محمد ناصر الدين
ضمن رؤية «الحركة الثقافيّة-انطلياس» الملتزمة بالثقافة كفعل للتغيير والتنمية والتلاقي بين اللبنانيين، افتتحت «المهرجان اللبناني للكتاب» في دورته الحادية والأربعين في «دير مار الياس» في انطلياس، في تظاهرة ثقافية وفكرية تمتد حتى العاشر من آذار (مارس). تغيب عن المهرجان الإشكاليات الكبرى التي ترافق معارض الكتب «الدولية» التي تُقام في لبنان من قبيل حضور الناشر العربي والكلفة العالية للأجنحة، والانقسامات بين نقابة الناشرين و«النادي الثقافي العربي» وغيرها من المشكلات اللوجستية والإدارية والسياسية ولو مقنّعة في معظم الأحيان. إلا أنّ معرض انطلياس يحتفظ بحيوية محلية محبّبة، إن دلّت على شيء، فهو على دينامية المجتمع اللبناني في بناء الثقافة وصنعها وإصرار النخب الفكرية والأدبية والجامعية على مدّ جذور التواصل والحوار في مواجهة التعصّب والانحطاط.
رؤية الحركة الثقافية للمعرض وأبرز أنشطته لخّصها أمين المعرض لهذا العام منير سلامة الذي شدّد على رفع التحدي من قبل الحركة الثقافية بإقامة المهرجان رغم الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان والمنطقة، ولا سيما الإجرام الصهيوني في غزة وسكوت الدول الغربية الراعية له عن الإرهاب الممارس بحق الفلسطينيين الساعين إلى بناء دولة يعيشون فيها بكرامة، فكان القرار بإطلاق التظاهرة الفكرية والثقافية التي تشارك فيها معظم الجامعات، ولا سيما الجامعة الوطنية اللبنانية، وما يربو على خمسين دار نشر لبنانية حصراً، إضافة إلى جناحين للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. يلخص سلامة البرنامج الثقافي للمعرض بمحاور ثلاثة أوّلها تكريم أعلام الثقافة اللبنانيين في الطب والمسرح والمحاماة والأدب والموسيقى، مع تركيز على مناسبتين مهمتين في شهر آذار هما «يوم المرأة العالمي» و«عيد المعلم» بحيث تحتفي الحركة بوجوه مضيئة في ميدان العمل النسائي والتربوي في لبنان.
تغيب عن المهرجان الإشكاليات الكبرى التي ترافق معارض الكتب «الدولية» التي تُقام في لبنان
Ad
Unmute
بثق PVC 2024 (انظر الأسعار)
بولي كلوريد الفينيل
أما المحور الثاني فيتعلّق بإقامة الندوات حول القضايا الملحّة المتعلّقة بلبنان ومصيره ومستقبله. وتبرز هنا ندوتان أولاهما تدور حول حرب غزة وتداعياتها على لبنان والمنطقة، والثانية حول النزوح واللجوء وتداعياتهما الديموغرافية والسياسية والثقافية، إضافة إلى ندوات مستقلة تنظمها دور النشر المشاركة والمنتديات والجامعات. إذ يستضيف المعرض حوالى ثمانين شخصية فكرية وتنقل كل المحاضرات والمداخلات على قنوات الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي. المحور الثالث هو برنامج تواقيع الكتب الذي يشمل أكثر من 120 توقيعاً لهذا العام. كما ختم سلامة بأن الحركة وكدأبها كل عام، تسعى إلى إصدار الجزء السابع من كراسها السنوي «أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي» (800 صفحة) والكتاب السنوي الذي يضم أنشطة الدورة السابقة كاملة. يحضر «اتحاد الكتاب اللبنانيين» بقوة في مهرجان انطلياس. يقول عضو هيئته الإدارية الشاعر طوني مطر إنّ الاتحاد بتوجيهات من رئيسه احمد نزال ومراعاة منه للأحوال الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، قرّر توزيع كامل منشورات الجناح بالمجان على الزوار، ولا سيما كتب تكريمية للشعراء والمسرحيين الراحلين أمثال محمد علي شمس الدين، وجوزيف حرب، ومحمد كريّم وغيرهم. المنتديات الأدبية والفكرية والجمعيات لها حضورها الوازن هي الأخرى، إذ تعبّر فاليا عيسى المسؤولة التنفيذية في «مركز الإمام موسى الصدر» عن فرحتها بحجم الإقبال على جناح المركز وتشديد الزوار على راهنية فكره والحاجة إلى طروحات التنوير والانفتاح في هذا الزمن الصعب.
كما أوضحت ميراي شحادة، مؤسسة «منتدى عبد الله شحادة شاعر الكورة الخضراء» (1910-1985)، أنّ المنتدى مزج الأنشطة التشكيلية والموسيقية مع تلك المتعلّقة بالكتابة والنشر، عبر نشر المؤلفات الكاملة لشحادة وكتاب يتناول سيرته الأدبية والإبداعية ألّفته يسرى بيطار. كما قدّم الفنان طوني معلوف لوحة تشكيلية في افتتاح المهرجان، فيما يرافق أنشطة توقيع الكتب عزف على الكمان من الفنان خضر رجب. المكتبات المحلية حاضرة هي الأخرى في أجنحة المعرض. يؤكد عدنان عليان الذي تجمع مكتبته أحدث إصدارات الدور اللبنانية أنّ التخفيضات على الأسعار تُراوح من عشرين إلى خمسين في المئة لتشجيع القرّاء، ولا سيما الجيل الشاب. ويبدي عليان تفاؤلاً حذراً حول حركة المعرض التي وإن بدأت بطيئة، إلا أنها ستتصاعد بشكل تدريجي اقتراباً من نهاية المعرض.
التخفيضات تراوح من عشرين إلى خمسين في المئة لتشجيع القراء الشباب
أما في ما يتعلق بوجوه المعرض وآخر الإصدارات، فقد وقّع الكاتب والمسرحي اللبناني عبيدو باشا كتابه المرجعي «تعا ولا تجي: مائة عام على ولادة عاصي الرحباني» الصادر عن «دار نلسن» حيث يتطرق بالنقد إلى تجربة الأخوين الرحباني وفيروز وإلى مواضيع جديدة تناقش للمرة الأولى مثل تجربة عاصي الرحباني كممثل واللغة الرحبانية «البيضاء» وما لها وعليها داخل النسيج اللبناني المعقّد مناطقياً وسياسياً وطائفياً، إضافة إلى إدخال أعمال الرحابنة في المناهج التربوية اللبنانية والجذور الموسيقية ودور الشعر وصوت فيروز كرافعة في المعمار الرحباني الهائل. الروائية إيمان حميدان وقّعت هي الأخرى روايتها الأخيرة «أغنيات للعتمة» (دار الساقي) التي تناولت التاريخ اللبناني بعمقه النسوي بأسلوب تنطق فيه الراوية بلسان أجيال نسائية متعاقبة في سرد لا يخلو من الشعرية يجد فيه الزمن سياقه في الألم والأمل. كما سبقت التوقيع ندوة حول الرواية بمشاركة رفيف صيداوي ودينيز الغول، إضافة إلى مشاهد مسرحية من الرواية قامت بتوليفها مسرحياً ماري طوق وأدتها رويدا الغالي، إضافة إلى ساندرا بوكروم ورنيم شمص وكاترين حرب. وأقامت الحركة الثقافية تكريماً للمسرحي رفعت طربيه شارك فيه الشاعر طلال حيدر والمؤرخ عصام خليفة والفنان مرسيل خليفة الذي أكّد أن طربيه وجد في المسرح خلاصاً له وأقام حواراً بينه وبين الوجدان العام. الأسبوع الأخير من المعرض سيشهد مجموعة من التواقيع مثل «أبحاث في تاريخ لبنان وجواره في الفترة الحديثة والمعاصرة» لعصام خليفة (الجمعة ـــ الخامسة مساء) و«السياحة الدينية الثقافية في لبنان: استراتيجية لتنمية مستدامة» لليلى مكرزل سعد (السبت ــــ الثالثة عصراً) و«الديبلوماسية الأميركية تجاه لبنان- ستّ محطات وأمثولاتها (1943-2023)» لدايفيد هيل (الأحد ـــــ السادسة مساء).
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية