يليق الفرح كثيراً وبامتياز من أجل سفينة ( فرح ستار ) السورية الصنع التي جرى يوم أمس تعويمها بنجاحٍ كبير في مرفأ مدينة بانياس بعد أن تمت صناعتها بأيادٍ وخبراتٍ وطنية لتعيد المجد لتاريخنا العريق بصناعة السفن الفينيقية التي مخرت عباب بحار العالم، منطلقة من جزيرة أرواد، التي ازدهرت بها صناعة السفن، وزوّدت بسفنها الكثير من دول العالم على مرّ التاريخ، ولا يزال الأرواديون إلى اليوم بارعون في هذه الصناعة، غير أن المؤسف هو التراجع الكبير الذي أصابها رغم عراقتها، حيث تمتد إلى نحو / 4500 / عام عندما أبحروا من هذه الجزيرة السورية الوادعة رافعين الراية السورية إلى مختلف شواطئ العالم الذي انبهر لما رآه، ولما حمله السوريون من أبجدية وعلوم وراحوا يعلّمون أهل الأرض اللغة والإبحار وصناعة السفن.
كنا نعيش حالة من القلق تجاه واقع ومستقبل صناعة السفن في أرواد، التي راحت تسير بوضوحٍ نحو الانقراض، فلم يتبقَّ في الجزيرة اليوم أكثر من /11 / حرفياً أروادياً يمتهنون صناعة السفن، إذ أخذت هذه الصناعة العريقة بالتراجع نتيجة التقصير بالاهتمام الحكومي بها، وخلال السنوات العشر السابقة نتيجة العقوبات الجائرة والحصار المفروض على سورية، ما أدى إلى خلق صعوبات كبرى في تأمين مستلزمات هذه الصناعة، ورفع كثيراً من تكاليفها، فضلاً عن تراجع الطلب على السفن المحلية، التي تعتبر واحدة من أهم عناصر ( الاقتصاد الأزرق ) الذي يعني الاستثمار الأمثل للبحار والمحيطات والأنهار ومختلف السدود والمسطحات المائية صناعياً وإنتاجياً وسياحياً ونقلياً ومختلف العمليات الاقتصادية والخدمية التي يمكن أن تنتعش بوجود تلك العناصر المائية الزرقاء، مع الحفاظ على بيئة نقية ونظيفة.
كان بإمكاننا أن نسيطر على اقتصادٍ أزرق فعّال فيما لو عمدنا إلى إنعاش صناعة السفن وتعزيزها بالكوادر الخبيرة عبر أجيالٍ متعاقبة، مُستثمرين تلك الخبرات التي تراكمت عبر آلاف السنين، غير أن الأخبار المتواترة من جزيرة أرواد هي أن هذه الصناعة بات مشوارها قصير وهي في طريق الانقراض.
غير أن ما حصل بالأمس عندما أعلن عن اكتمال صناعة ( فرح ستار ) وتعويمها بنجاح وبخبرات وطنية بحتة، يُثير الفرح وينعش الآمال فعلاً بأننا قادرون على منع هذه الصناعة من الانقراض.
فقط لنقوم بواجباتنا وبما علينا أن نقوم به حيال دعم وتشجيع هذه الصناعة الاقتصادية الراقية، وتكوين جيلٍ جديد من الشباب القادرين على ممارستها والتصدّي إليها بكل تفاصيلها، ومدّ يد العون إلى أولئك الحرفيين البارعين في جزيرة أرواد كي يتخلّصوا من هواجس الانقراض.
إن الكوادر التي استطاعت أن تصنع ( فرح ستار ) هي قادرة أيضاً على صناعة أضخم السفن، فالمبادئ واحدة، فقط قليل من الاهتمام، والعمل على تعزيز هذه الكوادر وتشجيعها من أجل مستقبلٍ باهرٍ لاقتصادٍ أزرق.. يكون حريصاً على عراقة هذا التاريخ واستمراره، لتنهض صناعة السفن في أرواد كما نهض طائر الفينيق.
(سيرياهوم نيوز-الثورة14-6-2021)