آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » العملة الجديدة تتحول هاجسا للسوريين.. “المركزي” ينفي التأخير والنجاح يتطلب خطابا اقتصاديا متوازنا

العملة الجديدة تتحول هاجسا للسوريين.. “المركزي” ينفي التأخير والنجاح يتطلب خطابا اقتصاديا متوازنا

هبا أحمد:

 

يستمر الجدل حول إصدار العملة الجديدة، ويتواصل بين تجاذبات التوقيت، إذ لا تخبو الأحاديث المتداولة حولها حتى تعود لتظهر من جديد عبر نقاشات وتحليلات تجد لها مساحة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن الموضوع على المستوى الرسمي لا يتجاوز إطار النفي والقليل من المعلومات في إطارها العام، دون أي تفاصيل توازي ما يتداول، ودون تحديد لأي موعد من شأنه أن يضع حدا للشائعات أو ما يتداول.

 

الكثير من الموضوعات دخلت في سياق التجاذبات وفردت لها مساحات واسعة، إلا أن تداول موضوع توقيت إصدار العملة الجديدة كان لافتا، وصل لحد يمكن أن يدخل في سياق الشائعات، والذي بدوره يطرح الكثير من التساؤلات تستدعي التوقف عندها وتحليلها، وإذا ما كانت تصح تسميتها شائعات مع ما ينتج عنها من تبعات، أم إنها لا ترقى إلى هذا الحد بالشكل الدقيق لمصطلح الشائعة؟

 

بمعنى، يمكن الحديث باتجاهين متوازيين، ربما يصح أحدهما أكثر من الآخر. الأول: أن الموضوع لا يمكن أن يدخل في سياق الشائعة ولا يعدو أكثر من كونه رغبة مجتمعية بالمعرفة الدقيقة لكل المجريات القائمة حاليا والمرتبطة بطبيعة الحال بالتحول السياسي والاقتصادي الذي جرى ويجري في البلاد، ومن هنا فإن تداول الأحاديث يدخل في سياق تطوير معرفة الأفراد حول هذا الأمر أو ذاك وكيف ينعكس على تحسين معيشتهم، وهل لتغير العملة أثر مباشر على سلوكهم الاقتصادي، وهل يؤدي إلى موجة تضخمية جديدة أو ارتباك في الأسواق، وإذا كانت التأثيرات كبيرة، هل ستطال معيشتهم بصورة كلية أو جزئية؟

 

الاتجاه الثاني: أن الموضوع يدخل في سياق الشائعات، وإذا كان كذلك، فهو بلا شك يؤثر على المزاج العام ويزيد من حال الترقب، وأكثر منه المخاوف حول تداعيات التغيير وإصدار العملة الجديدة، ولا سيما أن العملة الحالية لم تسحب، والأمر يحتاج إلى جدول زمني، والكثيرون لديهم أموال في البنوك، بما يؤدي إلى التأثير على سلوك المواطنين والأسواق (مثل الاكتناز أو المضاربة).

 

كما إن من شأن الشائعة التأثير على المسار الاقتصادي لناحية تغيير العملة، وإن لم يكن عرقلته فهو بلا شك يؤجل أو يؤخر الموعد الفعلي لإصدار العملة وطرحها، وأيضا يؤثر على سعر الصرف وربما يتيح مجالا أكبر للسوق الموازية.

 

رد المصرف المركزي

في كل مرة يتم تداول موعد محدد لإصدار العملة الجديدة، يوضح حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية الأمر ببيان مقتضب دون تحديد الموعد، ومجددا قال حصرية إن ترتيبات تغيير العملة الوطنية تسير وفق الخطط الموضوعة وبالتعاون المباشر مع جميع الجهات المعنية، مشددا على عدم وجود أي تأخير في التنفيذ.

 

وأوضح حصرية، في منشور بصفحته الرسمية على منصة “فيسبوك”، أن موعد أي إجراء أو خطوة تتعلق بتغيير العملة سيعلن حصرا عبر مؤتمر صحفي رسمي، يتم خلاله وضع المواطنين والرأي العام أمام جميع التفاصيل بشفافية ووضوح، مضيفا: كل ما يتداول أو ينشر خارج هذا الإطار، أو ينسب إلى مصادر غير رسمية، غير دقيق ولا يعكس الواقع.

 

ودعا حاكم مصرف سوريا المركزي الجميع إلى الاعتماد فقط على البيانات الصادرة عن المصرف والقنوات الرسمية، مؤكدا أن العمل جار لضمان أن تكون عملية التبديل سلسة، بما يضيف نجاحا جديدا للاقتصاد الوطني، ويسهم في تيسير حياة المواطنين ويعزز ثقة المستثمرين والأعمال بالعملة السورية.

 

وكان حصرية قال في وقت سابق إن قرار تغيير العملة الوطنية وحذف صفرين منها تم حسمه بشكل نهائي، وأنه يشكل محطة مفصلية في تاريخ البلاد، لافتا إلى أن طباعة العملة تمر بمراحل متعددة ومعقدة تتطلب استعدادات فنية وإدارية عالية، موضحا أنه تم تشكيل لجنتين، استراتيجية وتشغيلية، لمتابعة مراحل طباعة العملة وضمان تنفيذها بسلاسة.

 

وأعلن حصرية عن طباعة عملة سورية جديدة من ست فئات ومرة قال أنها ثمان فئات، لتلبية احتياجات التداول اليومية بكفاءة أكبر، حيث ستتراوح هذه الفئات بين الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لضمان سهولة التعامل النقدي في الأسواق، لكن الجديد أنها ستكون خالية من الصور والرموز.

 

العوامل المؤثرة في تحديد التوقيت

يقول عضو جمعية المحللين الماليين في سوريا الدكتور فراس حداد إن عدم تحديد مصرف سوريا المركزي موعدا لإطلاق العملة المحلية الجديدة يشير إلى بعض الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار، ومنها الانتظار إلى ما بعد إلغاء قانون “قيصر” ورفع العقوبات عن سوريا، لأنه أحد الأسباب التي تعطي دفعة للاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة.

 

وأفاد في مقابلة مع “العربية Business” أن دخول الأموال الأجنبية إلى سوريا واستبدالها بالعملة المحلية ضروري أن يكون بالعملة الجديدة، ومن ثم كان التأجيل لما بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا أمرا أساسيا وضروريا، كما إن التوقيت حساس جدا، لأن تغيير العملة يجب أن ينسجم مع إصلاح اقتصادي، إذ إن التغيير يستهدف الاندماج الاقتصادي والمالي لسوريا مع العالم بالتزامن مع إصلاحات اقتصادية ومالية شاملة.

 

وأوضح الدكتور حداد أن أهم الاستعدادات المطلوبة لطرح العملة السورية تشمل إزالة العقوبات بما يتيح التعامل مع المصارف العالمية، كما توجد عوامل داخلية أخرى منها سد الفجوة التقنية بالمصارف، ما يستلزم إعادة تهيئتها لوجود عملات جديدة، بجانب حل مشكلة كتلة السيولة الموجودة في سوريا والموزعة بين المصارف وبين المتداولين في اقتصاد الظل.

 

كما أن البلد لا توجد به منظومة مدفوعات إلكترونية قوية حاليا، والاعتماد يكون على الأوراق النقدية، لأن تمويل عجز الموازنة كان يتم عبر إصدار أوراق نقدية خلال السنوات الست الماضية، ما أدى إلى وجود فائض سيولة كبير، خاصة في اقتصاد الظل.

 

وقال الدكتور حداد: نأمل أن يكون إصدار العملة الجديدة مربوطا بنظام مدفوعات إلكتروني قوي في سوريا، وأن يتم استبدال العملة ولو جزئيا عبر محافظ إلكترونية لتقوية التعامل عبر المدفوعات الإلكترونية.

 

وتابع عضو جمعية المحللين الماليين أن استبدال العملة واختيار الوقت المناسب له أمر مهم لتحديد كتلة السيولة الموجودة خارج القطاع المصرفي، وبالتالي الإفصاح عنها من قبل حامليها حتى لا تكون في المستقبل عامل مضاربة على الليرة السورية، ومن ثم كان تأجيل إطلاق العملة الجديدة إيجابيا لحين تنفيذ سلسلة من الإجراءات الاقتصادية الخاصة بهذا الموضوع، كما إن التوقيت يراعي أيضا احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية والذهب.

 

تشكيل المزاج العام

ترى دكتورة الاقتصاد المالي والنقدي مادلين حاج خليل، في تصريح لـ”الثورة السورية”، أن القضايا النقدية من أكثر الملفات الاقتصادية حساسية، لما لها من ارتباط وثيق ومباشر بسلوك الأفراد واستقرار الأسواق، ومستوى الثقة العامة بالاقتصاد.

 

ولدى تداول أي حديث يتعلق بالعملة الوطنية، تبرز أهمية التعاطي الاقتصادي الرصين مع الموضوع بعيدا عن الانفعالات أو القراءات غير العلمية، خاصة في البيئات الاقتصادية المعقدة والمنهكة من أعباء الحرب.

 

وتوضح حاج خليل أنه من المعروف اقتصاديا أن العملة ليست وسيلة للتبادل فقط، بل هي انعكاس للثقة بالاقتصاد وبالمؤسسات التي تديره، لذا فإن أي حديث واسع حول الشأن النقدي ينعكس بشكل مباشر على المزاج الشعبي العام وعلى سلوك الأفراد في الادخار والإنفاق وحتى في تعاملاتهم اليومية.

 

وأشارت دكتورة الاقتصاد المالي والنقدي إلى أن التوقعات تلعب دورا أساسيا في تشكيل السلوك الاقتصادي، فعندما تكون هذه التوقعات مبنية على فهم منطقي وواقعي تسود حالة من التوازن والاستقرار في الأسواق، أما انتشار الشائعات حول الأمور النقدية بشكل يعكس غياب المعرفة الاقتصادية الكافية فقد يقود إلى ردود فعل مبالغ فيها، وسلوكيات احترازية غير مدروسة كالاكتناز النقدي أو تحويل المدخرات إلى عملات أجنبية أو تسريع الاستهلاك أو تأجيله، أو المضاربة في الأسواق غير النظامية.

 

هذه السلوكيات التي لا تنبع من الوقائع بقدر ما تنبع من توقعات وشائعات ومعلومات غير دقيقة أو خاطئة قد تؤدي إلى تشوهات مؤقتة في الأسواق حتى مع غياب أي تغيير فعلي في السياسات النقدية.

 

من هنا تبرز أهمية الخطاب الاقتصادي المتوازن المسؤول في تعزيز الثقة وتبديد جميع المخاوف والهواجس، حسب حاج خليل، من خلال التواصل الاقتصادي الرشيد الذي يعد عنصرا أساسيا في إدارة الملفات النقدية، إذ يسهم الخطاب المؤسسي الشفاف والمتزن في نشر الوعي حول الملفات النقدية المطروحة وتعزيز الثقة العامة من خلال الشفافية المؤسسية، وضبط التوقعات وتقليل الفجوة بين التحليل العلمي والانطباعات وردود الفعل الشعبية. وتشير التجارب الدولية إلى أن وضوح الرؤية الاقتصادية يعد عاملا مهما وحاسما في دعم الاستقرار النقدي وضبط الأسواق.

 

تغيير العملة في الإطار النظري الاقتصادي

وحول حديث تغيير العملة بالعموم، بغض النظر عن كونه أمرا حقيقيا أم مجرد إشاعة، ترى الدكتورة مادلين أنه يمكن تصنيف هذا الإجراء الاستراتيجي من منظور اقتصادي بأنه أحد الإجراءات الفنية التنظيمية التي قد تلجأ إليها الدول بهدف تحسين كفاءة التداول النقدي وتعزيز الأمان النقدي وتحديث البنية النقدية بما يتلاءم مع المتغيرات الاقتصادية.

 

إلا أن النظر إلى هذا الإجراء لا يمكن أن يكون بمعزل عن السياق العام للسياسات الاقتصادية، إذ إن أثره الفعلي يعتمد على مدى انسجامه مع السياسات النقدية والمالية الأخرى.

 

ومما لا شك فيه أنه في الاقتصادات التي تواجه ضغوطا خارجية أو داخلية تبرز تحديات لوجستية وتقنية، ولا سيما في البيئات الاقتصادية المعقدة، وهذه التحديات تتضمن إدارة العمليات النقدية بسلاسة وضمان استمرارية النشاط الاقتصادي والحفاظ على كفاءة النظام المصرفي، وهذا حتما يتطلب تخطيطا مؤسسيا دقيقا وتنسيقا عالي المستوى بين الجهات المعنية وإدارة فعالة للموارد المتاحة، ولعل القدرة على مواجهة هذه التحديات يعكس قوة المؤسسات الاقتصادية ومرونتها وحسن إدارتها.

 

إن تغيير العملة الوطنية في دولة ما لا يكون هدفا بحد ذاته، إلا أنه وسيلة للوصول إلى مجموعة من الأهداف أبرزها تحسين إدارة السيولة ودعم الاستقرار النقدي وتعزيز كفاءة النظام المالي، وتسهيل التداولات اليومية.

 

ونوهت حاج خليل إلى أن تأثير تغيير العملة في اقتصاد ما على سعر الصرف والسوق الموازية، إذ يمكن القول إن سعر الصرف يتأثر بعوامل العرض والطلب والثقة والتوقعات، أما شكل العملة أو تغييرها فلا يؤثر بحد ذاته على قيمتها الحقيقية إلا إذا ترافق مع تغييرات في السياسة النقدية أو المالية.

 

اقتصاد الظل والكتلة النقدية خارج المصارف

مع الحديث عن تغيير العملة برز موضوع اقتصاد الظل والكتلة النقدية خارج المصارف، إذ يعد اقتصاد الظل من أبرز التحديات الهيكلية في الاقتصادات التي تمر بظروف معقدة، حيث تحفظ شريحة واسعة من السيولة النقدية خارج النظام المصرفي لأسباب تتعلق بالثقة أو المرونة أو طبيعة النشاط الاقتصادي غير المنظم.

 

وبناء عليه بينت حاج خليل أن تغيير العملة لا يمكن أن يكون حلا منفردا لهذه الظاهرة المعقدة، لكن يمكن أن يكون أداة تنظيمية مؤثرة تسهم، في حال إدارتها ضمن إطار متكامل، في إعادة رسم حركة السيولة داخل الاقتصاد، فالتعامل مع النقد سواء في التداول أو الادخار يرتبط بدرجة عالية من التوقعات والثقة، وهما عنصران أساسيان في قرار الأفراد بالاحتفاظ بأموالهم داخل أو خارج القطاع المصرفي.

 

وفي هذا السياق فإن النجاح في التأثير على اقتصاد الظل لا يتحقق بالإجراءات النقدية وحدها، بل من خلال حزمة شاملة من الإجراءات التي تشمل تعزيز الثقة بالمؤسسات المالية وتحسين الخدمات المصرفية وتبسيط الإجراءات المرتبطة بالتعامل مع المصارف.

 

بالمحصلة ترى دكتورة الاقتصاد المالي والنقدي أن تغيير العملة بحد ذاته لا يخلق تضخما، لكن سوء إدارة التوقعات قد يؤدي إلى ارتباك مؤقت في الأسواق، لذلك تشدد الأدبيات الاقتصادية على ضرورة تنسيق أي إجراء نقدي مع سياسات مالية وإعلامية متوازنة.

 

إضافة إلى ما سبق فإن نجاح أي إجراء نقدي في البيئات الاقتصادية المعقدة يتطلب مصداقية مؤسسية عالية وإدارة فعالة للتوقعات وتنسيقا بين السياسات النقدية والمالية، مقرونا بخطاب إعلامي مسؤول.

 

رأي آخر

وفي وقت سابق، قال كرم شعار الخبير الاقتصادي السوري والمستشار لدى الأمم المتحدة، في تصريح لـ”رويترز”، إن تغيير الأوراق النقدية التي تحمل صورة الأسد تحول سياسي ضروري، إلا أنه حذر من أن إعادة تقييم العملة قد يربك المستهلكين، وخاصة كبار السن، إلى جانب الافتقار إلى إطار تنظيمي واضح أو خطة للتطبيق الكامل على مستوى البلاد نظرا لتفاوت سيطرة الدولة على مناطق البلاد.

 

وقال شعار: بدلا من ذلك، يمكن لسوريا أن تصدر فئات أعلى من العملة نفسها، مثل أوراق نقدية من فئة 20 ألف ليرة أو 50 ألف ليرة، وهو ما من شأنه أن يحقق أهدافا مماثلة من حيث تسهيل التعامل مع النقد وتخزينه، مع تجنب التكلفة الكبيرة لإصلاح العملة بالكامل، والتي قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.

 

ويرى مصرفيون أن أحد العوامل وراء خطة إصلاح العملة هو القلق بشأن تداول ما يقدر بنحو 40 تريليون ليرة سوريا خارج النظام المالي الرسمي، ومن شأن إصدار أوراق نقدية جديدة تحسين رقابة الحكومة على النقد المتداول.

 

كما يرى خبراء اقتصاديون أن تبديل العملة في سوريا يجب أن يكون إجراء اقتصاديا يهدف إلى استعادة الثقة بالليرة السورية بعد أعوام من الانهيار الحاد في قيمتها، وحالات التضخم المرتفع، ويدور الحديث حول أن الهدف من هذه الخطوة ليس زيادة الكتلة النقدية، وإنما إعادة تنظيم النظام النقدي وتحسين وضوح التعاملات المالية، مع إصدار ست فئات نقدية جديدة خالية من الصور والرموز.

 

وانهارت الليرة السورية منذ 2011، حيث وصل سعر الصرف الآن إلى حوالي 11.5 ألف ليرة مقابل الدولار، مقارنة بـ50 ليرة قبل الحرب، وأدى الانخفاض الحاد في قيمة العملة إلى جعل المعاملات اليومية والتحويلات المالية أكثر صعوبة على نحو متزايد.

 

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ارتفاع أسعار الذهب 25 ألف ليرة سورية محلياً

    ارتفع سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطاً في السوق المحلية 25 ألف ليرة سورية عن السعر الذي سجله أمس، وهو مليون و375 ألف ...