طرطوس-سانا
منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة عام 1977 لم يتوقف الفنان التشكيلي محمد هدلا عن البحث في عالم اللوحة الفنية لتكوين عمل ذي هوية بصرية خاصة به شكلا ومحتوى وذات أبعاد حداثية مبنية على ثقافة محلية وبيئية متوسطية واسعة وعميقة.
ولم يأخذ التفاعل الخلاق للفنان هدلا مع الساحة التشكيلية العالمية بعيدا عن هويته كما جرى مع فنانين آخرين بل تماهى مع بيئته الساحلية على شواطئ طرطوس التي نشأ وتربى فيها بل ذابت روحه بها أكثر مع كل عمل فني جديد ينجزه.
ولعل أجمل وأدق ما قيل في تجربة هذا الفنان ما قاله الناقد التشكيلي أديب مخزوم بأن الفنان هدلا “يعتمد على الرسم العقلاني والتلقائي في آن معا مبتعدا عن أجواء العبث التشكيلي” فالفنان هدلا الهادئ الأصيل الواثق من حركة ريشته وتناغم ألوانه وترتيب خطوطه كرس جل أعماله لإعادة صياغة عمارة طرطوس القديمة والبحر والقوارب والمرأة والمنظر الطبيعي بإحساسه الخاص موظفا كل ذلك توظيفا غنيا برموز وعناصر حضارة ساحلنا الممتدة في عمق التاريخ.
وقال هدلا في حوار مع مراسل سانا “منذ تخرجي في كلية الفنون بدأت البحث عن أسلوب شخصي مرتبط بالبيئة البحرية التي أعيش فيها وتوصلت بعد تجارب متعددة إلى أسلوب خاص بي أصبح معروفا من خلال موضوع طرطوس القديمة المطلة على البحر المتوسط والمراكب مع استخدام تقنية تأسيس اللوحة بالرمل البحري كمادة تعكس البيئة البحرية وتعبر عنها بحيث يتم الربط بين الموضوع والعمل الفني”.
ويوضح هدلا أن أسلوبه يعتمد الواقعية الحديثة بما تمثله من تبسيط الشكل وتناغم الألوان وانسجامها وارتباطها بالموضوع ففي اللوحات التي تتناول طرطوس القديمة أخذ العناصر المعمارية الجميلة التي تميز هذه المدينة العريقة من أقواس وقباب وقناطر وأدراج ونوافذ مميزة ثم قام بصياغتها ضمن تكوينات حديثة أقرب الى التجريد وربطها مع المركب البحري الذي أصبح علامة مميزة في لوحاته.
وعن استخدامه تقنية الكولاج وأهمية ذلك في بناء اللوحة وديمومتها بين الفنان هدلا أن الفنان يلجأ إلى الكولاج حتى يمنح عمله تقنية مميزة وجمالية خاصة حيث يتم الابتعاد عن التنفيذ التقليدي معتبراً أن مميزات الفن الحديث تقوم على التقنية التي تميز الأسلوب الشخصي للفنان وعندما يتم تنفيذ الكولاج بشكل جيد وصحيح يمكن أن يدوم طويلا.
ويشير هدلا في هذا الصدد إلى اللوحات التكعيبية التي فيها كولاج من ورق الجرائد عمرها الآن نحو مئة عام وهي موجودة في أهم وأكبر المتاحف العالمية.
ويرى هدلا أن على الفنان التحلي بعدة صفات أولها الاطلاع على أحدث الأساليب الفنية في كل مجالات الفن والتكنولوجيا وأن يأخذ منها ما يناسبه فليس كل حديث جيد وأن يبحث عن التقنية التي تناسب أسلوبه وخاصة ان عصرنا هو عصر التكنولوجيا وبالممارسة المستمرة يمكن أن يتوصل إلى أسلوب حديث يناسب العصر.
ويصل الفنان إلى جمهوره وفقا لهدلا عندما يكون صادقا في فنه ويعبر عن أحاسيس الناس ويمنحهم الإحساس الجمالي الراقي معتبرا أن مقولة الفن للفن تبعد الفنان عن الناس ورؤاهم وأحلامهم لذا لا بد للفن أن يعمل على الارتقاء بالمستوى الجمالي للمجتمع الموجود فيه.
ورغم ظروف الحرب الصعبة التي تعيشها سورية والتي انعكست آثارها على كل مناحي الحياة فقد أقام الفنان هدلا معرضين فرديين عامي 2015 و2016 ركز خلالهما على الناحية الجمالية في العمل الفني مؤكدا أنه “بالجمال وحده نستطيع أن نجابه الحقد والكراهية والتعصب”.
ورداً على سؤال يتعلق بالفوارق بين جمهور اللوحة في الغرب وجمهور اللوحة في بلادنا يعتبر هدلا الذي أقام عدة معارض في عواصم أوروبية أن جمهور أوروبا يهتم بالناحية الفنية للوحة ويقدرها كثيراً فهو يناقش الفنان في أدق تفاصيل التكوين والألوان والتعبير والتقنية بينما الجمهور السوري يتفاعل مع العمل الفني الذي يعبر عن الواقع لأنه يراه واضحاً ومفهوماً باستثناء بعض الفئات التي لديها اهتمام أكبر بالفن التشكيلي.
والفنان محمد هدلا الذي يقترب من عامه السبعين من مواليد طرطوس عمل سنوات طويلة مدرسا وموجها لمادة الفنون وأقام خلال مسيرته الفنية الطويلة 14 معرضا فرديا في عدد من المدن السورية وفي دول عدة مثل فرنسا واسبانيا ولبنان وفاز بالجائزة الثالثة لمسابقة مجلة دبي الثقافية عام 2015.
سيرياهوم نيوز 6- سانا