثلاً: «صدق وعده» (إخراج محمد عزيزية ــــ بطولة أيمن زيدان وخالد النبوي) و «هارون الرشيد» (إخراج عبد الباري أبو الخير ـــــ بطولة عابد فهد وسمر سامي وقصي خولي). لكن الجماهيرية كانت سمة هذا الموسم بالنسبة إلى جحى وشريكه.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية