أ.د: حيان أحمد سلمان
أطلق البنك المركزي الروسي من سنوات مصطلح جديد في علم الاقتصاد وهو ( العملات السامة )!، وتوسع ويتوسع استخدام هذا المصطلح كثيرا بدءا من سنة/ 2023/ ، ويقصد بذلك [ العملات الغربية وخاصة الدولار لقهر الشعوب من عقوبات واستخدام المنظومة المالية سويفت SWIFT لتحقيق ذلك ]، وعمليا قام البنك المركزي الروسي بترسيخ الاعتماد على ( العملات الصديقة ) بدل السامة، وتعاطفت اغلب دول العالم مع النهج الروسي وخاصة بعد المشاكل الكبيرة التي تعانيها أمريكا ولا سيما أنها اكبر دولة مدينة في العالم ودينها الكلي يتجاوز ناتجها الإجمالي بأكثر من /125%/ !
وقد بدأت الصراعات بين الحزبين ( الديمقراطي والجمهوري ) لتحديد سقف الدين الأمريكي العام !، وهذا لا يساعدها لتستخدم عملتها في التسويات الدولية ، وعمليا انخفض حجم تداول الدولار ولأول مرة من سنوات مقابل الروبل في روسيا من بداية سنة /2023/ إلى أقل من /36%/ من قيمة التجارة الخارجية الروسية ،وترافق هذا مع دعوة روسيا للاعتماد على ( العملات الصديقة بدل السامة ) مثل [ اليوان الصيني والروبية الهندية والريال الإيراني والرايدالبرازيلي …الخ ] ، وتؤكد المعلومات على ان التعامل بالعملات السامة في روسيا تراجعت سنة /2022/ من /65%/ إلى /46%/ مقابل ارتفاع حصة العملة الصينية من /4%/ إلى /23%/ ، وسيزداد صراع العملات في السوق الروسية التي لها دورا عالميا كبيرا في ظل التحولات الدولية التي نشهدها وخاصة حاجة العالم للمنتجات الروسية من [ غاز ونفط وقمح و صويا وزيوت وأسلحة ) وغيرها ،وحتى شهر آذار بلغ حجم التعامل الروسي بالعملة الصينية بحدود /18%/ في هيكل الواردات و /27%/ في هيكل الصادرات أي تراجع حجم الاعتماد على العملات السامة وزيادة الاعتمادعلى العملات الصديقة ، وتخطط الآن روسيا لتسويق صادراتها وتعاملاتها اليومية وحركة بورصتها بالعملات الصديقة لأكثر من /50%/ خلال سنة /2023/ للوصول إلى ادنى حد ممكن في السنوات القادمة ، والسؤال الاقتصادي هل تستطيع روسياأن تؤمن احتياجاتها من الدول الصديقة وبعملاتها؟ ، وهل تضحي الصين بعلاقتها الاقتصادية مع أمريكا ليتحول اليوان الصيني إلى داعم حقيقي للروبل الروسي ؟
بيانات البنك المركزي الروسي تؤكد أن المصدرين الروس زادت صادراتهم باليوان من/0،5/ مليار إلى حدود /7/ مليار شهريا أي حوالي /14/ ضعفا ، كما زاد المستوردون الروس تعاملاتهم من /1،4/ مليار إلى حدود /8/ مليار يوان أي حوالي خمسة /5/ أضعاف ، أي أن تعامل الاقتصاد الروسي بالعملات السامة أصبح سالبا ، وهذا ليس لمصلحة الغرب وكأن العقوبات ارتدت على من فرضها ، وأن الاعتماد على اليوان الصيني يزداد من شهر لآخر في مختلف التسويات التجارية الروسية ، ويؤيد هذا التوجه أن أغلب دول العالم والتي يشكل اقتصادها أكثر من /65%/ من الاقتصاد العالمي تريد التخلص من سيطرة الدولار وخاصة (منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس ودول سيلاك في أمريكا اللاتينية وفي القارة الافريقية ودول مجلس التعاون الخليجي وايران ) وغيرها ، وقد أكدت وكالة ( بلومبيرغ ) الألمانية دقة هذه التوجهات و بأنه يوجد تحول هيكلي كبير في الاقتصاد الروسي الذي يعمق علاقاته أفقيا وعموديا مع الاقتصاديات الصديقة وعملاتها مثل ( الروبية الهندية والريال الإيراني والبرازيلي والراند في جنوب أفريقيا …الخ )
وإضافة إلى ماسبق قام البنك المركزي الروسي بتحويل أكثر نصف احتياطياته النقدية الدولية إلى ( الذهب واليوان ) كخطوة مباشرة بعد ان قامت الشركات الغربية بترك السوق الروسية وحلت محلها مباشرة تتعامل بالعملات الصديقة وخاصة مع الصين ، وتزداد مخاطر العملات السامة وبما يدعم الموقف الروسي أنها هي عملة الديون العالمية وخاصة ( الديون السامة ) وهي الديون المشكوك في تحصيلها لسبب من الأسباب ، فحسب صحيفة ( نيويورك تايمز) الامريكية بأن هذه الديون تجاوزت المتوقع واعطت مثالا عن ذلك أنها بلغت في الصين حوالي /5000/ مليار دولار ، وهذه سيترك أثارها السلبية على الاقتصاد العالمي ، لأنها جزء أساسي من ( الأصول المسمومة ) وهي الأصول المرهونة لمديونيات متعثرة يصعب سدادها وأكثرها في أمريكا ، وقيمتها في حال تحصيلها أقل بكثير من قيمتها الحقيقية ، ومن هنا شبهها البعض ( بالسمّ ) بالنسبة للإنسان والذي يؤدي الى الموت ، وهذه الأصول ستؤدي إلى ( موت ) الكثير من المنشآت والمؤسسات الاقتصادية بسبب أن التزاماتها أكبر من مطالبها وسيقلل من قدرة الجهاز المالي العالمي من ضخ الأموال إلى القطاعات الاقتصادية ، وستنتشر قريبا ظاهرة ( بيع الديون ) وتتحول الديون عندها كسلعة مغشوشة
وهنا أغتنم الفرصة ونحن على أبواب انعقاد القمة العربية في السعودية بتاريخ 19/5/2023 لأدعو المؤسسات النقدية والصناديق السيادية والمصارف المركزية ومنها سورية بأن تبتعد عن العملات والديون والأصول السامة ، وأن تحول احتياطاتها النقدية إلى عملات واستثمارات أمنة في المنطقة العربية كخطوة أولى لتحقيق التنمية العربية نتمنى ذلك .
(سيرياهوم نيوز ١-الكاتب)