يعد اليوم محصول الفستق الحلبي في إدلب من المحاصيل المقاومة لاسيما هذا العام مثلما قاومت شجرة الفستق الحلبي النظام البائد وظلت متمسكة بجذورها فلم يستطع قلعها بل قطعها، وهذا العام تعرضت لعوامل جوية أثرت سلباً على الإنتاج الذي يُعدّ من أبرز ما اشتهرت به المنطقة الجنوبية في ريف إدلب، رغم التحديات التي طالت الموسم الحالي من شحّ في الأمطار وانتشار للآفات الزراعية.
وحسب مزارعين يمثل موسم الفستق الحلبي ركيزة اقتصادية لسكان ريف إدلب الجنوبي، حيث تعتمد عليه مئات العائلات كمصدر دخل أساسي، ويشاركون في قطافه وسط ظروف مناخية قاسية، ازدادت صعوبة مع ظهور حشرات ضارة أثرت على جودة وكميات الإنتاج، لهذا جاءت الندوة التي نظمتها دائرة الإرشاد في مديرية زراعة إدلب بالتعاون مع مكتب الفستق الحلبي برعاية وحضور مدير منطقة خان شيخون حسن الأمين ومدير مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بإدلب المهندس مصطفى موحد، بعنوان: “مخاطر انتشار حشرة كابنودس الفستق الحلبي على الإنتاج الزراعي”،
وذلك في ظل التغيرات المناخية والتحديات الزراعية بعد الحرب، وتهدف الندوة إلى رفع الوعي ومناقشة سبل الوقاية والمعالجة.
هذا ويتمسك الفلاحون هناك بأرضهم وحقولهم رغم المعاناة، مطالبين بدعم أكبر في مجال الزراعة، من مبيدات وقائية ومستلزمات ري، بالإضافة إلى تخفيف تكاليف الإنتاج، حفاظًا على هذا المحصول الاستراتيجي الحيوي.
ورغم كل التحديات، تبقى منطقة خان شيخون في ريف إدلب واحدة من أبرز المدن السورية في زراعة الفستق الحلبي.
يقول الباحث الدكتور جمال العبدالله: لقد واجهت زراعة الفستق الحلبي في إدلب تحديات كبيرة نتيجة الحرب التي شنها النظام البائد، حيث تدهورت البساتين في معظم ريف إدلب الجنوبي الذي تنتشر فيه زراعة الفستق الحلبي، وهناك انتشار للأمراض مثل حشرة “الكابنودس”. ومع ذلك، يظل الفستق الحلبي مصدراً مهماً للدخل، خاصة في بلدات مثل خان شيخون والتمانعة، وهناك جهود لإعادة تأهيل البساتين ودعم المزارعين في المناطق التي تضررت بسبب الحرب. ورغم أن إدلب لا تحتل المرتبة الأولى إنتاجياً، إلا أنها لا تزال من المحافظات المنتجة للفستق في سوريا.
وأوضح العبدالله في تصريح لصحيفتنا “الحرية” أن ريف إدلب يعد من المناطق الأكثر تضرراُ بسبب عوامل متعددة. فبعد سنوات النزوح والإهمال، تعرضت آلاف أشجار الفستق للحرق والقطع أو الموت بفعل الآفات. لقد جدت مديرية الزراعة في إدلب أن حوالي 350 ألف شجرة فستق حلبي قد اقتُلعت أو أتلفت، ومعظمها تجاوز عمرها 50 سنة. هذه الخسائر الكبيرة تعني أن الإنتاج الفعلي لهذا العام سيكون ضعيفاً، خاصة مع شح الأمطار وتردي الخدمات الزراعية. باختصار، كان محصول الفستق الحلبي هذا العام في إدلب منخفضاً جداً لأسباب تشمل الجفاف وهجرة المزارعين وانتشار الآفات الزراعية وافتقاد الموارد اللازمة.
وأضاف العبدالله: تُعتبر مساحات الفستق الحلبي في إدلب كبيرة نسبياً مقارنة بمناطق أخرى، إذ تتركز زراعته في مناطق خان شيخون ومعرة النعمان والمناطق المحيطة بهما. ووفقًا لإحصاءات سابقة، تبلغ المساحة المزروعة بالفستق الحلبي في إدلب نحو 10,475 هكتارًا. تغطي هذه المساحة أكثر من مليون ونصف المليون شجرة مثمرة في الظروف العادية. لكن مع تعرض الكثير من هذه الأشجار للهجرة والإتلاف خلال سنوات الحرب، من المرجح أن تكون المساحة المنتجة الفعلية الآن أقل من ذلك الرقم. وتعمل مديرية الزراعة حاليًا على إعادة تأهيل المشتل الزراعي في معرة النعمان وزراعة آلاف الشتلات لتعويض النقص، وقد وفرت بالفعل حوالي 10 آلاف غرسة فستق حلبي جديدة بهدف إعادة غرس البساتين المتضررة.
وعن أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجه مزارعي الفستق في إدلب يقول العبدالله:
أدت قلة الأمطار هذا العام إلى إجهاد الأشجار البعلية، وزادت من انتشار حشرة “الكابنودس” التي تنتشر أكثر في الحقول غير المروية ما أدى إلى موت أعداد كبيرة من الأشجار. واصفاً انتشارها بأنه “الأخطر على الإطلاق”، وقد تركز بشكل خاص في ريف إدلب الجنوبي (مثل التمانعة)، إذ قضت اليرقات على جذور الأشجار على مدى عامين. وبالإضافة إليها، ظهرت آفات أخرى (كالحشرة البسيلا وغيرها) والتي تصيب الثمار والأشجار.
وقال: يعاني المزارعون من غلاء المبيدات وقلة توافرها. فقد بلغت تكلفة مبيد واحد نحو 10 دولارات لمعالجة خمس شجرات. كما افتقد المزارعون الأسمدة والمعدات الزراعية الأساسية بسبب ضعف الإمكانات المالية وارتفاع أسعار الوقود والأسمدة.
ولفت إلى أنه أعقبت سنوات النزوح قلة اهتمام مباشرة بالأشجار، فغابت خدمات التقليم والتسميد المنتظمة، ما وفر بيئة مناسبة لانتشار الآفات. إضافة إلى ذلك، أدى فرض قانون الاستثمار والممارسات السابقة إلى تدمير مساحات كبيرة من البساتين قبل تحرير المنطقة.