| أمينة عباس
أجمع المشاركون والحضور في ندوة “ماذا وكيف نكتب للطفل؟” والتي أقيمت مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة على أن الكتابة للطفل ليست بالأمر السهل، فهي مسؤولية كبيرة تقع على من يرغب التوجه لأطفالنا لأنها تتطلب مهارات خاصة قد لا يمتلكها كثيرون، وأن الاستسهال ما زال سيد الموقف في هذه النوعية من الكتابة التي تخاطب الطفل اليوم بعيداً عن أهم شروطها.
روح وقلب طفل
ورأت الكاتبة كنينة دياب أن الكتابة للطفل عامل مغذّ لحاجات الطفل السيكولوجية، وهي تنمّي قدراته الانفعالية وترقى بمستواه المعرفي ومهاراته اللغوية كتابةً وقراءةً، إضافةً إلى أنها تنمي خياله الواقعي والعلمي بشكل عام، مؤكدة أن الكاتب حين يكتب للطفل عن أي مجال من المجالات يجب أن يكون ملمّاً به ومدركاً لتأثيرات ما يكتبه على الطفل، مع إيمانه بضرورة بثّ الأمل وتنمية الحس الوطني والانتماء للوطن، وأن يعيش بقلب طفل حين يبتكر الفكرة ويحدد الهدف من القصة وفقاً للفئة العمرية التي يتوجه إليها، حيث أن لكل مرحلة أسلوباً ولغة وإخراجاً مختلفاً،مع إشارتها إلى أن معظم الكتّاب الكبار جربوا في مرحلة ما أن يكتبوا للطفل، لكنهم توقفوا لأن الكتابة للطفل هي السهل الممتنع، لكنها كالسير فوق حقل ألغام، تتطلب الحذر الشديد، وأهم ما تحتاجه هو أن تكون روح الكاتب روح طفل، وأن يمتلك كلّ مؤهلات الأديب الحقيقي من إبداع ولغة وخيال وثقافة،إضافةإلى ضرورة اطلاعه على علم النفس والتربية، وأن يكون مثالاً حقيقياً لهذا الطفل في شخصه وسلوكه، موضحة دياب أنه حين نكتب للطفل يجب أن ندرك أننا نكتب لرجل المستقبل دون توجيه مباشر وإلاسوف نغرق في المواعظ لأن طفل هذا العصر أذكى مما نتصوّر رغم كل المصاعب والأزمات التي مر بها، مؤكدة أن الطفل عالم خاص وسحري جداً، ومن يكتب له يجب أن يدرك تماماً ما الذي عليه أن يكتبه وكيف يتوجه له، وأن يحترم عقله، معبّرة أ.كنينة دياب عن أسفها لوجود قصص كثيرة متواجدة في السوق فيها أخطاء معرفية وتربوية ومغالطات أخلاقية.
مسؤولية كبيرة
وتحدثت الأديبة أريج بوادقجي، رئيسة تحرير مجلة “شامة”، عن خصوصية الكتابة للطفل والدوافع التي تجعلنا كأشخاص مهتمين بهذا الجنس الأدبي الفريد.. من هنا بيّنت أن أدب الأطفال هو أدب الوثبات الحضارية، ودونه لا نستطيع أن نقفز خطوات إلى الأمام، ورأت أن من ميزاته قدرة الكاتب على مزج ماهو معرفي وما هو عقلي وما هو وجداني بشكل غير مباشر وغير تلقيني،بعيداً عن إسداء المواعظ والإرشادات، وعن طريق إيقاظ الشعور لأن المشاعر النبيلة موجودة في قلب الطفل، لكنها تحتاج إلى إيقاظ من خلال استخدام تقنيات أدبية ونفسية، مؤكدة على ضرورة أن يكون الكاتب مطلعاً على آخر ما توصل إليه العلم في التكنولوجيا والفضاء والعلوم الطبيعية والكيمياء ليستطيع أن يوظّف هذه العلوم في خطابه للطفل وبناء فكر إنسان المستقبل، كما عليه أن يكون مفكراً حقيقياً إذا أراد أن ينعش التفكير والأسئلة في قلب الطفل القارئ، موضحة أن ليس كل كاتب قادر على الخوض في مغامرة الكتابة للأطفال لأنها مسؤولية كبيرة ملقاة على كاهله، فكل كلمة ستترك أثرها في فكر الطفل وشخصيته وسلوكه، مشيرة إلى أن أدب الأطفال عبر التاريخ تطور تدريجياً بناءً على احتياجات الطفل، وصولاً إلى العصر الحديث حيث شهد هذا الأدب نهضة كبيرة نتيجة انتشار المطابع والمجلات والكتب، مؤكدة أن كتابات كثيرة للأطفال اليوم مستنسخة من قصص عالمية يتم تقديمها بقالب كلاسيكي يصلح للعصور الوسطى، وهذا خطأ كبير لأن ما كان يصلح في الماضي لا يصلح اليوم،وبالتالي لا يمكن أن ندفن المستقبل على تلال الذاكرة، حيث المشكلة الكبرى مع كتّاب اليوم برأيها ومن جميع الأعمار أنهم يكتبون بناءً على الطفولة التي عاشوها، وهذا أمر غير مقبول لأنه لا يمكن أن نتوجه إلى طفل اليوم من ذكريات الأمس، ورأت أن ذلك يعبّر عن الاستسهال في التوجه للطفل، وقد بات من يفشل في الكتابة للكبار يحاول التوجه للطفل، وهذا فخ كبير وقع فيه كثيرون، مع إشارتها إلى أن هناك أدباء كباراً يتابعون آخر ما توصل إليه العلم والثقافة، وينظرون إلى طفل اليوم وماذا يحتاج ثم يكتبون، مؤكدة أن المؤهلات التي تجعل الكاتب كاتباً للأطفال هي أن يكون مطّلعاً وصاحب معرفة، وأن يوظف جميع معارفه لإغناء النص الذي بين يديه ليتمكن من جذب الطفل، منوهة إلى أن الأطفال في هذا العالم يولدون غرباء، ولعلّ المجتمع والأهل يضاعفان ذلك الشعور بعدم الإجابة على أسئلتهم الوجودية التي تؤرقهم، فيأتي أدب الأطفال ليتعاطف معهمويتلمس احتياجاتهم ويحاول أن يقدّم تجارب ومعارف لهمعن طريق أدب الأطفال وبأسلوب شيق وبمفردات من عالمهم، مع لجوء الكاتب إلى الخيال الذي يجب ألا يتناقض في جزئياته مع العلم والواقع.
بناء الفكر
وأشار قحطان بيرقدار مدير منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب ورئيس تحرير مجلة “أسامة” في مداخلة له إلى ضرورة أن يتسلح الكاتب الذي يكتب للأطفال بعلم النفس الطفلي والتربوي لأنه يفتح آفاقاً لدى كاتب الأطفالالذي يجب أنيشتغل بالدرجة الأولى على بناء فكر إنسان المستقبل الذي ما إن يولد وإلى مرحلة النضوج يمر ببعض أزمات الهوية بسبب مواقف تحدث معه في الحياة، ويجب أن يشتغل الكاتب على هذه المساحة من حياة الطفل ويستغلها ليصنع من الطفل إنسان المستقبل.
أريج بوادقجي رئيسة تحرير مجلة “شامة”
سيرياهوم نيوز3 – البعث