| عبد المنعم علي عيسى
لا يختلف الأميركيون بجمهورييهم وديمقراطييهم، في نظرتهم لإيران وضرورة كبح جماحها الذي لا يخفي عزمها على تقليص الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة على امتداد المنطقة، لكنهم يختلفون على الطريقة الكفيلة بتحقيق مراميهم التي تتراوح طوراً بين «تغيير سلوك النظام» وبين الذهاب إلى إسقاط هذا الأخير طوراً آخر، فسياسات الجمهوريين، التي جاءت صارخة زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، ترى أن الطريق الأنسب لتحقيق تلك المرامي هو ممارسة أقصى الضغوط السياسية والاقتصادية بانتظار أن تفضي تلك الضغوط إلى أحد مسارين، الأول هو إمكان سقوط النظام القائم على وقعها، والثاني هو إمكان أن تلين عريكة هذا النظام فيندفع باتجاه مسايرة المصالح الأميركية بما يضمن قولبة هذا الأخير في مسارات تصبح عصية على الانكسار أو التغيير، وإلا فإن خيار الذهاب إلى الحرب يجب أن يظل قائماً على الرغم من المحاذير الكبرى لخيار كهذا والذي سبق لمراكز أبحاث ودراسات غربية وإسرائيلية وازنة أن أشارت إليها، أما الديمقراطيون فهم يرون أن إنضاج اتفاق مع طهران على شاكلة اتفاق فيينا 2015، أو آخر معدل عنه، هو الطريق الأنجع لتحقيق أحد المرميين السابقين، بحيث يصبح تحقيق أحدهما ملغياً للآخر بالضرورة، إذ تقوم رؤية «الديمقراطيين» على أن إنضاج مثل اتفاق كهذا أمر من شأنه أن يخلق ديناميكيات داخلية تستطيع شرائح وازنة من خلالها التحرر من قيود تفرضها الحالة الراهنة، وهذا سيؤدي بالضرورة، وفق رؤية هؤلاء، إلى بلورة «بروستوريكا» إيرانية لن تلبث أن تفعل فعلها بحدوث انقسامات داخل أركان النظام حتى إذا وصلت إلى صفوفه الأولى ستصبح عندها القيادة الإيرانية في وضعية نظيرتها السوفيتية عامي 1990 – 1991.
أحيا الرئيس الأميركي جو بايدن منذ وصوله إلى السلطة شهر كانون الثاني 2021 سياسة سلفه باراك أوباما التي قادته إلى توقيع اتفاق فيينا 2015 مع إيران، والذي أصيب بنكسة زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، الأمر الذي يندرج في سياق تباين الرؤى السابق الذكر بين الطرفين، لكن فعل «الإحياء» الذي انطلق بعد نحو شهر من رئاسة بايدن كانت قد اعترضته عقابيل شتى تمثلت في البدايات بمطالبة إيران الحصول على ضمانات بعدم تكرار «سيناريو ترامب» أيار 2018، ثم أن تقتصر «النسخة المعدلة» المراد الوصول إليها على الملف النووي، بمعنى ألا تطول أياً من ملفي الصواريخ البالستية الإيرانية والدور الإقليمي الإيراني، وعلى الرغم من أن ما سبق كان من الممكن الوصول إلى حلول نصفية فيه تبعا لتوجهات كانت تبديها واشنطن وهي تسعى من خلالها إلى طي الملف الإيراني في محاولة للتفرغ لملفات أكبر وأهم من نوع مواجهة الصين، إلا أن اندلاع النار الأوكرانية شهر شباط 2022 كان قد فرض معطيات من النوع التي يستحيل تجاهلها، ولا كان بمقدور طهران تحييدها عن حساباتها التي راحت ترى أن ما مضى لم يعد يستقيم مع ما يجري، باختصار باتت موازين القوى التي أفرزتها النار الأوكرانية تسمح، وفق الرؤية الإيرانية، بالوصول إلى مكاسب أفضل الأمر الذي يفسر تعثر المفاوضات، ويفسر أيضاً سعي الغرب الراهن إلى توسعة المواجهة مع إيران على كل نقاط التماس في العراق وسورية ولبنان وصولاً إلى الجبهة الداخلية الإيرانية التي بدا أن الغرب متورط بشكل مباشر فيها.
يسعى الغرب اليوم في معرض محاولاته لتخفيض سقف الطموحات الإيرانية إلى تأجيج الداخل الإيراني في حملة مسعورة يشارك فيها الإعلام والساسة الذين باتوا يطلقون تصريحات أقل ما يقال فيها أنها تمثل تدخلاً مباشراً في الشأن الداخلي الإيراني، من دون نسيان الدور الخفي الذي تمارسه أجهزة الاستخبارات الغربية الذي تبينت ملامحه من خلال الظلال التي ترتسم جلية في دعم المجموعات الانفصالية الكردية التي تدار من الشمال العراقي والتي بات من المؤكد ضلوعها بالأحداث الإيرانية المندلعة قبيل نحو ثلاثة أشهر.
يمثل التصدي الإيراني للمجموعات الكردية الثلاث «الحزب الديمقراطي الكردستاني» وحركة «كوملة» وحزب «بيجاك» المشاركة في الأحداث التي تستمد دعمها وتوجيهها، من قيادات «جبال قنديل» وصولاً إلى التلويح بإمكان القيام بعملية عسكرية برية تهدف إلى قطع صلة الوصل ما بين هذه الأخيرة وبين المجموعات الثلاث التي باتت تمثل رأس حربة في المشروع الذي يرسمه الغرب لإيران، سعياً إيرانياً لكسر «الذراع» الأميركية التي ما انفكت تسعى نحو التمدد وصولاً إلى لي الذراع الإيرانية كوسيلة لا بديل منها للوصول إلى اتفاق «فيينا» جديد يكون قريباً من التصورات الغربية.
وسط قرار الغرب بتوسعة الجبهات مع إيران، الذي لا تزال سقوفه تقف عند محاولة الشد بطهران لتخفيض مطالبها وكذا قولبة دورها الإقليمي، تبرز محاولات إسرائيل الرامية لإخراج الغرب عن تلك السقوف، وفي ذاك يبرز الدور الذي يلعبه العديد من الدوائر الإسرائيلية الفاعلة في أميركا، لنجد إحداها «معهد الدراسات الاقتصادية» الذي يمثل أهم الأذرع الإسرائيلية المتمددة في هذي الأخيرة يقول إن «الرهان على تغيير سلوك الجمهورية الإسلامية في إيران هو رهان عقيم، والمطلوب هو تهيئة الظروف المناسبة لتغيير نظامها واقتلاعه من جذوره»، والراجح هو أن هذه النغمة سوف تزداد فاعليتها بعيد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب في أعقاب انتخابات الكونغرس الأخيرة، وهي ستجد فرصة أكبر إذا ما وصل هؤلاء، أي الجمهوريون، إلى سدة السلطة في البيت الأبيض شهر كانون الثاني 2025.
مد الجسور مع روسيا المتصادمة مع الغرب راهناً قد يكون مفيداً، لكن لا بديل لطهران من التوافق مع الغرب ولربما كانت اللحظة الراهنة هي الأنسب لإنضاج التوافقات بعكس ما يوحي به العديد من المؤشرات، فالمشادة الغربية الروسية في أوكرانيا تكاد تقترب نتائجها بالظهور حتى وإن طال أمد الحرب ما دامت المعادلات الأهم هي التي ترتسم خارج الميدان، حينها ستكون طهران بوضعية من أضاع الفرصة للحصول على مكاسب أكبر.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن