آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » القصف التركي لشمال سوريا والعراق.. الرسالة لمن؟

القصف التركي لشمال سوريا والعراق.. الرسالة لمن؟

حسني محلي

 

جاءت عمليات “طوفان الأقصى” البطولية لتضع إردوغان، ومعه الأنظمة العربية التي صالحت “تل أبيب”، أمام تحديات صعبة ومعقدة بسبب توقيتها الاستراتيجي الذي دمر حسابات كل من كان يتودد إلى الكيان الصهيوني.

 

 

تذرّعت أنقرة بالهجوم الإرهابي أمام وزارة الداخلية، الذي قيل إن منفذَيه من حزب العمال الكردستاني التركي، وإنهما دخلا تركيا من سوريا وتدربا فيها، فأعلنت أنها ستستهدف جميع مواقع الحزب المذكور وذراعه السورية، وحدات حماية الشعب، سواء في شمال سوريا أو العراق.

 

بعد هذا الإعلان على لسان وزير الخارجية هاكان فيدان، الذي كان إلى جانبه رئيس المخابرات الجديد إبراهيم كالين ووزير الدفاع ورئيس الأركان، انطلقت الطائرات الحربية التركية باتجاه الشمالين السوري والعراقي، وبدأت تقصف العديد من الأهداف. وقد قيل إنها دُمرت بالكامل، بما فيها معظم البنى التحتية للميليشيات الكردية، العسكرية منها والاقتصادية.

 

وكانت المفاجأة المهمة في هذه العملية هي إسقاط إحدى المسيرات التركية التي اقتربت مسافة 500 متر من موقع أميركي بطائرة “أف – 16” الأميركية، وهو ما طرح العديد من التساؤلات في أنقرة وواشنطن معاً؛ فبعدما تساءلت بعض الأوساط السياسية عن أهمية التوقيت الزمني للهجوم الإرهابي الذي استهدف مدخل وزارة الداخلية الذي يبعد نحو 500 متر عن مبنى البرلمان الذي ألقى فيه إردوغان بعد ساعات من الهجوم خطابه السنوي، طرحت أوساط أخرى استفسارات عديدة عن احتمال أن تكون أطراف خارجية خلف هذا الهجوم الذي أرادوا من خلاله أن يبعثوا رسائل خاصة إلى الرئيس إردوغان.

 

وإذا تركنا كثرة التساؤلات والاستفسارات جانباً، فقد بات واضحاً أن القصف التركي لشمال العراق وسوريا يحمل في طياته العديد من الرسائل لمن يريد أن يستخلص العبر منها، وخصوصاً أن هذه العمليات التي يحضّر الجيش التركي لها منذ أشهر جاءت بعد الحديث عن العديد من السيناريوهات فيما يتعلق بالتوتر المستمر بين العشائر العربية والطرف الكردي داخل قسد بعيداً من أي تدخل من الجانب الأميركي؛ الطرف الأساسي الذي وقف موقف المتفرج حيال الاشتباكات بين الطرفين.

 

وجاءت العمليات العسكرية التركية بعد المعلومات التي تتحدث عن احتمال الاتفاق بين بغداد وواشنطن فيما يتعلق بإنهاء الوجود الأميركي في العراق، وهو أهم موضوع في حسابات الرئيس إردوغان الذي لا يريد لإيران أن تملأ الفراغ الناتج من هذا الانسحاب، وخصوصاً أن لطهران علاقات مميزة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي بزعامة بافل طالباني؛ نجل الرئيس الراحل جلال الطالباني. وقد كان قبل فترة في إيران.

 

أتى ذلك في الوقت الذي تحتفظ أنقرة بعلاقات مميزة مع الطرف الكردي الآخر، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة عائلة البرزاني التي تسيطر على أربيل، في الوقت الذي تسيطر جماعة الطالباني على السليمانية.

 

ولم تخفِ أنقرة قلقها من العلاقة الاستراتيجية بين وحدات حماية الشعب الكردية وواشنطن والعديد من العواصم الأوروبية و”تل أبيب”، التي تدعم معاً هذه الوحدات، سراً كان أو علناً. وقد تحدث الرئيس إردوغان أكثر من مرة عن هذا الدعم، واعتبره سبباً رئيسياً لموقف أنقرة الرافض انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي. وهدَّد إردوغان أكثر من مرة باحتمال أن لا يصدّق البرلمان التركي على مذكرة انضمام السويد، على الرغم من موافقته شخصياً على ذلك خلال القمة الأطلسية في تموز/يوليو الماضي.

 

في الوقت نفسه، تتحدث المعلومات عن مساعي أنقرة لزيادة عدد قواعدها العسكرية الدائمة في الشمال السوري شرق الفرات، حيث تسيطر القوات التركية على الشريط الممتد من رأس العين إلى تل أبيض، بطول 110 كم داخل الأراضي السورية، وهو الشريط الذي سيطرت عليه القوات التركية في تشرين الأول/أكتوبر 2019 بموافقة روسية – أميركية مشتركة، بعدما هددت أنقرة بالتوغل داخل الأراضي السورية لإبعاد الميليشيات التركية عن الحدود التركية مسافة 30 كم.

 

أتى ذلك في الوقت الذي كانت القوات التركية تسيطر على الشريط الحدودي السوري مع تركيا من جرابلس (مدخل نهر الفرات إلى سوريا) إلى عفرين، بطول 500 كم وعمق يتراوح بين 30 و70 كم، وحتى المناطق التي تسيطر عليها النصرة وعدد من الفصائل الحليفة لها في إدلب وجوارها، وهي جميعاً تحت الحماية التركية بكل أشكالها.

 

العمليات العسكرية التركية، وهي الآن جواً فقط، من المتوقع أن تتحول إلى عمليات توغل بري بضوء أخضر أميركي أيضاً بعد المعلومات التي تحدثت عن انزعاج أميركي من مواقف الوحدات الكردية المتناقضة، سواء فيما يتعلق بالاشتباكات مع العشائر العربية السنية التي تربطها بأنقرة علاقة منذ فترة طويلة أو بسبب عدم قطع علاقاتها وحواراتها المستمرة مع دمشق.

 

وفي هذا الإطار، يرى البعض في الموقف الأميركي المتجاهل للعمليات التركية، إن لم يكن مؤيداً لها، عنصراً مهماً في أي صفقة سياسية أو عسكرية شاملة مع أنقرة، وتتطلب بالدرجة الأولى “تأديب” المليشيات الكردية وقياداتها، السورية منها أو التركية”، حتى يتسنى للطرفين الانتقال إلى مرحلة تالية من التعاون الإقليمي أو الدولي في مناطق مختلفة، ليس في سوريا والعراق فحسب، بل الشرق الأوسط عموماً، ثم القوقاز، ولاحقاً آسيا الوسطى، حيث تلتقي الأهداف التركية -الأميركية في الحديقة الخلفية لروسيا، من دون أن يتجاهل الطرفان المصالح المشتركة في البلقان وشمال أفريقيا ما دامت هذه المصالح تتناقض بشكل أو بآخر مع الحسابات الروسية والصينية والإيرانية معاً أو على انفراد.

 

خلاصة القول أنَّ الرئيس إردوغان الذي حقق أول انتصاره بدخول جيشه إلى سوريا في آب/أغسطس 2016 بضوء أخضر روسي، ومنها أصبح لاعباً رئيسياً فيها، وعبرها في ليبيا والعراق والمنطقة عموماً، نجح لاحقاً في ترسيخ نجاحاته هذه بانتصار أهم في القوقاز.

 

ويسعى إردوغان الآن لمزيد من هذه الانتصارات في آسيا الوسطى والبلقان، وربما أماكن أخرى. وقد تكون العمليات العسكرية التركية أحد مؤشرات الصفقة الأميركية – التركية الجديدة، وخصوصاً إذا تذكرنا أن واشنطن لم تقم الدنيا وتقعدها بعد هذه العمليات، إذ سمحت للطيران التركي بالتوغل في المجال الجوي السوري، وهو تحت سيطرتها وسيطرة الروس معاً. كما لم تسمح واشنطن للقيادات الكردية شرق الفرات باتخاذ أي رد فعل جدي، عسكرياً كان أم سياسياً وإعلامياً ضد العمليات التركية.

 

وقد بات واضحاً أنها ستكون بداية لمرحلة جديدة في سياسات التوازن التي نجح إردوغان فيها خلال علاقاته مع روسيا وأميركا، وكان كل ذلك على حساب سوريا وليبيا والعراق والصومال وأرمينيا، والآن الكرد في سوريا، الذين يبدو أنهم سيكونون مادة دسمة في مساومات كل الأطراف بعدما استفادت هذه الأطراف من الورقة الكردية، كما فعلت منذ أكثر من 100 عام في العراق وتركيا وإيران، والآن سوريا.

 

ويبقى الرهان على النتائج الأولية للموافقة الأميركية، السرية منها والعلنية، على العمليات العسكرية التركية. وبتحقيق أهدافها، سيجد الرئيس إردوغان نفسه في موقع وموقف أقوى خلال مساوماته مع الجميع.

 

وإذا كان العكس صحيحاً، أي عدم موافقة واشنطن على هذه العمليات، فسيجد إردوغان نفسه في وضع لن يحسد عليه سياسياً وعسكرياً، كما هي الحال اقتصادياً ومالياً، وسبب كل ذلك هو سياساته الخارجية، وبشكل خاص دوره فيما يسمى “الربيع العربي”، وقبل ذلك مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهما معاً صناعة صهيو/أميركية بامتياز.

 

ربما لهذا السبب، قال الزعيم الإسلامي ورئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان: “تل أبيب وواشنطن والقوى الصهيونية تقف وراء حزب العدالة والتنمية”، وأضاف “أن من يصوت لإردوغان في الانتخابات عليه أن يعرف أنه يصوت في الأساس لأميركا وإسرائيل”، وكأنه كان يتنبأ بمصالحة إردوغان الأخيرة مع نتنياهو وما سينتج منها من “تعاون استراتيجي في جميع المجالات، ومن أجل أمن المنطقة واستقرارها وسلامها”، ولكن بمعايير الاتفاقيات الإبراهيمية، وربما لهذا السبب استعجل مصالحة الإمارات والكيان الصهيوني والسعودية، وأخيراً السيسي الذي يستعد لزيارة أنقرة قبل زيارة نتنياهو لها.

 

وقد تثبت كل هذه المعطيات أعلاه أن العمليات التركية الأخيرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إلى أن يحقق إردوغان كل أهدافه مع أو ضد الحليف الاستراتيجي أميركا، وبغياب المواقف العربية والإقليمية الصحيحة تجاه سياساته، نجح في تنفيذ معظم مخططاته ومشاريعه منذ ما يسمى بـ”الربيع العربي”، وجاءت عملية “طوفان الأقصى” البطولية لتضع إردوغان ومعه الأنظمة العربية التي صالحت “تل أبيب” أمام تحديات صعبة ومعقدة بسبب توقيتها الاستراتيجي الذي دمر حسابات كل من كان يتودد إلى الكيان الصهيوني ويرى فيه “القوة التي لا تقهر وتحكم العالم”.

 

وقد أثبت شباب المقاومة الفلسطينية أن “إسرائيل” لا شيء، وأن زوالها بات قريباً، فيهود العالم لن يأتوا إليها بعد الآن خوفاً، ومن فيها من اليهود سيهربون منها بأقرب فرصة إلى الأماكن التي جاؤوا منها قبل وبعد 1948، وسيتحولون إلى منبوذين فيها.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في ضربة لدولة الاحتلال.. “الجنائية الدولية” تتحدى إسرائيل وتصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بتهم جرائم حرب في قطاع غزة.. حماس ترحب واسرائيل تتهمها بفقدان “كل شرعية” وبـ”معاداة السامية”.. وحماس ترحب وتعتبره خطوة “تاريخية مهمة”

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرتي اعتقال دوليتين بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد ...