| ناصر قنديل
– مع زيارة وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد إلى جدّة تلبية لدعوة رسمية على طريق استعادة العلاقات الطبيعية بين سورية والسعودية، وصولاً الى لقاء قمة، يكون قوس العلاقات الثنائية مع سورية يمتدّ ليشمل من الدول الكبرى إقليمياً التي تموضعت على ضفاف تتدرّج خلال عقد مضى، من الحرب كحال تركيا الى القطيعة كحال السعودية إلى ضفاف الجفاف السياسي كحال مصر، ويتزامن ذلك مع حراك أوروبي معلن نحو الصين طلباً لتفعيل المساعي الدبلوماسية لحل سلمي ينهي حرب أوكرانيا، على قاعدة التسليم بالفشل في تطويع روسيا وإخضاعها، فكيف بالحديث عن هزيمتها الاستراتيجية التي تورط الأميركيون بالحديث عنها هدفاً، وتورّط معهم الأوروبيون في جعلها شرطاً لوقف الحرب. وفيما يجري ذلك كله تحت عنوان جديد يدخل عالم السياسة الدولية والإقليمية أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ، هو الاستقلال الاستراتيجي، فيما تسلك مساعي وقف الحرب في اليمن طريقاً سريعاً يترجم مفهوم الاستقلال الاستراتيجي الصيني الذي تسلكه السعودية بعيداً عن مظلة واشنطن، فتظهر سريعاً الدول الثلاث التي اشتعلت فيها الوجبة الثانية من حروب القرن الحادي والعشرين، التي غطت العقد الثاني، وهي سورية واليمن وأوكرانيا، بعد فشل الوجبة الأولى التي استهلكت العقد الأول من أفغانستان الى العراق وصولاً الى لبنان وغزة.
– الفشل الأميركي في الوجبة الأولى من حروب القرن، التي استهلكت عقده الأول، لم يتغير في الوجبة الثانية التي استهلكت العقد الثاني، رغم تغير شكل الحروب، وانتقال الأميركي من القتال بجيوشه وجيش كيان الاحتلال، الى اعتماد بدائل محلية وإقليمية وتشكيلات إرهابية عالمية عابرة للدول، والمشترك بين الدول الثلاث في حروب العقد الثاني، سورية واليمن وأوكرانيا، لكونها مفاتيح ثلاثة بحار من البحار الخمسة التي سبق للرئيس السوري بشار الأسد إن دعا إلى التشبيك الأمني والاقتصادي بين دولها لبناء نظام مصالح مشتركة بينها يملأ الفراغ الاستراتيجي الذي يبدو واضحاً كثمرة للفشل الأكيد للحروب الأميركية، ونظرية البحار الخمسة التي أطلقها الأسد عام 2004 وأعاد شرحها مراراً وحوّلها الى مبادرة نظم زيارات دولية وإقليمية وأقام علاقات وصداقات بخلفية السعي لتحقيقها وإقناع القادة المعنيين في الدول الفاعلة في منطقة البحار الخمسة باعتبارها بديلاً أقل كلفة من الفوضى والإرهاب، كثمرة طبيعية للفراغ الاستراتيجي رغم محاولة إنكار وقوعه. والبحار الخمسة هي قزوين والخليج إضافة لكل من البحر الأسود والأحمر والمتوسط، والدول الفاعلة هي روسيا وإيران وتركيا والسعودية ومصر.
– تركيا ومصر والسعودية هي الدول التي تشكل عناوين التموضع الجديد نحو سورية اليوم، واليمن وأوكرانيا هما الحربان اللتان تتبلور صورة مشهد نهايتها اليوم، وبين السعودية وإيران وروسيا ومصر وتركيا، ما كان ينشده الرئيس الأسد قبل ثماني عشرة سنة، والتثبت من حقيقة الفراغ الاستراتيجي الناجم عن الفشل الأميركي هو الذي دفع تركيا الى سياق استانة مع روسيا وإيران، ويدفعها اليوم نحو رباعية تضم سورية وصولاً للسعي لقمة سورية تركية بعد حرب قرّرتها واشنطن وكانت تركيا قاعدتها لمعاقبة سورية وإخضاعها. وهذا الفشل الأميركي دفع السعودية نحو التفاهم مع إيران برعاية الصين ويدفعها لوضع إطار لإنهاء حرب اليمن، ومثلما يشكل التفاهم الايراني السعودي إطاراً لتفاهم البحر الرابع الذي يمثله الخليج، يشكل التفاهم التركي الروسي الإيراني مدخلاً لترتيب وضع أذربيجان على بحر قزوين وضمان أمنه الاستراتيجي، لتتشكل صورة جديدة لغرب آسيا ووسطها، تلاقي الصين التي تمثل مع الهند قوة شرق آسيا الصاعدة.
– عوقب الرئيس بشار الأسد على أطروحة البحار الخمسة، وها هي سورية اليوم تقطف ثمارها، ولو لم يعترف المعنيون أن ما يفعلونه هو ترجمة حرفية لنظرية البحار الخمسة، فهم يعرفون أنها كذلك؟!
(سيرياهوم نيوز3-البناء)