“العطاس الإقليمي” يصيب الاقتصاد السوري بالزكام.. إرباك لمسارات التعافي وعرقلة للاستثمارات الموعودة

الحرية – نهى علي:
لا يترقب السوريون تفاصيل مجريات التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، بقدر ما يتطلعون وينشدون بيئة إقليمية آمنة للاستثمار وإنجاز حزمة استحقاقات ملحّة تتطلب استقراراً وهدوءاً على المستوى الإقليمي العام.
إلا أن الأنظار باتت مركزة هنا على المستوى المحلّي نحو تتبّع الآثار الاقتصادية لمجريات الأحداث الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الاقتصاد السوري، أي التدقيق في مضمار أقل الخسائر لا أكثر الأرباح.. فكيف ستكون منعكسات التوتر الراهن، في زمن لم يعد ممكناً لأي بلد في هذا العالم أن ينأى بمقدراته عن التأثر ببؤر الصراع مهما كانت بعيدة..؟

د. قوشجي: ارتفاع أسعار الذهب والمشتقات النفطية وفواتير باهظة لتأمين الأساسيات

مخاطر غير مسبوقة

يتفق الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، في وجهة نظره مع ما سبق، بخصوص موجة التوترات العسكرية الحادة بين إيران وإسرائيل، ويرى في تصريح لصحيفتنا “الحرية” أن ما جرى و يجري أسهم في رفع المخاطر الجيوسياسية إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات.
ولاسيما أن هذا التصعيد يأتي في ظل أوضاع اقتصادية عالمية هشة، وسلاسل توريد مضطربة، وأسواق طاقة متقلبة، ما يجعله عاملاً إضافياً لمزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي إقليمياً وعالمياً، وخصوصاً في دول مأزومة أساساً مثل سوريا.

نتائج فورية

ويرى د. قوشجي فيما يتعلق بالتأثيرات الفورية على الأسواق العالمية، أنه مع بداية العمليات العسكرية، ارتفع سعر أونصة الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 3436 دولاراً، مدفوعاً بإقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة.. في المقابل، ارتفعت خام برنت: 74.86 دولاراً للبرميل، بارتفاع 8.0%.

د. قوشجي: نزيف سريع لاقتصادات المنطقة وأعباء كبيرة قادمة

خسائر إيران

على مقلب آخر وعلى صعيد التداعيات الاقتصادية الإقليمية.. يرى الخبير الاقتصادي أن الآثار والمنعكسات على الجانب الإيراني كبيرة وأطلق مصطلح “نزيف اقتصادي تحت الحصار والنار” فبرأيه الضربات العسكرية بالتوازي مع العقوبات الغربية من شأنها أن تُضعف قدرة إيران على تصدير النفط، ما يؤدي إلى تراجع إيرادات الدولة وتراجع معدل النمو الاقتصادي وزيادة العبء المعيشي على المواطنين، وتدهور في قيمة العملة الرسمية الـ”ريال” الإيراني (IRR)، وغير الرسمية التومان الذي بلغت قيمته 937 ألف ريال، أي ما يعادل 93,700 تومان مقابل الدولار الواحد، هذا التدهور الحاد في قيمة الريال يعود إلى الضغوط الاقتصادية المتزايدة، خاصة بعد التصعيد العسكري الأخير، ما أدى إلى فقدان الريال أكثر من 10% من قيمته خلال أيام قليلة.

خسائر تركيا

أما منعكس الحدث الراهن على تركيا.. فثمة عبء على صعيد الطاقة والعُملة بسبب اعتمادها على الغاز والنفط الإيراني، فهنا تواجه تركيا تحديات متصاعدة على صعيد فاتورة الاستيراد، ما يضغط على الليرة التركية ويزيد معدل التضخم، وهو ما ينعكس على الأداء الاقتصادي العام.

د. قوشجي: زيادة تكلفة استيراد النفط إلى سورية وارتفاع معدل التضخم الداخلي

في العمق السوري

ونأتي الآن إلى الاقتصاد السوري الذي يرى الخبير قوشجي أنه تحت الضغط المزدوج، في ظل اقتصاد يعاني من اختلالات هيكلية وبنية اقتصادية هشٌة، لذا تتضاعف التحديات على سوريا نتيجة التصعيد الجاري.
فبالنسبة للأثر على المدى القريب، هناك ارتفاع كلفة الطاقة، ويؤدي ارتفاع النفط عالمياً إلى زيادة تكلفة استيراد المشتقات النفطية، ما يُفاقم التضخم الداخلي. وتراجع الاستثمار بيئة عدم اليقين تعيق تدفقات الاستثمار الأجنبي، ما يعيق جهود إعادة الإعمار.

ارتفاع تكاليف الإنتاج وتآكل القوة الشرائية وتأثيرات على المستوى المعيشي

على المدى الطويل

أما بالنسبة للأثر على المدى الطويل، فيتمثل بتأخر التعافي الاقتصادي، وارتفاع تكاليف الإنتاج وتأخير تنفيذ مشاريع البنية التحتية مع تآكل القوة الشرائية واستمرار الضغوط التضخمية بدون نمو حقيقي يقوّض المستوى المعيشي ويُعمّق التفاوتات الاجتماعية.
ويختم د. قوشجي بأن التوترات الحالية أن الاقتصاد لم يعد بمعزل عن الجغرافيا السياسية، بل صار رهينة لها. وفي حالة سوريا، فإن التصعيد لا يضيف فقط ضغوطاً جديدة على المشهد الاقتصادي، بل يعقّد مسار استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر.