تتواصل المراجعات الأميركية للسياسات المُتّبعة من قِبَل الولايات المتحدة في سوريا، والتي تتّفق جميعها على فشل «استراتيجية الخنق» في تحقيق أهدافها، بل وإتيانها بنتائج عكسية، داعية إلى مقاربة مغايرة لكيفية حماية «مصالح» واشنطن في هذا البلد
مصالح واشنطن
في البداية، قَوّم الكاتبان السياسة الأميركية السابقة في سوريا، واعتبرا أنها باءت بالفشل، ولم تُحقِّق المصالح الأميركية، كما لم تساعد على استقرار البلاد وإنهاء النزاع. وحدّد الكاتبان المصالح الأميركية في سوريا بأنها «تشمل القضاء على التهديد الذي تُشكّله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزّقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات». وبالإضافة إلى ذلك، «تُعدّ سوريا نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك صراع الولايات المتحدة وروسيا، وإسرائيل وإيران، وروسيا وتركيا، وصراع تركيا والجماعات الكردية المدعومة من قِبَل الولايات المتحدة، وهناك اهتمام آخر مهمّ وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمرّ الهجرة الجماعية في تأجيج ردود الفعل».
فشل سياسة العقوبات
يتّفق الكاتبان على أنه «باستثناء التصدّي لتهديد داعش في شمال شرق سوريا، يمكن القول إن السياسة الأميركية بشأن سوريا منذ عام 2011 فشلت في تحقيق أيّ نتائج إيجابية». من هنا، تنبع ضرورة إحداث تحوّل في تلك السياسة. ويرى فيلتمان وباليان أن «السياسة الحالية القائمة على عزل سوريا وفرض العقوبات عليها، نجحت في شلّ اقتصاد البلاد المدمَّر أصلاً جرّاء الحرب، إلا أنها فشلت في إحداث أيّ تغيير في سلوك (الحكومة السورية)». فالجهود التي بُذلت سابقاً لتدريب مجموعات المعارضة وتزويدها بالمعدّات والسلاح للضغط على الرئيس بشار الأسد وحمله على تغيير مساره أو التنحّي عن السلطة، «باءت بالفشل أيضاً، لا بل إن تلك السياسات ساهمت في زيادة اعتماد سوريا على روسيا وإيران»، بحسبهما. كما أدّت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى «إحداث تدهور حادّ في العملة السورية، وساهمت في انهيارها كاملاً، لكنها لم تضُعِف الدعم الرئيسي للأسد من قِبَل جمهوره المحلّي، ولم تُغيّر سلوك النخبة الحاكمة»، بل هي «وضعت الولايات المتحدة على الهامش، وجعلت كلّاً من روسيا وتركيا وإيران المُتحكّمَين الرئيسيين بمستقبل سوريا». في غضون ذلك، توقّفت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، والتي تركّزت على الإصلاحات الدستورية. والأسوأ من ذلك، بحسب الكاتبين، أن «العقوبات المطبَّقة على سوريا تؤدّي بشكل غير مباشر إلى عواقب إنسانية كبيرة، من خلال تعميق وإطالة بُؤس السوريين العاديّين، وتمكين مستغلّي الحرب، وتدمير الطبقة الوسطى السورية التي تعدّ عاملاً مهماً للاستقرار والإصلاح الطويل الأمد، وفي المقابل من الصعب الافتراض أن من يقود سوريا اليوم يعاني بسبب هذه العقوبات».
لا يجب أن تتكوّن «أوهام كبيرة» حول نجاح خطة المفاوضات مع دمشق
خيارات أمام إدارة بايدن
انطلاقاً مما تقّدم، يطرح الكاتبان ما يريانه الخيار الأفضل أمام إدارة بايدن. وهو يتلخّص في «بدء عملية دبلوماسية جديدة تهدف إلى تقديم إطار عمل مفصّل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والقابلة للتحقّق، والتي في حال تنفيذها، ستقابلها مساعدة موجَّهة وإعادة نظر في العقوبات من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي». والهدف من هذا الإطار الجديد، بحسب الكاتبين، هو «وقف دوّامة الانحدار في سوريا، وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يُمكّن من إحراز تقدّم في مختلف القضايا، ومنح الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحاً للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية».
كذلك يجب على واشنطن، «النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة كوفيد – 19 في سوريا من العقوبات، كما يجب أن يحظى تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الريّ، بنفس القدر من الأهمية، وسيتبع ذلك تخفيف تدريجيّ وقابل للتغيير للعقوبات الأميركية والأوروبية». لكن «لن يتمّ منح هذه التسهيلات إلّا عندما تتحقّق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة تمّ التفاوض عليها مع الحكومة السورية».
في المقابل، يقرّ الكاتبان بأنه لا يجب أن تتكوّن لديهم «أوهام كبيرة»؛ لأن «حواجز النجاح في هذه المسألة كثيرة، إذ لم تُظهر القيادة السورية الاستعداد لتقديم تنازلات. وتحقيق تقدم في هذا النهج الجديد التدريجي يتطلّب استجابة سوريّة قابلة للقياس، فإذا اكتفى نظام الأسد بمجرّد التشدّق بالإصلاح، يجب أن يؤدي هذا إلى تعليق التسهيلات الأميركية والأوروبية، وقد يؤدّي إلى فرض عقوبات سريعة».
وربطاً بحديث فيلتمان وباليان، يبرز ما كتبه السفير الأميركي الأخير في العاصمة السورية دمشق حتى شباط/ فبراير 2012، روبرت فورد، في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، حيث اعتبر أن «إدارة بايدن بحاجة إلى التعاون مع تركيا وروسيا لحلّ مشاكل المنطقة ومكافحة تنظيم داعش»، مؤكّداً أن استراتيجية الرئيس السابق، دونالد ترامب، حيال سوريا، «باءت بالفشل». وأشار فورد إلى أن «واشنطن فشلت في دفع نظام الأسد إلى القبول بإصلاحات دستورية واسعة، ومنطقة حكم ذاتي للأكراد شمال شرق البلاد، رغم استخدام القوة العسكرية والضغوط المالية ضدّه». وأضاف: «تحت إشراف أميركي، تمّ تحويل المنطقة (شمال شرق سوريا) إلى شبه دولة بجيشها الخاص… لكنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها بلا الموارد الأميركية». ويعتقد فورد أن «مصالح الولايات المتحدة لا تقتضي ضمان إدارة مناطق شرق سوريا بيد الأكراد، بل احتواء التهديدات الإرهابية هناك». ورأى أن «تقبّل إدارة بايدن لمصالح تركيا وروسيا في سوريا سيسفر عن نتائج أكثر إيجابية». ودعا فورد الإدارة الأميركية الجديدة إلى «إيلاء مزيد من الثقة لروسيا وتركيا في مكافحة داعش، بدل مواصلة الاستراتيجية الحالية المتّبعة حيال سوريا».
ليست هديّة لدمشق
وانتهاءً بما كتبه فيلتمان وزميله باليان، فهما يعتبران اقتراحهما للسياسة الجديدة في سوريا «ليس هدية للحكومة السورية، المسؤولة عن القسم الأكبر من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية، بل مضمون هذا الاقتراح هو أن إدامة الوضع الراهن لن تؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011». ويعتقد الكاتبان أنه من خلال إعلان قائمة تفاوضية من الخطوات المتبادلة بين سوريا والولايات المتحدة، «سيكون بإمكان الولايات المتحدة وأوروبا ضمنياً ممارسة نوع مختلف من الضغط على سوريا لتحقيق الإصلاحات التي رفضت حتى الآن». كما يؤكدان أن «التغيير الحالي في الإدارة الأميركية يوفّر فرصة لدراسة هذا النهج الجديد واختباره».
(سيرياهوم نيوز-الاخبار اللبنانية)