| سارة سلامة
في الوقت الذي تحدث فيه كثيرون عن انتشار الفن الهابط في أيامنا هذه، فهم تناسوا أو غيب عنهم أن البداية لم تكن هنا فهي تعود إلى تاريخ بعيد.
حيث لم يخل الزمن الجميل من إرهاصات تعلو أصواتها في الحانات والنوادي الليلة والأسطوانات التي غزت الأسواق بفن مبتذل بأصوات عدة سنتطرق إلى بعضها في هذا العرض.
وتعود هذه الأغاني تحديدا إلى بدايات الغناء العربي الحديث في زمن الطقاطيق وأغاني الملاهي الليلية هي السائدة.
أسماء كثيرة
ومنهم المطربة التونسية حبيبة مسكية 1903- 1930. التي كانت من أشهر مطربات جيلها قدمت في عشرينات القرن الماضي أغاني عدة منها بعنوان «عطيني بوسة» وأخرى بعنوان «على سرير النوم دلعني».
كذلك برزت نعيمة المصرية 1894- 1976 التي مهدت لها الطريق جارتها السورية «عزيزة مظلوم» لتغني في الأفراح والصالات، ومع رفض أسرتها وزوجها لاذت الفتاة بالفرار مع الجارة السورية إلى حلب عام 1911، حيث التقت بالمطربة السورية «رحلو جرادة» التي ساعدتها، وقدمتها للملحنين الذين قاموا بتدريبها، والتلحين لها على مدار 3 سنوات لتعود إلى القاهرة عام 1914.
وانطلق نشاطها في القاهرة حيث تعهدها سيد درويش حالما وصلت إلى مصر، وغنى معها أغنيتها الأولى «مين زي». انطلقت كالصاروخ في مسارح عماد الدين، وروض الفرج، وإسكندرية، والمنصورة، وافتتحت مسرحاً خاصاً بها في عام 1922 أطلقت عليه (مسرح الهمبرا). لحن لها محمد القصبجي، وداود حسني، وزكريا أحمد، وزكي مراد.
وغنت «تعال يا شاطر نروح القناطر» كلمات يونس القاضي وألحان الشيخ زكريا أحمد.
كما جاءت الراقصة بديعة مصابني لتستقر في مصر هيوليود الشرق حيث الانتشار السريع ومن خلال هذا الفكر كونت مصابني فرقتها المسرحية الشهيرة التي كان لها الفضل الكبير في اكتشاف العديد من الوجوه الفنية التي أصبحت رموزاً وقامات فنية شهيرة بعد ذلك وبالتالي اقتحمت عالم الغناء لما له من تأثير سريع وفعال.
وقامت بالغناء مع المطرب السيد سليمان في هذا الدوتيو (جوزني يا بابا) ففيه تقول مصابني جوزني يا بابا لاحسن بيعايروني بنات اليوم ليرد عليها السيد سليمان.
وما لا يعرفه الكثيرون هو أن الفنانة نعيمة الصغير بدأت في أول طريقها الفني كمغنية وفتاة إعلانات فقد كانت من أوليات مطربات الزمن الجميل فقد بدأت بغناء الطقاطيق الخفيفة التي كانت تناسب نوعية معينة من الجمهور ومن خلال أدائها المميز وحركاتها التي تميزت بها انتشرت أغنيتها «هات القزازة» بين الكثيرين وأصبحت تغني في الأفراح والأحياء الشعبية.
وفي تاريخ بدء البث الإذاعي في 31 أيار 1934، ضعف الإقبال على الصالات، والنوادي الليلة، وقل شراء الاسطوانات مما دعا نعيمة إلى غلق مسرح الهمبرا وتراجعت إلى حيث ما بدأت بالغناء في الملاهي، حيث لجأت إلى الغناء في القصور والعوامات لتعويض النقص الذي حدث.
بينما كانت منيرة المهدية تلقب بسلطانه الطرب 1885- 1965 مغنية وممثلة مصرية، وهي أول سيدة تقف على خشبة المسرح في مصر والوطن العربي وأول مغنية عربية سجل لها إسطوانات موسيقية.
قدمت العديد من الأغاني التي يمكن وصف كلماتها بأنها شديدة الجرأة بمقاييس يومنا هذا من بينها «بعد العشا يحلى الهزار والغرمشة».
شاركوا في موجة الأغنية الهابطة
أسماء كبيرة مرتبطة بتاريخ الأغنية الخالدة، وخاصة مع أم كلثوم، كانت جزءاً من الأغنية الهابطة، حيث غنى الشيخ سيد درويش «أنا مالي هي اللي قالتلي» فقد اضطر إلى تلك النوعية من الأغاني وبالأخص في بداية مشواره الفني حيث كان لزاما عليه تدبير نفقات المعيشة.
وسيد درويش، مطربٌ وملحنٌ مصريّ يُعتَبر أب الموسيقا المصريّة والعربيّة وأحد أعظم الموسيقيين في مصر.
لحن وغنى العديد من الأغاني التي أصبحت جزءاً من التراث المصري مثل «شد الحزام» و«أنا هويت» و«سالمة يا سلامة» و«الحلوة دي»، كما أنه هو من لحن النشيد الوطني المصري.
توفي درويش في الإسكندرية بعمر الواحد والثلاثين عاماً، ورغم نشاطه الفني القصير إلا أنه ترك بصمةً كبيرةً في الموسيقا العربيّة.
بينما قدم محمد القصبجي أول عمل تلحيني احترافي له هو دور (وطن جمالك فؤادي يهون عليك ينضام) من كلمات شاعر عصره الشيخ أحمد عاشور، ثم انضم إلى تخت العقاد الكبير عازف القانون بعد أن أعجب به هو والمرحوم مصطفى بك رضا رئيس نادي الموسيقا الشرقية، في عام 1920 اتجه القصبجي اتجاهاً آخر في تلحين الطقاطيق التي كتبها الشيخ يونس منها طقطوقة «بعد العشا» وطقطوقة «شال الحمام», كما قدم الموسيقار داود حسني عدداً من هذه الأغاني وهو الذي تعلمت على يديه ليلى مراد، وغنى الحانه عبده الحامولي، والمنيلاوي، وعبد الحي حلمي، وزكي مراد، والشنتوري، والصفتي، والسبع، وأم كلثوم، ونجاة علي، ورجاء، واسمهان، وليلى مراد.
ولحن أكثر من 500 أغنية (دوراً ومقطوعة) ونحو ثلاثين أوبرا وأوبريت. من ألحانه الأغاني الشعبية «أسمر ملك روحي» و«جننتيني يا بت يا بيضة» و«البحر بيضحك ليه وأنا نازلة أدلع» و«يا تمر حنا روايح الجنة»، توفي عام 1937.
انتشار هذه الموجة
موجة الأغاني هذه تراجعت بعد ذلك بشكل واضح في مصر خلال الثلاثينات والأربعينيات مع صعود نجم الإذاعة الذي كان يقوم بانتقاء الأغاني بعد أن تخضع للجان مختصة لا تسمح ببث إلا ما يتوافر على الحد الأدنى من الجودة الفنية ويتوافق مع الذوق العام.
إلا أنه عاد في ستينيات القرن الماضي ليظهر من جديد هذه المرة في لبنان من خلال مطربات الدرجة الثانية
اعتمدت الإباحية
يبدو غريباً أن يتلفظ أحدهم بألفاظ جنسية خاصة من خلال مطربة، بعكس ذلك الزمن الذي جعل الأمر يبدو مألوفاً. صحيح أن المرأة أخذت الإباحية إلى مكان بعيد في تلك الأغاني، لكنها ليست أول من قام بذلك، وقد سبقها كثيرون حتى قبلها بعقود طويلة، خصوصاً في زمن الطقاطيق. فـ«العالْمَة» بهية المحلاوية، التي كانت ترافق الراقصة شفيقة القبطية، تقول في تسجيل يعود إلى العام 1912 كلاماً هابطاً لا يحسن تدوينه وتداوله إعلامياً، إضافة إلى أصوات شفيقة القبطية التي لا تقل خلاعية عن أصوات الأخريات اللواتي قدمن الفن الهابط.
بعد أن التفتت الأنظار إلى إحداهن، استضافها عام ١٩٦٥ المونولوجست المصري حسن المليجي في البرنامج التلفزيوني بيروت في الليل، الموصوف في صحافة ذلك الوقت بالسوقية والابتذال. احتوى البرنامج منوعات ترفيهية بين سكتشات ووصلات غناء ورقص.
غنت أحداهن في البرنامج: «جسمي حلو يا حلو / بس بدو فستان حلو / جبلي ياه، خدلي ياه / يا حلو». جددت الأغنية الانتقادات على المليجي وعلى برنامجه. أكد مدير الإذاعة آنذاك حسن الحسن أن «تأثير التلفزيون يقتصر على طبقات المستمعين الذين يتمتعون بثقافة محدودة ودخل محدود، وينتظرون التلفزيون ليشاهدوا أفلاما ببلاش. «في النهاية وجّهت وزارة الإعلام إنذاراً إلى إدارة التلفزيون، على حين مُنعت تلك المطربة من الظهور على التلفزيون نهائياً.
لتعود آخر الموجات بالظهور في مطلع الألفية الثالثة مع انتشار المحطات الفضائية وخاصة تلك التي تبث بتكاليف منخفضة ومن دون رقابة تهتم بالدرجة الأولى بجذب الجمهور دون أي اعتبار لمعايير الذوق والقيم والأخلاق، كما عزز هذه الموجة انتشار الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن