معد عيسى
يبدو أن المواطن هو الوحيد المقتنع بالاستثمار في البلد دون حسابات الربح، فالفلاح مازال متمسكاً بأرضه يزرعها ويجتهد في مواجهة الطقس ونقص السماد والمبيدات والمحروقات، و كل شيء. المواطن العادي يُسَّخرُ كل ما يملك لتعليم أولاده.. وباتت أعباء الأهل كبيرة جداً في هذا المجال، فمن لديه طالب في الثالث الإعدادي أو الثانوي عليه أن يؤجل كل مشاريعه، وأن يحصل على كل أنواع القروض الشخصية لدفع مترتبات الدروس الخصوصية بعد أن تراجع التعليم في مدارسنا العامة بشكل غير مسبوق، فقد هاجرت الخبرات التعليمية من المدارس العامة إلى المدارس الخاصة، وأصبح عدد الإداريين والموجهين والمشرفين أكبر من عدد الكوادر التدريسية، كما أصبحت الإدارات الجديدة لهذه المدارس من الشهادات الأدنى والأعمار الأصغر، فيما المدرسون المربون مستبعدون.. تُمارس بحقهم تجارب الإدارات الجديدة. كل المؤشرات تشير إلى غياب أي قناعة للاستثمار بالعلم بدليل أن كل المتفوقين والمتميزين غادروا البلد لعدم وجود من يستقطبهم، ومن عاد من دراسته في الخارج فهو مهمَّشٌ مستبعدٌ في مكان لا علاقة له بما درس.. يفكر ويحضِّرُ للعودة من حيث أتى، ولم نر أي تبنٍ لأيٍّ من الإبداعات أو الابتكارات، وإنما نسمع بتكريم السوريين في الخارج. أزمة كورونا كشفت أهمية الاستثمار بالعلم والأبحاث، وما حققته الشركات الروسية من إنتاج اللقاحات في عام يفوق ما حققته من إنتاج وبيع الأسلحة بسنوات، وما تحصده المخابر و مراكز الابحاث والابتكارات من شركات التصنيع والمعامل والإنتاج يفوق ما تحصده الشركات نفسها من الإنتاج وتشغيل آلاف العمال. في عيد المعلم وصلنا إلى حالٍ من الفوضى أصبح فيه المُعلم مجبراً لتقبيل يد الطالب، والمدرِّس المعطاء عرضة لمزاج إدارات عمر أشخاصها أقل من عمر تجربته، و أصبحت المدارس كالشركات والمعامل والمؤسسات الخاسرة، مشرفوها وإداريوها أكثر من مدرسيها، تتراجع كل عامٍ دون أن تجد من ينقذها، بل على العكس أصبح هناك من يدفع بها إلى المزيد من التراجع ، ويدفع بطلابها وكوادرها إلى المدارس الخاصة التي أصبحت تجيد في الاستثمار المادي والمعنوي بعيدة عن الإشراف الصحيح وتطبيق المعايير الدقيقة، حتى بعيدة عن الانتماء لم يسمع أبناؤها بالنشيد الوطني ولا بتحية العلم.
(سيرياهوم نيوز-الثورة18-3-2022)