آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » العشائر بين نظامين

العشائر بين نظامين

 

عبدالله سليمان علي

 

في مشهديّة معركة السويداء الأخيرة بين الحكومة الانتقالية والشيخ حكمت الهجري باعتباره القائد الروحي والسياسي للمحافظة الجنوبية، برز عنصر العشائر إلى الواجهة ليطغى على المشهد عبر صور الأرتال وهي تحتشد من كل المحافظات وتتجه تلبية لنداء “الفزعة” إلى السويداء بعد انسحاب قوات الأمن والجيش منها.

أتاح ذلك للعشائر أن تظهر بصورة اللاعب العسكري الذي تحتاج إليه “الدولة” للدفاع عنها. والشكر الذي قدّمه الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للعشائر وإشادته “بمواقفها المشرفة بالوقوف إلى جانب الدولة عبر تاريخها!” أسهم في تعزيز صورة العشائر مرشّحاً إيّاها للقيام بأدوار سياسية وعسكرية متعددة في المستقبل، لا سيما أن العشائر في سوريا لها امتدادات في عدد من الدول العربية وخاصة الخليجية، ما يمنحها عمقاً عربياً في ممارسة أي دور يُطلب منها.

ليس هناك إحصاء دقيق لنسبة العشائر في تركيبة المجتمع السوري، وقد فتح ذلك الباب أمام تقديرات متباينة إذ تذهب المناهج التعليمية في المدارس السورية إلى خفض النسبة حتى 3% بينما يذهب خبراء في الحالة العشائرية إلى رفعها حتى 40% وربما 50% مع الإشارة إلى أن الحالة الحضرية في سوريا يمكن أن ترتدّ بسهولة إلى الحالة العشائرية في ظروف خاصة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

واختلف دور العشائر وفق بنية الدولة المركزية في سوريا. ومع إعادة التموضع الجغرافي للقبائل السورية، تشكلت كيانات سياسية جديدة وتذبذبت بين التحالفات والصراعات. فانقسمت العشائر في الحرب العالمية الأولى بين فرنسا وتركيا. ثم مع الانتداب الفرنسي لسوريا وقفت بعض العشائر مع فرنسا فيما وقف قسم آخر مع بريطانيا.

وأدّى سنّ قانون العشائر إلى صراعات بينية دموية، فأجبرت فرنسا العشائر على توقيع الصلح عام 1934.

واستمر ولاء العشائر لزعمائها لا للدولة حتى بعد نهاية الانتداب الفرنسي. وتضاءل دور العشائر في سوريا عموماً. وانخفضت حصّتها في البرلمان من تسعة أعضاء إلى ستة أعضاء مع اعتماد دستور عام 1950. ومع الوحدة السورية ـ المصرية (1958-1961) بقيادة جمال عبد الناصر، ألغي “قانون العشائر” بموجب القانون رقم 166 الصادر في 28 أيلول/ سبتمبر 1958. وذهبت امتيازات العشائر أدراج الرياح، ولم يبقَ لها سوى بعض المقاعد في مجلس الأمة. وعندما تولى حزب البعث السلطة وقام بتأميم الأراضي الخاصة، فقد رؤساء العشائر عقاراتهم التي صودرت بموجب القانون الجديد. فلم تكن العشائر سوى أدوات في كل المراحل التي عرفت فيها سوريا أنظمة عسكرية حتى عام 1970.

وفي حديث مع “النهار”، قال الدكتور صلاح نيوف أستاذ العلوم السياسية: “استطاعت العشائر أن تجد مصالح مشتركة مع حافظ الأسد، حيث أدّى شيوخ العشائر دورًا في تثبيت حكم حافظ الأسد في مواجهة الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي. لقد كان للعشائر الدور الوظيفي التاريخي مع من يحكمهم أو يسيطر عليهم”.

وقال لـ”النهار” أيضاً حكمت حبيب، من دائرة العلاقات الخارجية، شمال شرق سوريا: “عمل البعث بشكل ممنهج على تمزيق هذه المنظومة الاجتماعية وتشتيتها؛ إذ استخدم أجهزته الأمنية لإحداث شرخ داخل البنية العشائرية، ما أدّى إلى انقسامات وتشظٍّ داخل العشيرة الواحدة، الأمر الذي قوّض دور المضافات والربعات وجعلها شكلية”.

 

وأعاد اندلاعُ الحرب السورية العشائر إلى دائرة الضوء والاهتمام، حيث حاولت الأطراف المختلفة: النظام والمعارضة والجهاديون، التركيز على استقطاب ولاء العشائر لتجنيدها في صفوفها، الأمر الذي زاد من أهميتها لكنه أيضاً عرّضها لمزيد من التشظي والانقسام.

ولاحظ بعض مؤرخي الحرب السورية أن أول فئة حملت السلاح ضد نظام الأسد كانت العشائر، مثل عشائر بابا عمرو والوعر في حمص. وذهب هؤلاء إلى أن بنية الجيش الحر قامت على أسس عشائرية واضحة.

 

وقد يفسر ذلك أن بشار الأسد اعتمد بشكل واضح على أبناء العشائر في مواجهة الجيش الحر، حيث عيّن فهد جاسم الفريج، المنحدر من الحديديين، وزيراً للدفاع، بالإضافة إلى ترقية ضباط آخرين منحدرين من عشائر معروفة وتسليمهم قيادة فرق عسكرية.

وفي نهاية عام 2012، مع تفكك الجيش السوري الحر وانسحاب النظام السوري من المناطق الريفية في شمال شرق البلاد، سعت العشائر للسيطرة على حقول النفط والغاز في المنطقة في دير الزور والحسكة، وتحالفت مع القوى الجديدة الناشئة على الأرض ولا سيما تنظيم “داعش” وجبهة النصرة.

وبحسب الدكتور نيوف: “عزز ظهور داعش العلاقات بين الولايات المتحدة وبعض القبائل المعارضة للحركة الإرهابية. وأدّى تعميم الحرب الأهلية في سوريا إلى تجزئة القبائل وإضعافها، التي أصبحت منذ ذلك الحين عرضة لتأثير القوى الإقليمية والدولية المتورّطة في الصراع”.

 

وقال حكمت حبيب: “استمرت حالة الانقسام العشائري؛ حيث ظهر شيوخ جدد بشكل طارئ نتيجة الأوضاع، وادعى كل منهم أنه الممثل الشرعي للعشيرة أو القبيلة، فيما غيّر كثير من أبناء العشائر مواقفهم وتوجهاتهم وفقًا للواقع الجديد”.

عملياً انقسمت العشائر حسب مناطق النفوذ والسيطرة وظهرت هيئات ومجالس باسم القبائل والعشائر مختلفة الولاء بين النظام وتركيا و”قسد” و”هيئة تحرير الشام”.

وبحسب المحامي عبد الكريم الثلجي المهتم بملف العشائر، في حديث مع “النهار”، فإن “هيئة تحرير الشام حاولت احتواء العشائر في إدلب عبر عدة طرق: دعم زعامات العشائر وتقويتهم وتوظيف العشائر في الحرب من خلال تشكيل مجموعات مقاتلة محسوبة على العشائر لخوض المعارك”.

ويبدو أن الهيئة بعد تسلّمها الحكم استمرت في السياسة السابقة ولكن على نطاق أوسع أصبح يشمل ثلاث مناطق من مناطق النفوذ الأربع باستثناء المنطقة الواقعة تحت سيطرة قسد في شمال شرق سوريا.

وقد توّجت سياسة الحكومة الانتقالية الحالية مع العشائر بالفزعة التي تصدّرت مشهد الأحداث في السويداء وكادت تغيّر مساره نحو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

 

وقال حبيب: “ما يجمع بين النظام السابق والسلطة الحالية هو استغلال العشائر كقوة للدفاع عن الدولة وفق منظورهم، بينما الدولة الحقيقية تقوم على عقد اجتماعي وقوانين”.

أما الثلجي فرأى أنه “أصبحت العشائر رقماً صعباً، سياسياً، فالعشائر اليوم تفرض حضورها في أي استحقاق سياسي في سوريا، ولها ثقل عسكري فأغلب أبنائها يحملون السلاح، أما الدولة السورية فتمكنت من استعادة الثقة مع العشائر السورية”.

ويستنتج الدكتور صلاح نيوف من فزعة العشائر في السويداء أنها “لم تخرج عن دورها الوظيفي التاريخي والبحث عن المكاسب بمعناها الواسع منذ العهد العثماني”.

وإذ أعرب الثلجي عن مخاوفه من غلبة التطرّف على العشائر نتيجة تأثيرات عديدة بعضها خارجي، لاحظ نيوف أن “بيانات العشائر قبل مجازر السويداء الأخيرة تبنّت الخطاب الديني الجهادي”.

بدوره، رأى حكمت حبيب أنّ الأحداث الأخيرة تنذر بأن القادم أكثر خطورة، وقد يدخل البلاد في نفق مظلم يقود إلى حرب أهلية. لذلك يجب على إدارة المرحلة الانتقالية أن تتعامل مع الملفات المجتمعية بحذر، وألا تنحاز لطرف ضد آخر، وألا تستغلّ مسألة العشائر كقوة تُوجَّه ضد أبناء جلدتهم.

 

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مبعوث أمريكي للبنان: لن يأتي أحد لمساعدتكم وحصر السلاح قرار حكومي والاستقرار أمر أساسي ويجب وقف الاعتداءات

قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان وسوريا توماس باراك، الأربعاء، إن حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية هو “قرار حكومي” وينص عليه القانون. وأشار إلى أن ...