* د.نواف إبراهيم
تقريبا منذ بداية العمليات القتالية للجيش السوري ضد مقاتلي التنظيمات الإرهابية الممولة من الخارج، تقدم روسيا المساعدة والدعم لبلدنا في مواجهة هذه المجموعات.
منذ العهد السوفييتي أنشئت على أراضي الجمهورية العربية السورية، قاعدة بحرية لدولتنا “الشقيقة”في ميناء طرطوس. وفي وقت لاحق، أثناء العدوان الأجنبي على الشعب السوري، أنشأت روسيا قاعدة “حميميم” الجوية في محافظة اللاذقية. كما أن العسكريين الروس يسيطرون على أجزاء في مناطق الحسكة والرقة ومنبج وتل رفعت وعين العرب.
كما أنه بالتوازي مع وحدات القوات المسلحة للاتحاد الروسي، هناك أيضا مقاتلون من شركة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة يقاتلون الإرهابيين ويكافحوهم على أراضي بلدنا. وكان هؤلاء المقاتلين حتى الآن يقاتلون كمتطوعين ولم يخضعوا لقيادة الجيش الروسي في سوريا، لكن تغير وضعهم في الوقت الحالي إذ أنه تم اتخاذ قرار رسمي في موسكو بإستبدال “االفاغنريين” بأفراد عسكريين نظاميين في الجيش الروسي يخدمون بموجب عقد.و في نهاية شهر تشرين أول،/أكتوبر، بدأت هذه العملية بشكل فعلي، وأكملت وزارة الدفاع الروسية نشر مفارزها الأمامية في منطقة تدمر وحمص، والتي ستحل محل “فاغنر”. المقاتلون المرتزقة السابقون يقومون بنشاط بتوقيع عقود جديدة مع قيادة هذه الوحدات العسكرية الروسية النظامية نظرًا لأن الشروط المقدمة حالياً من وزارة الدفاع الروسية لمقاتلي الشركات العسكرية الخاصة أفضل بكثير من تلك التي قدمها بريغوجين سابقًا.
بعد فشل محاولة تمرد “فاغنر” في روسيا نفسها، دعت موسكو هذه الشركة العسكرية الخاصة إلى حل نفسها، كما وتم منح الراغبين من مقاتليها الحق في إبرام عقد مع وزارة الدفاع في الاتحاد الروسي، وبالتالي يصبحون جنودًا في القوات المسلحة النظامية الروسية ، وهذا العرض قبل به جزء من منتسبي “فاغنر”، وهذا أيضا ينطبق على الفاغنريين الذين يقاتلون في سورية. وحين تقول التقارير الرسمية إن عملية استبدال المقاتلين من شركة عسكرية خاصة بعسكريين محترفين قد بدأت بالفعل، فهذا يعني أن المقاتلين الذين كانوا تابعين سابقًا للراحل يفغيني بريجوزين ينضمون رسميًا إلى صفوف القوات المسلحة الروسية المتمركزة في بلادنا.
في ظل الظروف الحالية،من الصعب أن يتم نقل قوات إضافية من روسيا إلى سورية، كون الدولة الروسية الصديقة هي نفسها في هذه الأيام تقوم بعمليات عسكرية على حدودها ضد القوات الأوكرانية المدعومة مالياً وماديا. ومن هنا فإننا نرى أن قبول مقاتلين سابقين في شركة “فاغنر” العسكرية الخاصة في صفوف الجيش الروسي يشكل الخطوة الأفضل والأمثل للحفاظ على الوحدات العسكرية الروسية في الجمهورية العربية السورية
لقد كان البعض من دول الغرب ، وفي تركيا ،والكيان الصهيوني”إسرائيل ” وبعض دول المنطقة العربية غير الصديقة لنا يأملون في أن تبدأ موسكو، من خلال مشاركتها في الأعمال العسكرية، في تقليص وجودها العسكري في سورية. لكن بالنتيجة الذي ظهر أنه كان هناك خطأ في التقدير بشكل واضح، الآن سيرتدي المرؤوسون السابقون ليفغيني بريغوجين رئيس شركة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة شارات القوات المسلحة الروسية.
وهنا أيضا يوجد جانب سياسي، فروسيا بهذا القرار أظهرت للعالم أجمع أنها لا تنوي التخلي عن مواقعها في الشرق الأوسط، بل على العكس من ذلك، هذا القرار يوضح أنه سيتوسع على حساب الأعضاء السابقين في شركة عسكرية خاصة، والذين سيُطلب منهم الآن اتباع القواعد العسكرية ومراعاة الانضباط والإلتزام بالنظام العسكري الذي تم إدخاله في الجيش.يعني أن تمثل دولة عظمى وبيدك السلاح في منطقتنا على المستوى الرسمي، وليس على المستوى الخاص.
خلال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحالي، ظهرت في وسائل الاعلام تقارير تتحدث عن قصف من سورية على الكيان الصهيوني”إسرائيل”وبطبيعة الحال، يقف الشعب السوري مسانداً متضامناً مع أشقائه الفلسطينيين في نضالهم الطويل من أجل الاستقلال. ولكن من الواضح أن هذا النوع من “المساعدة” يأتي على حساب سوريا نفسها وقيادة دولة فلسطين من خلال الإعتداءات الإسرائيلية الدورية.
من الواضح أن هناك من يريد توريط بلادنا في حرب فلسطينية إسرائيلية أخرى. هناك ما يكفي من الجماعات الإرهابية داخل سوريا القادرة على هذا النوع من الاستفزاز. إنهم يدعون إسرائيل إلى الانتقام من أجل خلق المزيد من القلاقل والارتباك في الصراع الدائر على الساحة الداخلية السورية ، والذي تعدى الإقليم وتحول منذ فترة طويلة إلى صراع دولي. في بلادنا، تتعارض مصالح اللاعبين الدوليين كما هو الحال على المستوى الإقليمي بالنسبة للدول التي تتصارع على الزعامة والسيادة الإقليمية في المنطقة.
الصورة الحالية تظهر أنه لا يوجد خط واضح لتظهير الحدود بين القوى المتصارعة في سورية، وكذلك القوات الأجنبية. ومن الممكن أن تؤثر الغارات الجوية والهجمات الصاروخية الإسرائيلية على مواقع أي من الأطراف، بما فيها بنفس الوقت “النيران الصديقة” ممكنة أيضًا. ولكن إذا كان مقاتلي “فاغنر” عانوا من هذه الأمور في وقت سابق في ظل مثل هذه الحالات والتطور للأحداث، فلم يكن لدى موسكو أي سبب للمذكرات الدبلوماسية. لكن الأمر سيكون مختلفاً تمامًا إذا ما تعرضت وحدات من القوات المسلحة الروسية للقصف، والأمر نفسه ينطبق على العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات التركية والغربية في على الأراضي السورية، مايعني أن وضع المتدخلين سيكون أكثر تقييدا من الناحيتين التكتيكية والعملياتية.
* د.نواف:كاتب سياسي، إعلامي مختص بالشؤون الدولية
(خاص لموقع سيرياهوم نيوز)