يوسف فارس
غزة | لم يسبق أن عاش الأهالي في كل مناطق قطاع غزة، منذ بداية الحرب، فرحاً مماثلاً لما عاشوه ليلة أمس. الآلاف من المواطنين صعدوا إلى سقوف المنازل ومراكز الإيواء لمشاهدة عشرات الصواريخ التي قطعت السماء من فوقهم، وهي في طريقها إلى قصف مستوطنات ومدن غلاف غزة، فيما شهدت الشوارع حالة من الهيجان والفرح العشوائي: أطفالٌ حملوا على أكتف آبائهم وهتفوا «لبيك يا نصر الله»، وجموعٌ بشرية هتفت بصوت واحد «إيران… إيران» و«مشان الله… إيران يلا»، قبل أن تشرع المساجد والمآذن في بثّ تكبيرات العيد، في وسط مخيم جباليا، حيث جاب الأهالي الشوارع بشكل عفوي، ليبدو المشهد كأنه العيد المرتقب للغزيّين. ومن بين من خرجوا فرحين، يقول أحمد صالح، في حديثه إلى «الأخبار»: «والله لم نفرح منذ عام كامل مثل هذا الفرح، مرّ أسبوع قاسٍ جداً، فقدنا فيه السيد حسن نصر الله، وقيادات عظيمة في حزب الله، ووصلت إسرائيل إلى أعلى مستويات التبجح والطغيان. كانت نفوسنا متصحرة ومعنوياتنا في انتظار يومٍ كهذا». أما الحاج أبو رامي، فيقول لـ«الأخبار»: «لقد شعرنا طوال الشهر الماضي، الذي كان شهر الحزن، بأننا تُركنا وخذلنا، وأنه لن يقف أحد في وجه إسرائيل وهي في ذروة استكبارها وطغيانها، وشعرنا بالذنب لأن أهلنا في لبنان يعانون ويقتلون بسببنا. لكننا اليوم نشعر بأن لنا ظهراً وسنداً وحليفاً صادقاً وحقيقياً. ولا أحد قادر على خداعنا، فقد رأينا الصواريخ مثل الحمم البركانية تدمر حقول الغاز في عسقلان، وشاهدنا النيران تشتعل وإسرائيل تحترق».
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كتب أكرم الحلاق، وهو أحد الصامدين في شمال القطاع: «لم أر في حياتي كلها فرحة على وجوه الناس كالفرحة التي رأيتها في هذا المساء، وكأن الأرواح رجعت إلى الأجساد من جديد، شكراً يا رجال الله، ثأرك بدأ يا سيّد»، فيما كتب وجدي عزام، وهو ناشط ومبادر مجتمعي في جنوب القطاع، أنه «بفضل الله ورجاله نعيش ليلة خيبرية بامتياز».
بدا حاجز «نتساريم» هشّاً ومن الممكن أن يجري اقتلاعه لو أن الضربة الصاروخية الإيرانية كانت منسّقة مع قوات على الأرض
وكان المشهد في الضفة الغربية أكثر وضوحاً؛ ففي حين شاهد الأهالي في القطاع الصواريخ الإيرانية وهي تعبر السماء تجاه أهدافها، رآها أهالي مدن الضفة ومخيماتها، وهي تهوي وتنفجر في داخل القواعد العسكرية والمطارات الحربية التي يعرفون أسماءها ويحفظونها عن ظهر قلب. ونشر المئات من النشطاء والأهالي عشرات المقاطع المصورة لحمم من الصواريخ وهي تنفجر في عمق المستوطنات والمطارات، وسط هتافات وفرح. وتعليقاً على الأمر، كتب محمد ضرغام: «هذا يوم الحقيقة التي لن يستطيع أحد طمسها. رأينا الصواريخ وهي تنفجر. رأينا هلع الإسرائيليين الذين أنفقوا المئات من ساعات البث التلفزيوني ونشروا آلاف التغريدات، ليقنعوا الناس بأن إيران هي من باعتنا لأميركا وإسرائيل. خسئوا اليوم وخسروا».
وشكّل سقوط عدد كبير من الصواريخ الإيرانية على حاجز «نتساريم» الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، الحدث الأكبر بالنسبة إلى الغزيين. وبالتزامن مع انشغال العدو الإسرائيلي في فهم ما يدور حوله، كان الآلاف من النازحين في جنوب القطاع قد وصلوا فعلاً إلى «نتساريم» من الجهة الجنوبية، وحاول بعضهم العبور، قبل أن تشرع الدبابات والمدفعية في إطلاق العشرات من القذائف تجاههم لتأمين الحاجز. وفيما لم تتضح أعداد المصابين والشهداء، بدا الحاجز، في هذه الليلة، هشاً إلى الحد الذي كان من الممكن معه أن يجري اقتلاعه لو أن الضربة الصاروخية الإيرانية كانت منسقة مع قوات على الأرض.
وبالنتيجة، عاش الأهالي في غزة يوماً مكتملاً من البهجة، بدّد حالة الانكسار المعنوي التي تسببت بها أحداث الأسبوع الماضي. يومٌ بدأ بضربات موفقة وشديدة الدقة لحزب الله على امتداد الجبهة، من الحدود حتى تل أبيب، شوهد تأثيرها بالمقاطع المصورة وبالبث المباشر، ثم تواصل مع عملية تل أبيب التي تسببت بمقتل ستة مستوطنين على الأقل وإصابة 19 آخرين، وتوّج بالرد الإيراني الدقيق والدسم والموفق. «إنها بشائر أكتوبر، تمحو أحزان أيلول»، هكذا كتب الآلاف، وهكذا شعروا فعلاً.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار