علي عبود
لو قرأنا تاريخ أمريكا لاكتشفنا بسهولة أسباب لجوء إداراتها وحكوماتها العميقة إلى الحروب المدمرة التي تعتبرها الحل السريع لحل نزاعاتها مع الدول التي تخالف سياساتها، ولو أدى ذلك إلى استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية والشديدة التدمير، وصولا إلى القنابل النووية!
كان لافتا مثلا إن الصواريخ والقنابل التي استخدمها الأمريكان في لبنان عام 2024 تسببت بهزات أرضية قوية، بل إن علماء الجيولوجيا حذروا بان الأسلحة الأمريكية الشديدة التدمير ستتسبب على المدى الطويل باختلالات خطيرة في الفوالق الزلزلاية وتسريع تحركاتها ماقد يتسسب باندلاع سلسلة متتالية من الزلازل في المنطقة!
نعم، التاريخ يؤكد أن العنف اللامحدود متجذر في المجتمع الأمريكي ماقبل قيام الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن أمريكا نفسها تأسست على أنقاض إبادتها للسكان الأصليين، وبالتالي فإن ماشهدته، وما تشهده الكثير من الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة ليس جديدا ولا حالة استثنائية ولا عابرة، بل يأتي في سياق تاريخ أمريكي متجذر عنوانه العريض: العنف الوحشي!
وقد تكون حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى، ورفضه لنتائج انتخابات الرئاسة في عام 2020 سرّعت في أحداث العنف، وكانت ذروتها باقتجام أنصاره المتعصبين للكونغرس الأمريكي، وما تلاها من أحداث عنفية دامية في عدة ولايات أمريكية، إلى حد قول بعض المحللين السياسيين بأن “ترامب أسس فعلا لحرب أهلية ثانية”، وكلنا يتذكر إعلان ترامب المثير للجدل والرعب معا قبل عام: “اما أن أكون رئيس أمريكا أو الحرب الأهلية”!
وإذا كان انتشار العنف في أمريكا خلال الأعوام القليلة الماضية دفع بعض المسؤولين الأمريكيين وفي مقدمتهم الرئيس السابق جوبايدن إلى رفع شعار “ لامكان للعنف في بلادنا”، فإن غالبية الأمريكيين من سياسيين ومحللين وأكاديميين ومراكز بحوث، وحتى عامة الشعب سخروا من هذا الشعار ، فهم الأدرى بأن العنف الذي يزداد حدة ويؤدي إلى قتل الأبرياء بخلفية عنصرية وعرقية ليس مستجدا ولا عابرا أوطارئا، بل هو متجذر في المجتمع الأمريكي، إن لم يكن من جينات العرق الأبيض الإنكلو سكسوني الذي يتلذذ باضطهاد وقتل الأعراق الأخرى غير “النقية”!
نعم، العنف بمعناه الواسع وليس السياسي الذي يستهدف الشعوب الأخرى فقط هو سلوك أصيل في السيكولوجيا الأمريكية بدأ مع المجرمين المستعمرين الأوائل الذين شنوا حرب إبادة طويلة لتطهير الأرض التي احتلوها من سكانها الأصليين، لذا رأينا الإدارات الأمريكية المتعاقبة تدعم “إسرائيل” بحروب الإبادة المستمرة لتطهير فلسطين من سكانها وآخرها حرب الإبادة ضد سكان غزة.
وعندما لم يجد الأمريكيون بعد إبادة السكان الأصليين “الهنود الحمر”، انخرطوا في حرب أهلية طويلة بين الولايات الشمالية والجنوبية بذريعة “تحرير العبيد” تارة، وتوحيد أمريكا تارة أخرى، ولم تتوقف أحداث العنف حتى بعد إعلان قيام “الولايات المتحدة الأمريكية” إلا في فترات قصيرة، ولعل الأفلام السينمائية التي تنتجها هوليوود منذ إربعينات القرن الماضي أفضل مؤشر على سيكولوجية العنف المتجذّر في المجتمع الأمريكي!
وإذا كان العنف في الداخل الأمريكي يقتصر “حتى الآن” على الأسلحة الخفيفة “باستثناء الحرب الأهلية الأولى” فإن الإدارات الأمريكية والحكومات العميقة لم تتردد بترجمة سيكولوجية العنف المتأصلة في جيناتها على الشعوب الأخرى أيّ على من تصفهم بأنهم “أعداء أمريكا” وكانت البداية باستخدام القنابل الذرية في هيروشيما وناكازاكي، وبعدها باستخدام آخر ماا بتكرته مصانع أسلحتها من أدوات تدمير “كيميائي وجرثومي وعنقودي وانشطاري وفوسفوري..الخ” في مختلف دول العالم “فييتنام، أفغانستان العراق، فلسطين، لبنان، أوروبا الشرقية، أوكرانيا..الخ”.
كلا، “العنف السياسي” لم يزدهر في ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، فواقعة اقتحام “الكابيتول” في 6/1/2021 وما تلاها لم تكن سوى ترجمة للجمر المتأجج في فريق من الأمريكيين العنصريين ضد الآخرين، بدليل إن هناك ولايات أمريكية تطالب بالإنفصال عن طريق العنف عن الولايات المتحدة منذ ستينات القرن الماضي، وعادت هذه المطالبات مجددا في الأعوام الماضية، وترامب كان الشرارة التي سرّعت بأحداث العنف، بدليل أن الكثير من المؤرخين الأمريكيين واستنادا إلى تواريخ عالمية مشابهة يؤكدون منذ عقد من الزمن بأن حربا أهلية ثانية وشيكة ستندلع في أمريكا في الأمد القريب وليس البعيد جدا .
وكان لافتا ماكتبه روبرت بيب، عالم السياسة في جامعة شيكاغو، بأن محاولة اغتيال ترامب في 13 تموز 2024 ليست سوى “نتيجة للدعم الكبير للعنف السياسي في بلدنا”، واللافت أكثر دراسات أخرى وجدت أيضا أن أعداداً ليست قليلة، من الأميركيين يؤيدون اللجوء إلى العنف لمآرب سياسية. وفي تشرين الأول الماضي، خلص برنامج أبحاث “منع العنف” في جامعة كاليفورنيا، إلى أن نحو 14% من المشاركين يعتقدون أن حرباً أهلية ستندلع في الولايات المتحدة في السنوات القليلة المقبلة.
كما كشفت دراسة نشرتها وكالة “رويترز”، في آب 2023، أن “الولايات المتحدة في خضمّ أكبر زيادة في معدّل جرائم العنف السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي”.
الخلاصة: العنف مُتجذر في تاريخ الولايات المتحدة، فهي تأسّست على العنف الدموي والشامل ضد السكّان الأصليّين، ويمكن الإستنتاج بأنها لكي تمنع نشوب حروب داخلية واهلية بين سكان ولاياتها، فإنها تشن الحروب الخارجية ضد شعوب العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فلا يوجد حرب أو اضطرابات أو قلاقل أمنية في أيّ بلد في العالم إلا بتدخل أمريكي مباشر أو عبر أدواتها العميلة، ومن أبرز هذه الأدوات “إسرائيل” فهي القاعدة الأمريكية الأكبر في العالم لنشر الحروب والإضطرابات والنزاعات في الشرق الأوسط.
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)