| سعد القاسم
الخميس, 20-01-2022
في الحلقة الأولى من هذه السلسلة جرى الحديث عن رفض الدكتور سليم عادل عبد الحق، ضم لوحات (أبو صبحي التيناوي) إلى مجموعة المتحف الوطني بدمشق، ثم تراجعه عن موقفه إثر مصادفته معرضاً للتيناوي في العاصمة الفرنسية.
المقصود بهذا الحديث – حصراً – الإشارة إلى تصنيف الوسط الثقافي – التشكيلي لتجربة التيناوي على أنها نوع من الفن الشعبي الأقرب إلى الحرفة منه إلى الإبداع. وليس انتقاد موقف الدكتور عبد الحق الذي وصفناه بالمدير (التاريخي) للآثار والمتاحف، لا بحكم الزمن الذي أمضاه على رأس هذه المؤسسة الثقافية المهمة. وإنما بفعل الدور الاستثنائي الذي أداه للنهوض بها، ومن ضمنه الدور الحيوي والأساسي في تشجيع الفن التشكيلي، وتوثيقه، وحفظه.
يحمل د. عبد الحق إجازة في تاريخ الفن من فرنسا، ودبلوماً في الفن والآثار من معهد اللوفر، ودكتوراه في فن وتخطيط المدن. وبعد عودته من فرنسا عام ١٩٤٥ عُين محافظاً عاماً للمتحف الوطني بدمشق. وفي عام ١٩٥٠ عُين مديراً عاماً للآثار حيث عمل على استصدار قانون الآثار السوري الذي اعتبرته اليونيسكو قانوناً نموذجياً. قدم إلى جانب بحوثه في الآثار والمتاحف كتابات عميقة في مجال الفن التشكيلي. وارتبطت باسمه إنجازات كبيرة في المجالات المتعددة للآثار والمتاحف حتى عام 1966 حين اختارته منظمة (اليونسكو) للإشراف على مشاريعها الأثرية والثقافية.
سلسلة المعارض السنوية
بمبادرة من الدكتور سليم عادل عبد الحق أقيم المعرض السنوي للفن التشكيلي السوري لأول مرة عام 1950 في المتحف الوطني بدمشق. وهو ما يجعله أحد أقدم المعارض الدورية العربية، وقامت بتنظيمه وزارة المعارف، التي حل محلها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي، بالشراكة مع مديرية الآثار والمتاحف. وشارك فيه 30 فناناً عرضوا 88 لوحة. ولم يكن هناك أي عمل نحتي. وفي المعرض الثاني عام 1951 كانت هناك 85 لوحة و10 منحوتات. واستمر كلا الرقمين في الصعود حتى بلغ عام 1959/ 221 لوحة. و13 عملاً نحتياً.
اعتمدت المعارض الأولى أسلوب الجوائز كتعبير عن دعم الفن التشكيلي، فقدمت جوائز مالية إلى الفائزين الأوائل في التصوير والنحت. وتم تقسيم الجوائز مناصفة بين الفائزين، فنال الجائزة الأولى في التصوير: (محمود حماد – صبحي شعيب – رشاد قصيباتي)، ونال الثانية (الفريد بخاش – نصير شورى – ميشيل كرشة)، وعكست جوائز المعرض السنوي في سنواته الثماني الأولى ذلك التمايز في مجال الرسم (التصوير) بين مناصري تياري الواقعية والانطباعية من جهة، وبين تيار الحداثة من جهة ثانية. فقد مُنحت خمسٌ من جوائز المعرض الأول الست إلى أعمال واقعية وانطباعية (محمود حماد، رشاد قصيباتي، الفرد بخاش، نصير شورى، ميشيل كرشه)، ومنحت الجائزة السادسة للوحة تعبيرية (صبحي شعيب).
المعرض الثاني
ومنحت الجوائز الست في المعرض الثاني لأعمال واقعية وانطباعية (ناظم الجعفري، محمود جلال، نصير شورى، رشاد قصيباتي، فاتح المدرس، الفرد بخاش). وفي معرض 1952 مُنحت الجائزة الأولى للوحة (كفر جنة) التي أنجزها (فاتح المدرس) واعتبرها عدد من مؤرخي الفن بداية الحداثة في الفن التشكيلي السوري، في حين ذهبت الجائزتان الثانية والثالثة لعملين واقعيين بتأثيرات انطباعية (نصير شورى وناظم الجعفري). أما في المعرض الثالث عام 1953 فقد عادت الأعمال الواقعية والانطباعية لتنال جوائز المعرض الثلاث (نصير شورى، محمود حماد، نوبار صباغيان)، وتكرر الأمر ذاته في معرض 1954 فنالت الجوائز أعمال (نصير شورى، اليانورة شطي، فريد كردوس)، كما تكرر في معرض 1955 حيث مُنحت الجوائز لثلاثة أعمال واقعية وانطباعية، وإن كانت كل منها تملك شيئاً من التجديد (هشام زمريق، نصير شورى، إلياس زيات). وفي حين أن معرض 1956 قدم جائزتيه الأولى والثانية لعملين من خارج الإطار الواقعي – الانطباعي (برهان كركوتلي، نعيم إسماعيل)، ومنح الثالثة لعمل واقعي (زهير صبان)، فإن معرض عام 1957، وكان آخر معرض تعتمد فيه سياسة الجوائز، قد منح جوائزه الثلاث لأعمال واقعية بالمطلق (عبد العزيز نشواتي، زهير صبان، إبراهيم هزيمة).
التبعية لوزارة الثقافة
حين تأسست وزارة الثقافة بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسورية عام 1958 انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى مديرية الفنون الجميلة التي أنشئت فيها، وقد قامت المديرية عام 1959 بقسم المعرض إلى اثنين: (معرض الربيع) في حلب، و(معرض الخريف) في دمشق وألغت مبدأ الجوائز واستبدلته بسياسة الاقتناء فقامت وزارة الثقافة باقتناء 21 عملاً بين لوحة ومنحوتة. وقامت وزارة التربية باقتناء 19 عملاً، ومديرية الآثار والمتاحف 15عملاً، ومديرية حصر التبغ والتنباك 4 لوحات، واقتنيت 4 لوحات أيضاً من جهات مختلفة.
يلفت النظر أن إلغاء مبدأ الجوائز في المعرض السنوي جاء بعد عام واحد من تأسيس (رابطة الفنانين السورية للرسم والنحت)، والتي طالبت بهذا الإلغاء، وهو ما يسمح بالاعتقاد أن الفنانين، أو على الأقل المنتسبين إلى الرابطة، لم يكونوا موافقين على مبدأ الجوائز، وخاصة في ظل الجدل القائم آنذاك بين مناصري التيارات التقليدية، ومناصري التيارات الحديثة. وأيضاً بسبب الحساسيات التي كانت تخلقها الجوائز بين الفنانين، وأكثرها علانية ما حصل حين منحت لجنة تحكيم معرض 1962 جائزتها لميشيل كرشه مقدمة إياه على توفيق طارق وكان الأخير منحازاً بشدة إلى الأسلوب الواقعي الطبيعي، ولماحاً وعصبي المزاج وشديد الاعتداد بنفسه، فكان رد فعله حاداً للغاية. وعلى ما وصلنا فإن ميشيل كرشه المعروف بلطفه ومسالمته تجاهل هذا الاستفزاز، بخلاف كثير من طلابه ومحبيه الذين ساءهم هذا التصرف، واتخذوا موقفاً من توفيق طارق امتد لسنوات طويلة بعد رحيل الفنانين الرائدين.
متحف الفن الحديث
مع زيادة عدد الأعمال الفنية التي تم اقتناؤها من قبل مديرية الآثار العامة، تأسس عام 1953 فرع الفن الحديث في المتحف الوطني، وقد أقيم في الطابق الأول من الجناح الشرقي الذي تم الانتهاء من تشييده ذلك العام. في حين خصص الطابق الثاني للمعارض المؤقتة، الأثرية والفنية. ورغم انتقال مسؤولية تنظيم المعرض إلى مديرية الفنون الجميلة. فإن المتحف لم يتوقف عن اقتناء الأعمال الفنية الحديثة. وفي زمن إدارة الدكتور عفيف البهنسي (وكان الأستاذ حسن كمال أميناً لفرع الفن الحديث) تعاقد المتحف مع عدد من الفانين السوريين لإنجاز لوحات كبيرة خاصة بالمتحف، بينهم لؤي كيالي. وممدوح قشلان وأسعد عرابي. ونعيم إسماعيل ومحمود حماد وغازي الخالدي وفؤاد أبو كلام. ويمتلك المتحف الوطني بدمشق اليوم عدداً كبيراً من أعمال التشكيليين السوريين المهمة، وخاصة الأجيال الأولى منهم.
(سيريا هوم نيوز-الوطن)