فاتن أحمد دعبول:
أقام اتحاد الفنانين التشكيليين وبالتعاون مع المركز الثقافي في الميدان فعالية حملت عنوان” الكبار لا يرحلون، أيقونات سورية في ذاكرة الوطن”، تضمنت معرضا تشكيليا بمشاركة عدد كبير من الفنانين تكريما لذكرى الفنانين الراحلين” د. ممدوح قشلان، د. الياس الزيات، والفنان علي الكفري” وندوة فكرية بإدارة الإعلامية إلهام سلطان التي بينت في تقديمها للندوة بأن الفنانين وإن رحلوا جسدا، لكنهم باقون في ذاكرة الوطن ضوءا، وفي ذاكرة الإبداع منارة، وفي صفحات الإنسانية حياة.
مدرسة للأجيال
وأضافت سلطان: ستبقى بصماتهم الإبداعية مدرسة ومنهجا للأجيال القادمة، وآثارهم موشومة على حارات دمشق القديمة وعلى ضفاف الوجوه المتعبة، إنهم الجذور، جذور الشمس ومفتاح بوابات الإبداع والحضارة، هم من أعلام الفن التشكيلي وأيقوناتها التي لا ترحل.
وبدورها أوضحت ليلى صعب مديرة مركز ثقافي الميدان أن المركز بعراقته يشكل قبلة للمثقفين والفنانين، والاحتفال اليوم بقامات كبيرة نعتز بها هي مبادرة قيمة لتكريم فنانين رحلوا عن دنيانا.
وقالت: كيف للفنان أن يموت وقمحه مدفون في عروق البشرية، كلما هطل المطر نبت من جديد فاتحا أبواب فردوس الجمال يحمل في قلبه حفنات من ضوء، ينثرها على العالم كلما شح الرجاء، ويحشد جيوشه من ريش ولون وأفكار في وجه الحروب والدمار، ويرهن أن الحب هو أقصر الدروب إلى الحياة.
وعبر عرفان أبو الشامات رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين عن أهمية هذه التظاهرة الفنية وفاء وتكريما لفنانين رحلوا، لكن بصماتهم ماتزال تحكي مرحلة فنية عريقة، وتأتي هذه التظاهرة ضمن احتفالية الجمهورية العربية السورية بالفن التشكيلي” سبعون عاما من الحداثة” وأن الفنانين الراحلين يشكلون مدرسة للأجيال ترتقي بالفن والمشهد الثقافي الفني.
فنان من الطراز الرفيع
واهتم د. عبد المعطي أبو زيد رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في الندوة بالسيرة الذاتية للفنان علي الكفري وقال: هو فنان من الطراز الرفيع، ارتقى بفنه وريشته حتى باتت لوحاته تأسرنا لما تتسم به من طبيعة خاصة تدل على الفنان الذي أبدعها.
أما إنتاجه الفني التشكيلي فهو حافل ومتنوع بالمواضيع والتقنيات، يدخل من بوابة التصوير الفني الملون تارة، والتصميم الزخرفي والرسم الخطي المزين بتواشيح ذات صبغة فنية، ويقتحم أسوار الحفر والتزيين تارة أخرى، كما أنه نسج علاقات متميزة مع مساحة النكبة ودروب الألم الفلسطيني متعدد الأمكنة والأزمنة، وفيها إشارة رمزية واضحة لمسارات الرحيل عبر بوابة الزمن وبكافة الاتجاهات.
وأضاف: تعتبر أعمال الفنان علي الكفري بصمة مميزة في حراك الفن التشكيلي الفلسطيني والسوري، وأكد وجوده في الحركة التشكيلية العربية كأحد أركانها.
عنوان الحضارة
وتوقف غسان أحمد غانم أمين السر العام عند سيرة الفنانين الراحلين الذين عشقوا ريشتهم حتى الرمق الأخير، لونوا الحياة في وجودهم، ومازالوا يلونون الذاكرة في غيابهم.
ورغم الظروف القاهرة التي تمر بها بلادنا، لايزال المبدعون في دائرة الاهتمام، لأنهم عنوان الحضارة والتقدم والازدهار، وثروة المجتمع الإنسانية والفكرية التي نصارع بهم كل القوى الظلامية.
ووصف بدوره الفنان التشكيلي ممدوح قشلان بأنه أحد رواد الحركة التشكيلية المعاصرة في الفن السوري، واستطاع بفنه أن يوثق لمعشوقته دمشق بانسجام رائع بين تراثها المعماري ومستجداته والنسيج الاجتماعي لأهلها، وبقي مخلصا لموضوعه الذي اختزن فيه جميع ذكريات البيئة الشعبية والمرأة بزيها الخاص حاضرة في لوحاته.
أما الفنان الراحل الياس الزيات ففي لوحاته مرجعيات حضارية سورية كثيرة، كالملامح التدمرية وتأثيرات الأيقونة والخصائص الشعبية ورموز الحياة اللونية، واستطاع أن يوثق للحضارة السورية بجمالها وعمقها وبأبهى صورها، وسيبقى أيقونة في ذاكرة الوطن والإبداع.
ورأى غانم في الفنان التشكيلي علي الكفري ذاك المناضل الفلسطيني السوري، المناضل باللون والريشة، وبلوحاته الواقعية التي تنبض بالحياة، وعابقة بمظاهر تراثية متنوعة، وقد عمل على استعادة التراث العربي الإسلامي بشكل جديد ومعاصر.
من أعمدة الفن التشكيلي
وفي مشاركتها بينت الفنانة التشكيلية لينا ديب أهم المحطات في حياة الفنانين الراحلين المكرمين، وقالت:
استغرق الفنان ممدوح قشلان في البحث عن هويته الذاتية ضمن الأجواء التراثية، وتمكن بحرفيته العالية من تحويل الذاكرة الشعبية إلى مادة ومحتوى بأسلوب حمله نحو التعبير الواقعي، الذي طوره بصيغة تحليلية تعبيرية للوصول إلى التكعيبية لرصد ماورائيات المشهد وخلق حوار بصري بينها، وبذلك استطاع أن ينقل الهوية الشامية في لوحاته إلى العالمية.
وعندما وصفوه” بالشاهد على العصر” كونه واكب الكثير من الأحداث التاريخية الفاصلة في سورية، كيف تتعامل مع واقع الأزمة التي عصفت بالبلاد؟ فأجاب: ” إنني كفنان ومواطن أعتبر أن واجبي الأخلاقي يدفعني لإنجاز أعمال فنية تمثل الوجه المشرق والجميل لسورية”.
وفي حديثها عن الفنان الياس الزيات تقول: تتسم أعماله بالشمولية والتنويع، واهتم بالمواضيع التاريخية والدينية والأسطورية، واستطاع أن يمتلك ناصية التحليل والرؤية المتبصرة الملمة بتفاصيل المواضيع التي جسدها في لوحاته، وما ساهم في إغناء عالمه الجمالي المستند إلى رموز التراث، هو فن الأيقونة، كما الأسطورة التي وجد فيها مصدرا ملهما يضفي على عمله مسحة صوفية مفرطة في الجمالية الحسية، فغلب على أعماله الجو الأسطوري التأملي المفعم بالمتعة البصرية، والمشع بفلسفة فن الأيقونة الشرقية من حيث الأداء وبعض الجمل التعبيرية.
وعبر المشاركون في المعرض عن أهمية تكريم المبدعين وتخليد ذكراهم وهذا ما أكدته الفنانة التشكيلية صريحة شاهين التي شاركت بلوحتين تحاكي فيهما الجولان وطبيعته الخلابة وألوانه الرائعة.
ومن الواقع قدمت الفنانة التشكيلية جميلة كاترينا لوحة بعنوان” الوحدة” تحكي فيها عن مغادرة الأصدقاء والأحبة، وكيف بقيت سيدة اللوحة وحيدة ومن حولها صور من تفتقدهم في الغياب، وزادها الذكرى وتلك الصور، وهذا حال الكثير من العائلات، ولكن يبقى الأمل بالغد القادم بأن يحمل الجمال كله.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة