خضر خروبي
بفارق نحو خمسة ملايين صوت، حسم دونالد ترامب السباق الرئاسي في الولايات المتحدة، متغلّباً على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. وبالاستناد إلى تقرير وكالة «أسوشيتد برس»، بعد إعلان النتائج في 45 ولاية من أصل 50، فقد حصل ترامب على 71 مليون صوت، بنسبة وصلت إلى 51% من أصوات الناخبين، أهّلته للفوز بالعدد الأكبر من الولايات السبع الحاسمة، وخاصة جورجيا، وبنسلفانيا، وويسكونسن، وميشيغان، بينما حصلت هاريس على نحو 66 مليوناً و100 ألف صوت، ولم تفز سوى في 19 ولاية، بما في ذلك العاصمة واشنطن.
بنسلفانيا
في ولاية بنسلفانيا، إحدى الولايات المتأرجحة السبع، والتي حسمت سباق «رئاسيات أميركا»، تمكّن ترامب من الفوز بأصوات الولاية الـ19 في المجمع الانتخابي. ومن ضمن ما ظهّرته نتائج الانتخابات في الولاية الداخلة ضمن «الجدار الأزرق»، الذي يضمّها إلى جانب ويسكونسن وميشيغان، هو استعادة المرشح الجمهوري أصوات غالبية سكان الولاية التي خسرها عام 2020 لمصلحة جو بايدن، بعدما كان قد ظفر بها في معركته في انتخابات عام 2016 أمام هيلاري كلينتون، وذلك بالاستفادة من تعرّضه لمحاولة اغتيال في قرية بتلر الواقعة في الولاية لتحشيد أبناء مجمل المقاطعات الريفية الرئيسية فيها لمصلحته.
ووسط مناخ هيمن عليه التخويف من أعمال تخريبية وفرضيات تزوير محتملة، وهو أمر حذّر منه المرشح الجمهوري نفسه، حين زعم وجود «عمليات تزوير واسعة النطاق» في عملية الاقتراع في فيلادلفيا، وهي إحدى مدن الولاية، نجح ترامب في استقطاب عدد كبير من الأصوات في المناطق الحضرية الرئيسية، التي تُعدّ معاقل للحزب الديمقراطي، بخاصة في مقاطعتَي لاكاوانا وليهاي، وكذلك في مدينتَي إيري وألينتاون، حيث حصد أصواتاً إضافية تُقدر بنحو 60 ألفاً، فيما عزّز رصيده العام بأكثر من خمس نقاط مئوية مقارنة بنسب التصويت التي حصل عليها عام 2020، في وقت كانت هاريس تسجّل فيه أداءً باهتاً، إذ حصلت في بعض مناطق بنسلفانيا، المتميزة بحضور لافت لأصوات الأميركيين المنحدرين من أصول أفريقية وآسيوية ولاتينية، على نسبة أصوات توازي ما حصل عليه بايدن، وفي مناطق أخرى على نسب تصويت تقلّ عمّا حصل عليه الأخير في انتخابات 2020 بخمس نقاط.
كارولينا الشمالية
وفي الولاية التي شهدت تنامياً لحضور الحزب الديمقراطي في انتخابات عامَي 2016 و2020، والتي أهدت دونالد ترامب أضيق هامش انتصار فيها من ضمن الولايات التي فاز بها في الانتخابات الرئاسية الماضية، لعبت أصوات الناخبين في أريافها، التي تُعدّ الأكبر في الولايات المتأرجحة السبع، إضافة إلى سكان بعض الضواحي والذين يمثّلون معاً نحو ثلث سكان الولاية، دورها في إعادة الرجل إلى قلب المشهد السياسي في الولايات المتحدة. كما أنها ساعدته في تجاوز آثار الموازنات الضخمة التي خصّصها خصومه الديمقراطيون لاختراق كارولينا الشمالية المعروفة تاريخياً بانتمائها إلى الجمهوريين (16 صوتاً في المجمع الانتخابي)، وكذلك في تجنّب تبعات ارتباك الحزب الجمهوري، على خلفية مسلسل الفضائح الذي لاحق مرشح الحزب لمنصب حاكم الولاية، مارك روبنسون، الذي سبق أن قال ترامب إنه «أفضل من مارتن لوثر كينغ»، قبل أن يبدأ في تجاهل الحديث عنه بعد ذلك. وبحسب مراقبين، فإن من أبرز نقاط قوة ترامب، النشاط الميداني الملحوظ للحزب الجمهوري في الولاية، سواء قبل الانتخابات أو أثناءها، حيث كان عدد الناشطين الجمهوريين أعلى من نظرائهم الديمقراطيين، إلى جانب عامل آخر، تمثّل في محاولة المرشح الجمهوري توظيف المشاكل الاقتصادية، وبخاصة تلك التي سبّبها إعصار هيلين غرب الولاية أخيراً، بهدف إطلاق ادعاءات تتهم البيت الأبيض بسوء إدارة الأموال المخصّصة لأعمال إغاثة المتضررين من الإعصار.
حصل ترامب على 71 مليون صوت، بنسبة وصلت إلى 51% من أصوات الناخبين
جورجيا
أما جورجيا، فقد جعلها ترامب، وفقاً لمراقبين، أحد أبرز محاور استراتيجيته الانتخابية، إذ عمد إلى التذكير مراراً بمزاعم تعرّضه لـ»مؤامرة» تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية فيها في عام 2020، حين خسر بفارق يقل عن 12 ألف صوت هناك، قبل أن يتحول خلال الأشهر الأخيرة، وبعد اتهامه عام 2023 بمحاولة قلب تلك النتائج، عن ذلك النهج، ويبدأ استغلال حضوره في الولاية في أكثر من مناسبة لحث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم مبكراً. ومن خلال التعاون مع عدد من المنظمات السياسية الفاعلة، وبعضها محسوب على التيارات الجمهورية المحافظة، شاركت حملة ترامب في تنظيم زيارات منزلية لمندوبيها لمحاولة استمالة أهالي الولاية، فيما قارب الإنفاق الدعائي للحملة داخل جورجيا وحدها قرابة 100 مليون دولار، وهو رقم مماثل لإجمالي نفقات حملة هاريس في الولاية نفسها، والذي لامس حدود 130 مليون دولار.
مع ذلك، وبحسب وسائل إعلام أميركية، فقد حقّق الديمقراطيون بعض المكاسب في الولاية، بخاصة المقاطعات المحيطة بأتلانتا، التي تُعدّ إحدى أكبر مدنها، كمقاطعة هنري، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من المدينة، حيث حصدت هاريس نسبة تأييد تجاوزت ما ناله بايدن في انتخابات عام 2020، فيما حقّق الجمهوريون مكاسب في مختلف أنحاء الولاية، بما فيها مناطق نفوذ للحزب الديمقراطي في عدد من المقاطعات المحيطة بالمدن الكبرى مثل ماكون وأوغوستا وسافانا.
ولايات أخرى
أما في ويسكونسن، التي فاز فيها كل من ترامب وبايدن في انتخابات 2016 و2020 على التوالي بفارق لا يتجاوز 25 ألف صوت، فقد أظهرت نتائج الانتخابات نجاح ترامب في تحصيل كتلة تصويتية أكبر، مقارنة بالانتخابات الماضية، في المناطق الريفية والمدن الصغيرة وداخل المناطق الحضرية المتوسطة الحجم، في حين بقيت حصة مرشحة الحزب الديمقراطي في ضواحي ويسكونسن عند مستويات متقاربة مع تلك التي نالها بايدن في عام 2020. ومن العلامات الفارقة في نتائج ولاية نيفادا، إقبال الجمهوريين بشكل كبير على التصويت المبكّر؛ ذلك أنّه بحلول مساء الإثنين، كان قد أدلى نحو 53.5% من الناخبين المسجّلين في الولاية بأصواتهم بالفعل، وهو ما رأى فيه مراقبون استجابة لمناخ التخويف الذي بثّه ترامب لدى جمهوره. وفي ولاية ميشيغان، عكس أداء الصوت العربي والمسلم، والذي خرج عن تأييده الساحق المألوف للديمقراطيين، رغبته في التعبير عن إحباطه من كيفية تعامل بايدن مع الحرب على غزة.
دلالات التصويت
وبالحديث عن دلالات التصويت، تفاوتت التعليقات بين مَن ربطها برفض المجتمع الأميركي تولّي امرأة للرئاسة، ومن عزاها إلى الانسحاب المتأخر لبايدن من السباق الرئاسي، والذي لم يتح الفرصة لهاريس لتسويق نفسها كما يجب. ورأت شبكة «سي إن إن» أنّ ذلك «يرجع أساساً إلى القضايا الثلاث، وهي الاقتصاد وأزمة التضخم في فترة ما بعد الوباء إلى جانب انتشار أحداث العنف، وقضية الهجرة، التي تجاهلتها إدارة بايدن، بخاصة في عاميها الأولين»، موضحة أنّ هناك أسباباً أخرى «تتعلق بالسياسة الخارجية بالنظر إلى ما يحدث في أوكرانيا وما يحدث في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم». وأضافت أن «هذا التصويت لدونالد ترامب هو بيان عدم الإعجاب بهم (أركان إدارة بايدن)، ولا أعتقد بأن هذا هو ما يجب أن يستخلصه الناس من نتائج الانتخابات”.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار