عبد المنعم علي عيسى
بعد نحو 41 يوماً على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي محاولة كانت هي الخامسة في غضون هذه الفترة الفائتة، نجح مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء 15 تشرين ثاني الجاري، في استصدار القرار الذي سيحمل الرقم 2712 الخاص بالصراع الدائر راهناً بين كيان الاحتلال والشعب الفلسطيني منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حركة حماس في 7 تشرين أول الماضي.
من دون شك لا يمثل القرار، الذي تقدمت بمشروعه دولة مالطا التي ترأس مجموعة المجلس للأطفال والصراعات المسلحة قبيل أن يصبح قراراً نافذاً يوم الأربعاء الماضي، ملامسة لأدنى السقوف التي يجب أن يتوقف عندها المجتمع الدولي إزاء كارثة إنسانية تعددت مآلاتها لتطول حتى الموتى الذين بات من المتعذر دفنهم، والشاهد هو أن الصيغة التي جاء عليها نص القرار كانت «تدعو»، ولا تطلب، إلى «إقامة هدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة»، ثم تطالب، هذه المرة، بـ«الإفراج الفوري ومن دون شروط عن الرهائن»، وإذا ما كان كلا البندين السابقين اللذين شكلا عصب القرار وفحواه الأهم، قد جاءا نتيجة لقراءة لدى من صاغ المسودة مفادها أن هذا هو أفضل المتاح في ظل استشرافه المؤكد للتراصفات والمواقف الدولية تجاه الصراع، إلا أن الفعل هنا وفق ما جاءت عليه نتائجه جاء في سياق المقاربات الدولية التي راحت تتخذ طابعاً انحدارياً في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع قضية شعب سلبت أرضه ثم انتهكت حقوقه لدرجة راح فيها وسم «الإرهاب» يلاحق كل من يطالب بهذه الأخيرة ويستوي في ذلك من يطالب بها «ليناً» وبين من يحاول أخذها «عنوة»، أما أن يكون الرهان على «بث الأمل في هذه الساعة المظلمة» والسعي «إلى ضمان فترة راحة من الكابوس الحالي في غزة، وإعطاء الأمل لأسر جميع الضحايا» وفقا لما ورد في كلمة مندوبة مالطا فانيسا فرايزر التي سبقت التصويت على القرار، فإن الفعل يعطي صورة للأمم المتحدة هي أقرب لـ«طبيب» لا يملك سوى وصفة واحدة لمرضاه، أياً يكن مرضهم، هي «السيتامول»!
صدر القرار 2712 بتأييد 12 عضواً وامتناع ثلاثة عن التصويت، هم الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، والخريطة السياسية المرتسمة بفعل هذا الفعل تشير إلى أن المناخ الدولي ناضج، فحسب، للقيام بعمل «إنقاذي» من نوع ما على النحو الذي يفعله «الهلال الأحمر الدولي» راهنا في غزة والذي بات الدور الذي يؤديه أشبه بقناة اتصال مهمتها الأساس هي إيصال الرسائل إلى الفلسطينيين بإخلاء منازلهم، والمؤكد هو أن القرار الدولي لا يتعدى، بل لربما لا يطمح، لتجاوز ذلك الدور أو تلك المهمة، وبمعنى آخر باتت الأمم المتحدة معنية بمحاولة «المحافظة» على البشر من دون أي اهتمام بالكيان الذي يجب أن يعيش هؤلاء فيه.
أصدر مجلس الأمن، الذي تعتبر قراراته ملزمة بحسب ميثاق الأمم المتحدة، منذ قيام الكيان الإسرائيلي 40 قراراً بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي قبيل أن يحمل القرار 2712 الرقم الحادي والأربعين كان أولها الرقم 57 للعام 1948، وآخرها القرار 2234 للعام 2016، لكن تلك القرارات ليست واحدة في طبيعتها بل من الممكن في هذا السياق تقسيمها إلى قسمين، الأول يمتد من «النكبة» حتى منتصف التسعينيات، وفيه كانت كل القرارات الصادرة تتعاطى مع الصراع على أنه قضية شعب سلبت أرضه وحقوقه وهي كلها أيضاً تعترف بحقه في إقامة دولته على تلك الأرض مع اعترافها أيضاً بحق العودة للنازحين الذين يفوق تعدادهم تعداد فلسطينيي الداخل، والثاني يمتد من الحد الذي انتهى إليه الأول حتى الآن وفيه احتوى السجل على أربع موجات من التطبيع بل كانت الخامسة منها على وشك الحدوث أيضاً، كما احتوى على «المبادرة العربية» التي تبنتها قمة بيروت 2002، والأخيرة رسمت لمسار انحداري في المواقف العربية ما يمكن لحظه عبر التنازلات التي لم تكن مسبوقة، الأمر الذي قابلته إسرائيل بمزيد من التصلب والعنجهية، ومن حيث النتيجة كانت «المحتويات» قد أفضت إلى نتائج تفيد باستفراد الكيان الإسرائيلي بفلسطين بشراً وأرضاً، الأمر الذي يفسر بدرجة كبيرة طبيعة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن خلال هذه المرحلة، والشاهد هو أن تلك القرارات كانت قد اقتصرت على المطالبة بـ«وقف الاستيطان» و«الحد من استخدام العنف ضد المدنيين» ثم «إيصال المساعدات الإنسانية» للمتضررين.
واقع الأمر هو أن مسار «الانحدار» العربي كان سبباً رئيسياً في طبيعة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بطبعتها التي ظهرت عليها في أتون المرحلة الثانية المشار إليها أعلاه، فالقرارات الصادرة عن هذا الأخير غالباً ما تصدر نتيجة لرزمة من الحسابات تتداخل فيها معطيات عدة أبرزها موازين القوى على الأرض، ومنها مصالح الدول، التي غالبا ما تأخذ المعطى الأول بعين الاعتبار، وخصوصاً منها الخمس دائمة العضوية والتي منحها ميثاق الأمم المتحدة حق النقض «الفيتو»، وصولاً إلى مناخ دولي وهو غالباً لا يلعب دوراً فاعلاً وخصوصاً إذا ما تناقض اتجاه «بوصلته» مع المعطيين السابقين.
ماذا أبقينا، نحن كعرب، من موازين قوى يمكن لها أن تلعب دوراً مؤثراً في «مجلس أمن» محكوم بدول لا تفهم إلا لغة القوة وحسابات المصالح، بعد أربع موجات من التطبيع و«مبادرة عربية» مهدت جميعها لخمس طبعات من العدوان على غزة، بدأت العام 2008 ولن تنتهي بذاك الحاصل الآن.
سيرياهوم نيوز1-الوطن