تشهد العلاقات المصرية – السورية تحوّلات جديدة بعد اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، أولَ أمس، على هامش القمة العربية الطارئة في القاهرة. وإذ يأتي هذا اللقاء، الأول من نوعه بعد سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول الماضي، والذي تبعه توجّس مصري حيال تعيين الإدارة السورية الجديدة متشدّدين مصريين في بعض المناصب القيادية، إلى جانب وجود عشرات المصريين المطلوبين للقضاء المصري في قضايا تتعلق بالإرهاب في سوريا، فهو يشير إلى تحوّل في مقاربة القاهرة للملف السوري، نحو الانفتاح على الإدارة الجديدة، لكنه في الوقت نفسه يبقى محكوماً بمحدّدات واضحة تتعلق بدور دمشق في «استقرار المنطقة ومسار العملية السياسية الانتقالية داخل سوريا»، وفقاً لمصادر مصرية.
وبينما ترى القاهرة أن حضور الشرع في القمة جاء بمثابة «فرصة» له لإثبات وجوده كلاعب سياسي جديد في المنطقة، وخصوصاً بعد فترة من الترقب حول كيفية تعامل الدول العربية معه، لم يحمل لقاء السيسي – الشرع أي إشارات واضحة حول مشاريع تعاون اقتصادي أو دعم سياسي مباشر، وهو ما يعكس، وفقاً للمصادر، استمرار التحفظ والحذر المصرييْن تجاه طبيعة الحكم في سوريا.
ويأتي هذا نظراً إلى أن القاهرة لا تريد الدخول في صدام مباشر مع أي طرف، لكنها في الوقت نفسه تتعامل بحذر مع الوضع السوري، واضعة مجموعة من الشروط التي ترى أنه يجب تحقّقها في سوريا قبل أي انفتاح كامل على الأخيرة، ولا سيما في سياق التحديات الداخلية فيها. وتضاف إلى ذلك، عملية الانتقال السياسي والتي توليها القاهرة اهتماماً كبيراً، بما يضمن مشاركة كل القوى السورية وأطياف المجتمع كافة، وعدم فرض توجه سياسي معين من دون توافق داخلي حقيقي، فيما تدرك مصر أن أي «استقرار هشّ» في سوريا قد يؤدي إلى «انفجار جديد» في المستقبل، وهو ما لا ترغب في حدوثه.
وخلال اللقاء، شدّد السيسي على ضرورة دعم استقرار سوريا، وضمان وحدة أراضيها، وضرورة أن تكون عملية الانتقال السياسي شاملة تعكس إرادة الشعب السوري بكل مكوّناته. ومن جهته، حاول الشرع تأكيد استعداده لبدء صفحة جديدة من العلاقات مع الدول العربية، وعلى رأسها مصر، مقدّماً «تطمينات» إلى أنه يرغب في التعاون مع القاهرة بما يخدم مصالح البلدين. لكنّ تصريحاته خلت، في الوقت نفسه، من الإشارة إلى أي خطوات ملموسة توضح كيف ستتعامل دمشق مع القضايا العالقة التي تثير قلق القاهرة.
وفي هذا الوقت، لا يزال الملف الأمني يمثّل أحد أبرز الهواجس المصرية، حيث تتابع القاهرة الوضع في سوريا عن كثب، وخصوصاً بشأن وجود جماعات متشددة، ومدى تأثيرها على الاستقرار الإقليمي. وعلى الرغم من أن دمشق أظهرت بعض الخطوات الإيجابية مثل توقيف شخص مصري كان قد نشر تصريحات مسيئة إلى
القاهرة، إلا أن مصر لا تزال تنتظر إجراءات أكثر وضوحاً لضمان عدم تحول سوريا إلى نقطة ارتكاز لأي تهديدات أمنية في المنطقة.
وعلى خط مواز، يبرز عامل آخر يفاقم «التحفظ» المصري المشار إليه، وهو طبيعة علاقات دمشق بالقوى الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى أن «القاهرة تراقب عن كثب كيف ستتعامل القيادة السورية مع القوى المؤثّرة في المنطقة، وخاصة إيران وتركيا، بالإضافة إلى موقفها من الملفات العربية الكبرى، من مثل القضية الفلسطينية والتوازنات في الشرق الأوسط»، موضحة أن «مصر لا تريد أن تتحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، ما قد يؤثّر على استقرار المنطقة بأكملها».
وفي ظل التحفظات المتقدّمة، من غير المرجّح أن تشهد العلاقات المصرية – السورية قفزة كبيرة في المدى القريب؛ فبالرغم من احتمالية الإبقاء المصري على قنوات الاتصال مفتوحة مع دمشق، لكن مصر لا تبدو ذاهبة إلى اتخاذ «خطوات متقدّمة» قبل أن ترى خطوات فعلية تعكس التزام القيادة السورية الجديدة بـ«المعايير» التي وضعتها مصر.
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار