يشهد ريف محافظة طرطوس ارتفاع مؤشرات الفقر بشكل غير مسبوق، وخسارة الكثير من السكان مصادر أرزاقهم من الزراعات السائدة في تلك المناطق، خاصة في ظل موجة الجفاف الكبيرة التي تضرب البلاد، وجفاف الآبار والينابيع، وغياب فرص العمل للكثير من الشباب.
يضاف إلى ما سبق تشتت الحيازات الزراعية، وغياب التخطيط السليم، في ظل غياب معامل التصنيع الزراعي.
وبالمقابل نجد من واجه الفقر بتأسيس مشروعه الخاص به، وحقق نجاحاً كبيراً.
وللوقوف عند هذا الواقع، وأهم المقترحات للحد من انتشار ظاهرة الفقر أجرت صحيفة الثورة هذا التحقيق.
التخطيط السليم
اليوم لا يشبه الأمس، وقد تغيرت المعطيات على أرض الواقع، من الناحية البيئية والتسويقية والاقتصادية، لهذا لا بد من وضع خطط للتطوير والارتقاء بالواقع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي في ريف محافظة طرطوس، من خلال إطلاق مشاريع متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر، تدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية في تلك المناطق.
وللقيام بهذه المشاريع لا بد من الاستناد إلى عدة أسس، كما بينت خبيرة بالمشاريع الأسرية والصغيرة، فضلت عدم ذكر اسمها، وقالت: إن المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة هي المنطلق الصحيح نحو الانتعاش الاقتصادي للأسر الريفية، في ظل الفقر المدقع للكثير من الأسر، حتى ولو كان على مستوى تصنيع الأجبان والألبان منزلياً من مادة الحليب، لمن يملك بقرة، على سبيل المثال، لخلق قيمة مضافة، وربحاً محدداً.
جهة داعمة
وتابعت الخبيرة: من أجل إقامة مشاريع ناجحة لا بد من توفر الفكرة الصحيحة لإطلاق المشروع بداية، وأن يكون صاحب المشروع على دراية وخبرة بما يخطط له وآلية العمل به، وكيف سيسوق إنتاجه مهما كان قليلاً، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لأغلب العائلات الريفية التي انخفضت متطلباتها الغذائية إلى الحد الأدنى، حد كفاف يومها.
والأهم مما تقدم وجود جهة راعية وداعمة لأصحاب المشاريع من خلال تقديم منح مالية لهم لتأسيس مشاريعهم، والوقوف إلى جانبهم بجميع الخطوات وصولاً لتسويق المنتج، أو إعطائهم قروضاً تستوفى بعد أن يصبح المشروع مدراً للدخل.
وأشارت إلى دور هيئة مكافحة البطالة في مجال دعم المشاريع، والتي باشرت عملها نهاية تسعينيات القرن الماضي، حيث عملت على دعم وتأسيس ٦١٦٤ مشروعاً أسرياً وصغيراً، وتوسيع مشاريع في محافظة طرطوس، إضافة لدعم تسويقي لهم.. والكثير من هذه المشاريع استمرت وتوسعت ووفرت فرص عمل كثيرة.
الحلول بسيطة ومتاحة
من جهتها، الخبيرة الزراعية، والمدربة لسنوات طويلة في مجال تنمية المرأة الريفية ومدارس المزارعين بمنطقة القدموس، المهندسة كوكب خضور تحدثت عن الموروث الزراعي الذي ما زال سائداً حتى اليوم، والذي أدى إلى تفتت الأراضي الزراعية، والتي لا تتجاوز ٢٠٠- ٣٠٠ متر، كحصة لمزارع واحد بجهة معينة من الأرض.
وبيّنت أن هذه الحيازات الصغيرة سبّبت الكثير من المشكلات للمزارع، بدءاً من عدم إمكانية تأمين مستلزمات الإنتاج من البذار وتحضير الأرض إلى إنتاج السلع، وصولاً لأسواق التصريف.
وترى م. خضور أن الحلول بسيطة ومتاحة، وهي إعادة تفعيل المدارس الزراعية الحقلية للمزارعين والمزارعات، التي بدأت بها وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي منذ أكثر من عقدين من الزمن، ومن ثم توقفت بسبب الظروف التي مر بها البلد، والهدف منها اجتماع عدد من المزارعين 5- 15 مزارعاً يملكون حيازات زراعية صغيرة متجاورة، تزرع الأرض بنوع واحد بشكل مدروس ومخطط، مثل زراعات محمية أو نباتات عطرية وطبية أو أي نبات يتأقلم مع المنطقة، وبالتالي حل مشكلة تأمين البذار والسماد والحراثة والريّات التكميلية، واليد العاملة من الأسر التي تملك هذه الحيازات وصولاً إلى إحداث معامل لتصنيع الإنتاج الزراعي في مناطق الإنتاج وتقطير النباتات الطبية والعطرية والتي تلقى رواجاً محلياً وعالمياً.
نحو التصنيع الزراعي
مدير الزراعة بطرطوس المهندس حسن حماده، يرى أن الصناعات الزراعية في المحافظة خجولة- إن لم تكن معدومة، وتقتصر على بعض المعامل البدائية للمخللات والصناعات المنزلية للكونسروة، مبيناً أن المحافظة بحاجة لمعامل صناعة العصائر من الحمضيات، تعبئة زيت الزيتون وتصدير فائض الإنتاج، فالرافد الأساسي للعمل الزراعي هو العمل الصناعي، ثم التجاري (الصناعات الغذائية التسويق الداخلي والخارجي)، وهو عمل متكامل يرقى بالمستوى الاقتصادي لأبناء المحافظة.
السيدة أم يوسف، لم يعرف اليأس طريقه إليها، فرغم الظروف المادية الصعبة وعدم وجود معيل لأسرتها المؤلفة من ستة أفراد استطاعت أن تؤسس مشروعها المتناهي الصغر لترفد أسرتها بما تيسر من عملها اليومي.
تقف منذ الصباح الباكر أمام التنور على طريق طرطوس- صافيتا، تخبز الخبز بمحبة ورضا، صحيفة الثورة التقتها، وقد أكدت أنها سعيدة بعملها الذي استطاعت من خلاله أن تنقذ عائلتها من العوز، ولكن طموح أم يوسف لم يقف هنا، بل هي تفكر بتوسيع المشروع، لكنها بحاجة لجهة داعمة، تقدم لها قرضاً طويل الأجل، أو منحة لتوسيع المشروع من خلال تصنيع الخضار وتجفيف الفواكه، ولكن مشروعها بحاجة لرأس مال، وبالرغم من هذا فهي تسعى بكامل طاقتها للوصول إلى هدفها، فالفقر ليس عيباً- كما تقول- ولكن العيب أن نقف مكتوفي الأيدي ونترك جميع الفرص الممكنة للبدء بمشروع مهما كان صغيراً.
الطموح يصنع المستحيل
الشابة شيرين إبراهيم اسكاف، أسست مشروعها الصغير الخاص بها ووصلت للقمة، قالت لنا: بدأت من الصّفر، من إنسانة لا تملك أي معلومة عن زراعة أنواع الصباريات، إلى إنسانة بحثت عن كل معلومة تخصّ الصبار، حتى أصبحتُ خبيرة ملمة بكل التّفاصيل.
وأوضحت أن فكرة المشروع بدأت عام 2021، وهو مشروع زراعة الصباريات، الذي بدأ من المنزل، وفي عام 2022 كانت الانطلاقة الفعليّة للإنتاج والبيع، إذ بلغت قيمة أول طلبية مباعة 60 ألف ليرة، وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة في البداية، وأهمها صعوبة تصريف الإنتاج، بدأتُ أطوّر عملي، وأوسع المجموعة من عدد محدود لا يتجاوز العشرة أنواع إلى مجموعة ضخمة فيها أكتر من 400 نوع وأكتر من 1000 أصيص.
ولفتت اسكاف إلى أنّ المردود المادي بدأ يزداد بعد أن حقق المشروع انتشاراً كبيراً عبر صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وازداد الدخل، وأصبح الشّحن بالملايين، وحققت اكتفاءً ذاتياً ومردوداً مادياً ممتازاً، كما أصبح لديها خط إنتاج خاص بها من البذرة وصولاً للنبتة الكاملة، وباتت تشحن إلى خارج البلد ليصبح اسمها معروفاً على مستوى سوريا.
وتنصح سكاف كل شاب وشابة بتأسيس مشروعهم الخاص بهم، والذي ينطلق من فكرة لتصبح واقعاً، فمن يضع هدفاً يصل إليه مهما كان صعباً، فالطموح والتصميم يصنعان المستحيل.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة