يوسف فارس
غزة | يضخّ الإعلام العبري بشكل متواصل المئات من «الأخبار» المتناقضة حول فرص التوصل إلى اتفاق تهدئة وشيك، فيرتفع مستوى التفاؤل، ثم يهوي مجدداً، فيما وصل الشارع الغزّي الذي أنهكه الحصار والمجاعة، إلى حالة غريبة من التعاطي مع كل ما ينشره ذلك الإعلام. وحينما أوردت وكالة «رويترز» خبراً أفاد بانهيار مفاوضات وقف إطلاق النار في القاهرة، ظهر أمس، كان الحاج أبو أدهم يحمل كومة من الحطب على ظهره، ويقفل عائداً من رحلته اليومية الشاقة. يقول لـ«الأخبار»: «إحنا صرنا نتوقع الأسوأ، إلى أن نُفاجأ بأن شيئاً جيداً قد حدث. المتوقع أن لا يتم التوصل إلى اتفاق (..) شعور الفرح، بينما أنت تنتظر الخيبة، أخفّ وطأة من شعور الخيبة وأنت تنتظر الفرح».في شمال غزة، الذي يزداد الواقع فيه قسوة يوماً بعد آخر، يتمسّك أكثر من التقتهم «الأخبار» بفكرة أن استمرار الحرب أفضل من توقفها واستئنافها مجدداً. ولعلّ إحدى أكثر الثوابت التي تتقاطع عليها مواقف الأهالي مع المقاومة الفلسطينية، هي رفض التنازل، تحت أي ظرف من الظروف، أمام تعنّت إسرائيل التي تطالب بأن لا ينص الاتفاق على السماح لسكان شمال غزة الذين نزحوا عن منازلهم، بالعودة إليها من دون قيد أو شرط. ويقول محمود عبد العزيز: «فلتنفجر المفاوضات، وتستمر الحرب. عودة أهلنا النازحين في جنوب القطاع أمر لا تنازل عنه. المخطط الإسرائيلي هو الدفع بالناس إلى الهجرة إلى سيناء أو الخارج، طوعاً أو كرهاً، والتمسّك بإفشال مخطّطٍ سيوصلنا إلى نكبة جديدة، هو انتصار لا تنازل عن تحقيقه». ويتابع الشاب الذي كان يعمل محاضراً جامعياً في حديثه إلى «الأخبار»: «لو سألت كل الناس، الجائعين، المحاصرين، المرضى، عن رأيهم، سيؤكدون أن استمرار الحرب إلى ما لا نهاية أخف وطأة من الاستمرار في تقطيع أوصال القطاع بالدبابات، وفرض شروط وقيود على عودة أهالي الشمال إلى ديارهم».
أول من أمس، اشتعل الشارع الغزّي على وقع نشر الإعلام العبري أخباراً عن وجود تفاهمات على عودة سكان شمال القطاع تدريجياً، بواقع 500 عائلة يومياً. وتقول الحاجة اعتدال عبد القادر، التي نزح ثلاثة من أبنائها وبناتها مع عائلاتهم إلى مدينة رفح في بداية العدوان: «الجوع صعب. والقصف اللي زاد هاليومين صعب أكثر. لكن القبول بأيّ صفقة من دون عودة أولادنا وبناتنا من دون قيد أو شرط، أصعب من أي شيء آخر. خلّيهم يحاربوا ليوم القيامة، ولا يتنازلوا عن أيٍّ من شروطهم».
وفي السياق نفسه، يرى المحلل السياسي، إسماعيل محمد، أن دولة الاحتلال أعادت التفاف الناس خلف المقاومة، حينما قرّرت المساس بأهمّ دعائم المجتمع، وهي وحدة العائلات. ويقول لـ«الأخبار»: «فقد الناس كل شيء يمكن أن يُبكى عليه. واليوم يعيشون على أمل أن يساهم وقف إطلاق النار في جمع شملهم. لم تستطع إسرائيل تأليب الناس على الوفد المفاوض، لأن الفصائل لا تتمسّك بمواقعها في السلطة أو تنافح عن دور لها في اقتسام كعكة المساعدات أو إعادة الإعمار، إنما تفاوض دفاعاً عن مصلحة الناس، وعن عائلاتهم، وعن اللقمة التي تواصل إسرائيل حرمانهم منها».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية